الكذب الإحصائي .. الحديث!!
بالرغم من كل ما يقال عن دقة الأرقام واستخداماتها الحسابية التي لا تكذب، إلاً أنه بالتدقيق في الكثير من مشكلات المجتمع العربي الحالية بمختلف أنواعها يمكننا استخلاص نتيجة مفادها بأن الأرقام هي أحد أهم مسبباتها بشكل أو بآخر لدرجة أننا نستطيع تلخيص تلك المشكلات بما يمكن أن يطلق عليه “صراع الارقام”، أما تفاصيل تلك المسألة الشائكة فهي تمتد لتشمل العديد من مقومات المجتمع وركائزه المفصلية بدءاً بأبسط الطرق المتمثلة في سرد بعض الأرقام الهادفة لوصف مبسط لأمر معين وانتهاءَ بالدراسات التحليلية المفصلة التي تبحث في مسألة أكثر تعقيداً بطريقة إحصائية موثَقة سواء كان بحثاً أكاديمياً أو دراسة مهنية متخصصة، أو حتى استطلاعاً للرأي العام.
وفي الوقت الذي قد تبدو فيه نتائج دراسة إحصائية معينة دقيقة بالقدر الكافي ومُقنعة إلى حد كبير، بخاصة عند إظهار النسب المئوية التي تدل على صغر الخطأ المحتمل فيها، إلاَ أن الفئة المستهدفة فيها تكون بعيدة كل البعد عن الفئة المعنية أصلاً بموضوع البحث، الأمر الذي يهدم كل تلك النتائج ويجعلها مجرد سراب.
وقد تهدف بعض الدراسات لقياس المؤشرات المتعلقة بأمر معين ورغم ذلك نجد أنها تحتوي على عكس ما يفترض أن تحتويه من حيث مبدأ الأخذ بالأسباب والنتائج المترتبة عليها أو علاقة الربط بينهما، كأن تحتوي أسئلة الدراسة على سؤال موجه للبائع عن أمر يخص منتج معين بدلاً من توجيهه للمُشتري الذي يشتريه ويستخدمه، أو تحتوي على سؤال عن مدى صعوبة اسئلة امتحان ما موجه للمدرس بدلاً من توجيهه للطالب!
ومن المفارقات التي قد تتجلى بوضوح في تلك الإشكالية الإحصائية هي ما يمكن أن ينشأ من “تعارض رقمي” مُثير لدرجة لا يمكن تصورها عندما تُظهر النتائج أرقاماً غريبة وتعكس الكثير من التناقضات والمفاجآت التي يمكن أن تحتويها الدراسة ولم تكن متوقعة، ويتم استكشاف هذا الأمر من خلال تمرير نوعية من الأسئلة الذكية لاستكشاف مثل هذا التناقض أو في حال وُضعت أسئلة خاطئة بطريقة غير مقصودة أو حتى مصاغة بطريقة مغلوطة قد تؤدي نفس الغرض.
إن مصطلح الكذب الإحصائي، الذي انتشر في القرن الماضي وكان الهدف منه تجنيب الإحصائيين الوقوع في الأخطاء الإحصائية الرقمية، قد تغير الآن في عصر المعلوماتية والتدفق الهائل للمعلومات والنسق المجتمعي الحديث بحيث أصبح أمراً اعتيادياً يقوم به الجميع، بقصد أو حتى بدون قصد، كنتيجة طبيعية للكثير من الثغرات في جوانب عديدة ناجمة عن تغيرات هذا العصر وما أفرزه من عناصر ومفارقات خفية يتوجب مراعاتها والأخذ بها لتجنب الوقوع في تلك الأخطاء التي يتم تأسيسها وتوثيقها بشكل يومي.