نظريات العقد الاجتماعي الحديثة
(1) نظرية الأوزان الانتخابية
لقد بات من المؤكد أننا الآن بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، لإيجاد الحلول الإبداعية والابتكارية للمشكلات التي نواجهها في مجتمعاتنا، تلك المشكلات التي تخطت كل ما يمكن أن تتخطاه وصولاً إلى حد التصارع المؤلم بين أطراف متعددة في المجتمع الواحد، والتي يُفترض أن تكون متراصّة بجميع ألوانها في مواجهة ما هو أهم وأحوج للمواجهة من تحديات لصالح مستقبل الأجيال القادمة، تلك الأجيال التي أهملناها على مر السنين وأهملنا كل احتياجاتها المستقبلية في خضم تلك الصراعات، حتى وصلنا لما نحن عليه الآن، بالرغم من امتلاكنا لتلك الألوان المتعددة التي نُحسد عليها ويعتبرها آخرون أجمل وأقوى ما فينا، وهم غارقون بلون واحد بالرغم من تعدد أحزابهم واختلاف أسمائها لدرجة أننا كعرب قد لا نلحظ، أو حتى نهتم بالفرق البسيط بين أي منها.
ولكن الغريب في هذا الأمر أن أننا نجني الآن نتيجة الإهمال السابق لتلك الأجيال، حتى وصلوا إلى السن القانوني الذي يحق لهم فيه الانتخاب، وهنا تكمن مشكلتنا الحقيقية، حيث أننا جعلنا من الصوت الانتخابي لشاب في الثامنة عشر من عمره، قد يكون طالباً جامعياً أو حتى في المدرسة الثانوية، يعادل نفس وزن الصوت الانتخابي لأي شخص آخر في الستين أو الخمسين من عمره مثلاً، ومن الممكن أن يكون بنفس الوقت جد ذلك الشاب أو أبيه الذي لا يزال يرعاه ويقوّم سلوكه المندفع والمتهور أحياناً، وقد يكون أيضاً أستاذه الجامعي أو مدير مدرسته التي يتلقى فيها أساسيات التربية والتعليم، وتلك معضلتنا الجوهرية ومنشأ كل المشكلات لأننا لم نعط لها الاهتمام الكافي، والضروري، عند استنساخ التجربة الديمقراطية من الغرب الذي تختلف بنيته وهيكلته الاجتماعية المتحررة بشكل كبير عن المجتمع العربي.
لذا، ومن هذا المنطلق، وحتى تكتمل التجربة الديمقراطية بنكهتها العربية الإبداعية، فإنه ينبغي لنا إعادة “هندسة وبناء العملية الانتخابية” في جميع المجالات وكافة مناحي الحياة السياسية والنقابية والبلدية والأكاديمية والاجتماعية وحتى استفتاءات الرأي العام، لتتناسب مع مجتمعنا العربي الذي يطمح لأن يكون مجتمعاً ديمقراطياً تنموياً عربياً يسعى للازدهار بالمعنى الجوهري لهذه الكلمة وليس بالمعنى المستنسخ الذي يؤدي للتخبط، المعنى الذي يؤدي إلى العدل في قياس أصوات الناخبين بحسب العديد من العوامل والتي نذكر منها هنا الفئة العمرية والحالة الاجتماعية وعدد الأبناء على سبيل المثال لا الحصر، وفق أوزان يتم تحديدها لكل عامل من تلك العوامل، بحيث نصل إلى الهدف المنشود لترميم الفجوة التي نشأت بسبب إهمال هذا الأمر.
ومن منظور علمي رياضي بحت، وباستخدام أدوات رياضية إحصائية فعّالة ساهمت على مر العصور في وضع حلولاً جذرية للعديد من المسائل العلمية المعقدة وأسست لإجراء العديد من البحوث العلمية المتخصصة الهادفة لتحليل الظواهر واستنباط العلاقات والارتباطات بين العوامل المؤثرة فيها، والتي امتدت لتشمل جميع مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية، النظرية والتطبيقية، بهذه الأدوات فقط يمكننا إيجاد الحلول الإبداعية لتلك المسألة من خلال عمل الدراسات والأبحاث الهادفة لتحديد تلك العوامل وتقييم “أوزان” كل منها وتجميعها معاً لتنتج “الوزن الانتخابي الشامل” والعادل لكل شخص بحيث يكون منصفاً لكل المجتمع.
عندئذٍ، سيطمئن كل الآباء والأمهات على مستقبل الأجيال القادمة ولو بشكل نسبي قد يؤول في النهاية لاستقرار المجتمع ككل وترابطه وتماسكه من خلال تعاظم دور الشباب الواعي المسئول وكبار السن والمخضرمين “انتخابياً”، تماماً مثلما يحدث للعائلة العربية في المنزل الذي يعمل فيه كل من الأب والأم على أدارته وتربية وتوجيه أبنائهم منذ الصغر ومنحهم المسئولية بشكل تدريجي للأكبر سناً فالأصغر بشكل تسلسلي كلما زادت أعمارهم دون إجحاف أو إسراف، ولنا أن نتصور الفرق الجوهري الذي سوف تُحدثه نظرية الأوزان الانتخابية هذه بخاصة في المجتمعات الفتية إحصائياً وتأثيرها الإيجابي على بنية المجتمع العربي ككل وإعادة ترتيب البيت الداخلي وبناء مجتمع ديمقراطي بما يتماشى مع عاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة.
يمكن مطالعة النسخة الإلكترونية من كتاب “نظريات العقد الاجتماعي الحديثة، نظرية الأوزان الانتخابية” من خلال الرابط التالي:
كتاب “نظريات العقد الاجتماعي الحديثة، نظرية الأوزان الانتخابية”