علم اجتماع
علم اجتماع (بالإنجليزية: Sociology)، يرجع الفضل في إنشاء علم الاجتماع إلى العالم العربي (عبد الرحمن ابن خلدون)، 1332-1406، وقد سماه “علم العمران البشري” أو “الاجتماع الإنساني”.
وقد سبق ابن خلدون المفكر الفرنسي (أوجيست کونت)، 1798-1857، الذي يعتبره الفرنسيون أول مؤسس لعلم الاجتماع، بعدة قرون. وقد سمى أوجیست کونت هذا العلم الجديد أولا Physique Sociale (علم الطبيعة الاجتماعية)، ثم عاد وسماه بالاسم المشهور به الآن، وهو باللغة الفرنسية Sociologie (علم الاجتماع).
هذا ويهمنا أن نشير هنا إلى أن ابن خلدون قد قام بإنشاء هذا العلم الجديد لكي يخلص البحوث التاريخية من الأخبار الكاذبة. أما أوجیست کونت فقد دعاه حرصه على إصلاح المجتمع إلى إنشاء هذا العلم الجديد.
يقول الأستاذ الدكتور علي عبد الواحد وافی: “فليس الفضل في إنشاء علم الاجتماع يرجع إذن إلى فيكو (1668-1744) كما يزعم الإيطاليون؛ ولا إلى كتلیه (1796-1874) كما يدعي البلجيكيون؛ ولا إلى أوجست كونت Auguste Comte (1798-1857) كما يقول الفرنسيون، وإنما يرجع إلى مفکر عربی ظهر قبل هؤلاء جميعا بنحو أربعة قرون، فأقام هذا العلم على دعائم سليمة، وسار فيه على صراط واضح مستقيم، واستوعب جميع مسائله، ووصل في تنظيم دراساته وكشف حقائقه إلى شأن رفيع لم يصل إلى مثله واحد من هؤلاء، ذلكم هو العلامة عبد الرحمن أبو زيد ولى الدين ابن خلدون الحضرمی”.
ويعتبر البحث في طبيعة الظواهر الاجتماعية وتحديد خصائصها النوعية من أهم موضوعات الدراسة الاجتماعية. وبالرغم من أهمية هذا الموضوع، فإن ابن خلدون لم يقم بتعريف الظاهرة الاجتماعية. كما أن “أوجیست کونت” لم يهتم، كذلك، بتحديد صفاتها. أما “دوركايم” فقد اهتم بدراسة هذا الموضوع في كتابه “قواعد المنهج في علم الاجتماع”، وهو يرى أن علم الاجتماع علم مستقل، وليس تكملة لعلم النفس. فهو يدرس طائفة من الظواهر التي لا يشاركه في دراستها علم آخر. والظواهر الاجتماعية لها صفاتها النوعية التي تتميز بها عن غيرها، فهي توجد خارج شعور الفرد. ويقصد “دورکایم” بهذه الصفة أن الظاهرة الاجتماعية ليست من صنع الفرد، وهي موجودة في المجتمع خارج شعور الفرد كحقيقة موضوعية، وتنتقل من جيل إلى آخر. وهي سابقة في الوجود على وجود الفرد في المجتمع.
والظواهر الاجتماعية مزودة بصفة الجبر، أي بقوة قاهرة تفرض نفسها فرضا على أفراد المجتمع. ومن يحاول أن يخرج على ما رسمة المجتمع من حدود فإنه يقابل بالمقاومة من جانب المجتمع. كما تعتبر صفة “العمومية” من الصفات التي تتميز بها الظاهرة الاجتماعية أيضا. ويقصد (دوركايم) بالعمومية “الانتشار في داخل المجتمع”. وقد حدثنا (دوركايم) أيضا في كتاب “قواعد المنهج في علم الاجتماع” عن القواعد الخاصة بملاحظة الظواهر الاجتماعية، وأولى هذه القواعد وأكثرها أهمية، كما يقول دوركايم، هي القاعدة الآتية: يجب ملاحظة الظواهر الاجتماعية على أنها “أشياء”. ويقصد دوركايم بذلك أن الظواهر الاجتماعية يجب أن تعالج كما تعالج الظواهر الوضعية الأخرى وتستطيع أن تقدم نفسها للملاحظة. يقول (دوركايم): “ومهما يكن من شيء فإن الظواهر الاجتماعية “أشياء” ويجب أن تدرس على أنها “أشياء”، ويقول أيضًا: وحينئذ فمعنى أننا نعالج الظواهر على أنها “أشياء” هو أن نعالجها على أساس أنها أشياء تقدم نفسها للملاحظة.
كما يهمنا أن نشير هنا إلى أن ا. دوركايم قد عرض – في بحث نشره سنة 1909 لتبويب علم الاجتماع. وعنوان هذا البحث باللغة العربية هو: “علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية”. وقد رأی دوركايم أن علم الاجتماع ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهذه الأقسام هي: المورفولوجيا الاجتماعية، الفسيولوجيا الاجتماعية، علم الاجتماع العام.
وتهتم المورفولوجيا الاجتماعية بدراسة البيئة الجغرافية للشعوب وعلاقتها بالتنظيم الاجتماعي. ويقول دوركايم أن علم الفسيولوجيا الاجتماعية يشمل عدة علوم خاصة، وذلك نظرا لتعدد الظواهر الاجتماعية. وهو يرى أن هذا العلم ينقسم إلى الفروع الآتية: علم الاجتماع الدینی، علم الاجتماع الأخلاقي، علم الاجتماع القانوني، علم الاجتماع الاقتصادی، علم الاجتماع اللغوى، علم الاجتماع الجمالي.
ويهتم علم الاجتماع العام بدراسة الصفات المشتركة، التي تميز الظاهرة الاجتماعية والقوانين العامة التي تخضع لها ومناهج البحث المناسبة لها. وهذا العلم هو الذي يربط بين المورفولوجيا الاجتماعية والفسيولوجيا الاجتماعية، ويضع الأسس الضرورية التي يجب اتباعها في دراسة كل ميدان اجتماعی.
وقد انتقد الأستاذ الدكتور مصطفى الخشاب تقسيم دوركايم لعلم الفسيولوجيا الاجتماعية لأنه أغفل نواح هامة ما كان ينبغي له أن يهملها: “أغفل دوركايم عند تقسيمه للعلوم الاجتماعية الخاصة نواح هامة ما كان ينبغي أن يهملها. فنراه لم ينشئ فرعًا لدراسة النظم الاجتماعية البدائية أو دراسة المجتمعات المتأخرة مع أنه هو نفسه يعتمد في كل دراساته اعتمادا كليا على هذه المجتمعات لأنه يقرأ في نظمها أصول النظم الحديثة. فكان من الواجب أن ينشئ فرعا من فروع علم الاجتماع يكون موضوعه دراسة المجتمعات المتأخرة والوقوف على القوى الإجتماعية التي تؤدي بها إلى التطور، وجانب دوركايم الصواب في أنه لم ينشئ علوما اجتماعية خاصة لدراسة الاجتماع السياسي والأسرى والريفي والمدني والتربوي مع أنه لمس موضوعات هذه العلوم وألف فيها وحفل عصره بمشاكل لا حصر لها تتعلق بالعمال في المدن والزراع في الريف ولفتت نظره الصعوبات التي تواجهها هذه الطبقات.
وفي مصر حصل بعض الباحثين – خلال النصف الأول من القرن العشرين – على درجة الدكتوراه من فرنسا، فمثلا، لقد حصل يوسف نحاس على درجة الدكتوراه سنة 1901. وعنوان رسالته التي تقدم بها للحصول على هذه الدرجة هو: “الفلاح، حالته الاقتصادية والاجتماعية”. كما حصل الدكتور طه حسين على درجة الدكتوراه سنة 1917. وقد تتلمذ هناك على عالم الاجتماع الفرنسي الشهير (إ. دوركايم)، وعنوان الرسالة باللغة العربية هو: “فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، تحليل ونقد”. وفي سنة 1931 حصل الدكتور علی عبد الواحد وافي على درجة الدكتوراه. وعنوان الرسالة الأصلية، باللغة العربية، هو “نظرية اجتماعية في الرق”. أما عنوان الرسالة المكملة فهو: “الفرق بين رق الرجل ورق المرأة”. كما اتجه بعض الباحثين في مصر إلى بريطانيا، خلال النصف الأول من القرن العشرين، للحصول على درجة الدكتوراه من جامعاتها. فمثلا، لقد حصل الأستاذ الدكتور حسن الساعاتی سنة 1946 على درجة الدكتوراه من جامعة لندن. وعنوان رسالته، باللغة الإنجليزية، هو Juvenile Delinquency In Egypt. كما حصل الأستاذ الدكتور على عيسى سنة 1950 على درجة الدكتوراه من جامعة اکسفورد. وعنوان رسالته، باللغة الإنجليزية، هو: The Methods of Social Anthropology: An Examination of Current Ideas And Practice. وفي سنة 1948 وافقت جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) على إنشاء قسم خاص لعلم الاجتماع في كلية الآداب. وكان الأستاذ عليعبد الواحد وافي هو أول مصري يحصل على لقب أستاذ علم الاجتماع في الجامعات المصرية ومن الرواد الأوائل الذين قاموا بتدريس علم الاجتماع في الجامعات المصرية. نذكر الأساتذة الدكاترة: على عبد الواحد وافی (جامعة القاهرة)، عبد العزيز عزت (جامعة القاهرة)، حسن الساعاتی (جامعة الإسكندرية وجامعة عين شمس)، مصطفى الخشاب (جامعة القاهرة)، على عيسی (جامعة الإسكندرية)، حسن سعفان (جامعة عين شمس وجامعة الأزهر)، السيد بدوی (جامعة الإسكندرية)، أحمد الخشاب (جامعة القاهرة).
كما يهمنا أن نشير هنا أيضا إلى أن (نقولا الحداد) هو مؤلف أول كتاب ظهر في مصر بعنوان “علم الاجتماع” سنة 1925.
انظر: Arab Republic Of Egypt Comte, A. Durkheim, E. Al Khashshab, M. Al Saaty, H. Ibn Khaldoun, A. Industrial Sociology Issa, A. Social Anthropology Sociology Of Religion
المراجع
- على عبد الواحد وافی، عبد الرحمن ابن خلدون، حياته وآثاره ومظاهر عبقريته (الجمهورية العربية المتحدة، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، الإدارة العامة للثقافة، سلسلة أعلام العرب، الناشر: مكتبة مصر بالقاهرة، ص 206.
- إميل دوركايم، قواعد المنهج في علم الاجتماع ، ترجمة محمود قاسم ومراجعة السيد محمد بدوي، الناشر: مكتبة النهضة المصرية، سنة 1950، ص 65.
- مصطفى الخشاب، علم الاجتماع ومدارسه، الكتاب الأول وموضوعه تاریخ التفكير الاجتماعي وتطوره، مطبعة لجنة البيان العربي، الطبعة الثالثة، سنة 1376 هـ، 1957 م، ص 219.
- أرمان کوفیلییه، مقدمة في علم الاجتماع، ترجمة السيد محمد بدوى وعباس أحمد الشربینی، دار المعارف، مصر، سنة 1961.
- علي محمود الفار، معجم علم الاجتماع، إنجليزي – عربي، دار المعارف، الإسكندرية، 2001.