القانون – تعريفه وأهميته، النظام القانوني والعلوم القانونية

الملخص

نظرية القانون – دراسة تمهيدية، تعريفه والضرورة الاجتماعية له، معنى الكلمة، القانون الوضعي والطبيعي، النظام القانوني، العلوم القانونية.

مقدمة

تستهدف دراسة نظرية القانون بيان أحكامه الأساسية دون التطرق إلى دقائقه وتفصيلاته. فالهدف من دراسة القانون استيعاب المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون قبل الدخول في التفصيلات. وكل فرع من فروع القانون له كيان خاص يميزه عن غيره من الفروع. ولكن هذه الفروع رغم تباينها تتفق جميعها في أنها تقوم على مبادئ أولية وقواعد أساسية تنطبق على كل الأفرع.

ومن ثم فإن كل ما يتعلق بالقانون من حيث تعريفه وتحديد خصائصه وفروعه وأساسه ومصادره وتطبيقه يعتبر من قبيل المبادئ القانونية العامة التي تصدق على كافة الفروع ويتكون من هذه المبادئ ما يسمى بنظرية القانون.

ودراسة نظرية القانون تعتبر دراسة تمهيدية لازمة لتفهم فروع القانون المختلفة. وتعتبر بذلك بمثابة تمهيد يُقصد به إعطاء فكرة مبسطة واضحة عن المبادئ القانونية العامة. وبالرغم من أن هذه الدراسة تمهيدية إلاّ أنها تشمل أحيانًا دراسة كاملة لبعض الموضوعات نظرًا لأنها لا تأخذ أهميتها في الدراسة.

القانون ضرورة اجتماعية

الإنسان كائن اجتماعي لا يكتسب صفته كإنسان إلاّ بالعيش في مجتمع. ومن ثم يقال الإنسان مدني بطبعه لا يمكن أن يعيش منعزلا. وعلى ذلك فإن وجود المجتمع أمر حتمي. وفي المجتمع تنشأ بين الأفراد علاقات متنوعة عائلية واجتماعية ومالية وسياسية وغير ذلك.

وبعبارة أخرى فإن كل فرد في علاقته بغيره يأخذ ويعطي حتى يشبع حاجاته وتصريف ما يتوفر له من إمكانيات ومن ثم يدخل مع غيره من الأفراد في علاقات. والفرد في سعيه لإشباع حاجاته وتحقيق رغباته قد تتعارض مصالحه مع مصالح غيره من الأفراد ومن ثم يحدث التنافس بين الناس ويعمل كل فرد بغريزة البقاء إلى تغليب مصالحه الخاصة على مصالح الآخرين ولو عن طريق القوة. ومن هنا تصبح الغلبة للأقوى وحينئذٍ تعم الفوضى والإضطراب مما قد يؤدي إلى انهيار المجتمع.

تنظيم الحياة الاجتماعية

لكل ما سبق كان لا بد من وجود نظام يوجه نشاط الأفراد ويحكم ما بينهم من علاقات بحيث يتم التوفيق بين المصالح المتعارضة وبين حقوق كل فرد وواجباته قبل الحاكم. ووسيلة كفالة هذا النظام هي أن ينزل كل فرد عن قدر من حريته حتى يمكن لجميع أفراد المجتمع أن يتمتعوا بحرياتهم على قدم المساواة. ومن هنا ظهرت القوانين لإقامة هذا النظام. فالقوانين هي التي تبين لكل فرد حدود ما له وما عليه إزاء الآخرين. فالقوانين نشأت بقصد تنظيم الحياة الاجتماعية منذ أول مراحل وجودها. وإلى جانب القوانين توجد قواعد أخرى تنظم الحياة الاجتماعية تتمثل في قواعد الدين والأخلاق والعادات والمجاملات. ولكن القوانين هي الأقدر على تنظيم المجتمع لما يتوافر فيها من عنصر الإلزام بمعنى أنه إذا احترم الفرد قواعدها طواعية كان بها وإلا أُجبر على هذا الاحترام عن طريق السلطة المختصة.

ولا يمكن تخيل وجود مجتمع بلا قوانين تحكمه. فالقوانين بالنسبة للمجتمع كالعمود الفقري بالنسبة لجسم الإنسان. ومن ثم لا بقاء لمجتمع بلا قوانين تحدد لأفراده ما يجوز وما لا يجوز فعله وما يجب وما لا يجب فعله، وهي تصدر في صورة أوامر يجب اتباعها أو نواهِ يجب الامتناع عنها، وقد ثبت فشل النظرية الماركسية التي تؤمن بفكرة اندثار القانون في مرحلة الشيوعية حيث تزول الدولة مع زوال الطبقية وحدوث الوفرة الاقتصادية ومن ثم فالقانون وفقًا للنظرية الماركسية ظاهرة عابرة. إنه ضرورة لإقامة النظام في المجتمع، والعمل على بقائه وارتقاءه وإقرار السلام والأمن وحماية الحريات داخله.

وإذا كان لا يوجد مجتمع بلا قانون يحكمه، فإنه لا يوجد قوانين بلا مجتمع. ومعنى ذلك أنه لن يكون للقوانين وجود إلاّ إذا كان هناك مجتمع ينظمه. فإذا تصورنا مكانًا لا يوجد فيه سوى فرد واحد فلا يكون هناك قانون يحكمه لأن القوانين تفترض وجود واجبات للأفراد بعضهم على بعض وذلك لا يتصور إلاّ إذا وجد عدد من الأفراد.

القانون والحق والواجب والمركز القانوني

القانون هو مجموعة قواعد تنظم العلاقات الاجتماعية بصورة عامة مجردة وتقوم على احترامها سلطة عامة توقع الجزاء على من يخالفها. والقوانين، في تنظيمها للعلاقات الاجتماعية، تبين للأفراد حقوقهم وواجباتهم.

وبعبارة أخرى فإن القاعدة القانونية عند تطبيقها على شخص معين تعطي من تنطبق عليه ميزة معينة أو تضمن له قيمة معينة أو تفرض عليه مسلكًا معينًا وهذه المزايا أو القيم هي ما يطلق عليه الحق أما وجوب اتخاذ مسلك أو موقف معين فهو ما يسمى الواجب. ومن ثم فالحق والواجب هما أثر لتطبيق القاعدة القانونية.

ومعنى ذلك أنه متى نشأ الحق فإن القانون يقره ويحمي استئثار صاحبه بالقيمة محل الحق في الحدود التي رسمها القانون وذلك عن طريق وضع واجب عام على الكافة بالامتناع عن كل ما يؤدي إلى منع صاحب الحق من التمتع به، وبالإضافة إلى ما سبق في بعض العلاقات القانونية ترتب القوانين المختصة التزامًا معينًا على شخص معين لصالح صاحب الحق.

وعلى ذلك فإن القوانين في تطبيقها على الأفراد تقرر حقوقًا وواجبات بالتبادل بين طرفي العلاقة القانونية أو تقرير حقوق لطرف في مقابل التزام أو واجب خاص على طرف آخر. ومن هنا تظهر الصلة بين القوانين والحق والواجب.

معنى كلمة القانون

يُقصد بالقانون في اللغة الأصول، وفي علم الطبيعة تعني الخضوع لنظام ثابت بمعنى العلاقة أو القاعدة المطردة بين ظاهرتين بحيث إذا حدثت إحداهما تحققت الثانية بشكل طبيعي.

ومن أمثلة القوانين الطبيعية:

قانون رد الفعل، والذي ينص على أنه:

“لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه”.

وقانون السكون والحركة، الذي ينص على أنه:

“الجسم يستمر على حالته من سكون أو حركة منتظمة في خط مستقيم ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تغير من حالته”.

قانون السكون والحركة في الفيزياء

وعلى ذلك فقوانين الطبيعة تعني الخضوع لنظام ثابت لا يتخلف ولا يمكن مخالفته.

أما القانون بمعناه الاجتماعي فيقصد به القواعد التي تنظم العلاقات الاجتماعية. وهذه القواعد يخضع لها الفرد بإجباره على ذلك عن طريق السلطة المختصة ومن ثم فإن هناك فرصة للإفلات من حكم القواعد القانونية بالرغم من ووقوع المخالفة. أما في قوانين الطبيعة فلا مفر من الخضوع لحكمها.

القانون الوضعي والقانون الطبيعي

يقصد به مجموعة القواعد الملزمة التي توضع سلفًا بقصد تنظيم سلوك الأفراد في مجتمع معين في زمان معين. فالقوانين الوضعية تتميز بأن قواعدها توضع سلفًا بحيث يتمكن الأفراد من معرفتها وتنظيم أمورهم على أساسها، وهي تتخصص بمكان معين وزمان معين.

ويُقصد بالقانون الطبيعي مجموعة القواعد الدائمة التي لا تتغير بتغير الزمان ولا بتغير المكان والتي تعتبر القواعد المثالية التي ينبغي أن يستنبط منها المشرعون قواعد القانون الوضعي في مختلف الدول والتي يستنبط منها القاضي الحكم الذي يطبقه على النزاع إذا لم يجد ما يسعفه في المصادر الأخرى.

النظام القانوني

لمصطلح النظام القانوني ثلاث معانِ:

المعنى الأول للنظام القانوني

يطلق مصطلح النظام القانوني على مجموعة القواعد القانونية المطبقة في دولة معينة.

المعنى الثاني للنظام القانوني

يطلق مصطلح النظام القانوني في دراسة القانون المقارن على مجموعة من قوانين الدول مستوحاة من مبادئ مشتركة والتي تتشابه أحكامها إلى حد كبير مثل:

  • النظام القانوني اللاتيني ويشمل قوانين بعض دول أوروبا الغربية وبعض دول أمريكا اللاتينية.
  • النظام القانوني الإنجلوسكسوني ويشمل قوانين دول المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والدول التي أخذت عنها.

المعنى الثالث للنظام القانوني

يقصد بالنظام القانوني القواعد القانونية التي تنظم مسألة معينة تمتاز بالأهمية مثل النظام القانوني للزواج. بمعنى القواعد القانونية التي تنظم الزواج من الخطبة إلى انعقاده وآثاره وانتهاءه. والنظام القانوني للملكية بمعنى مجموعة القواعد القانونية التي تحيط بمشكلات الملكية.

العلوم القانونية

هناك مجموعة من العلوم تسمى بالعلوم القانونية تتناول بالدراسة موضوعًا واحدًا هو القانون. ولكن كل واحد منها يبحث فيه من زاوية معينة. فهناك علم القانون بالمعنى الضيق وفيه يقتصر البحث على القوانين الوضعية القائمة في دولة معينة بهدف التعرف على قواعدها القانونية وتحليلها لمعرفة مضمونها، أي ما تقرره من حقوق وواجبات وما تقترن به من وسائل تكفل احترامها. وهناك علم تاريخ القانون وهو يبحث في تطور القاعدة القانونية كيف كانت وماذا أصبحت فيربط بين الحاضر والماضي ويمهد للمستقبل.

وهناك علم القانون المقارن وهو يبحث في قوانين عدة دول محاولا الكشف عن أوجه التشابه والاختلاف بينها. كما أن هناك علم الاجتماع القانوني وهو يبحث في القوانين باعتبارها ظاهرة اجتماعية ومن ثم يبحث تأثرها بتطور المجتمع وتأثيرها في البنيان الاجتماعي والاقتصادي للدولة. وبعبارة أخرى يبحث هذا العلم الارتباط بين الأنظمة القانونية والواقع الاجتماعي. وهناك علم الإجرام وهو يبحث في تفسير ظاهرة الإجرام. كمل أن هناك علم العقاب وهو يبحث في بيان الوسائل الملائمة لتأهيل المحكوم عليهم. وهناك أخيرًا علم فلسفة القانون وهو يبحث في القوانين لذاتها عن طريق تحديد الأساس الذي تقوم عليه والأهداف التي ترمي إليها بشكل مجرد.

المصدر

كتاب: المدخل لدراسة القانون، نظرية القانون. تأليف: الدكتور/ السيد عيد نايل

  • المحامي لدى محكمة النقض
  • أستاذ القانون المدني
  • عميد كلية الحقوق سابقًا، جامعة عين شمس
القانون - تعريفه وأهميته، النظام القانوني والعلوم القانونية
القانون – تعريفه وأهميته، النظام القانوني والعلوم القانونية
error:
Scroll to Top