نحو تطوير منظومة التدريب
(1) البرامج التدريبية المتكاملة
تُعتبر مسألة التدريب المتخصص والتنمية البشرية من المسائل المهمة في هذا العصر باعتبارها أحد أهم مقومات مسيرة التنمية والتطوير والازدهار الذي تطمح إليه كل المجتمعات على اختلافها، وذلك باعتبار أن عملية تنمية وتدريب الإنسان هي الركيزة الأساسية لمسيرة التنمية في أي مجال، وبالرغم من التطور والتسارع الكبير الذي نشهده حالياً في كل المجالات الحيوية في المجتمع إلّا أن ذلك أدى إلى نشوء ما يمكن أن نطلق عليه “تخبط تدريبي” نتج عن الزحام الشديد والكثافة غير المسبوقة للبرامج التدريبية التي تُطرح يومياً في العديد من المجالات، إضافة للتشابك فيما بينها بطريقة غير واضحة المعالم ومثيرة للالتباس في كثير من الأحيان، وهو ما يساهم بشكل تدريجي وعلى مر السنوات في تراجع مستوى الاحترافية للمتدربين المتخصصين في كثير من المجالات.
فمن جهة، ساهمت أدوات هذا العصر وخصائصه من حيث السرعة والتغيرات والتشابكات الحاصلة بين المجالات المتعددة في إيجاد حالة أقرب ما تكون للتخبط والحيرة وسوء الاختيار لدى الطلاب والخريجين الذين يتطلعون إلى إتقان مهارات محددة ضمن تخصصاتهم العلمية الأكاديمية بطريقة تصاعدية تساعدهم في الوصول إلى مستوى من الاحترافية الذي يمكن أن يضمن لهم الحصول على وظائف تناسب طموحاتهم في المستقبل، أو حتى تطوير مستواهم الاحترافي إذا كانوا موظفين بالفعل من أجل التقدم على السلم الوظيفي أو مواكبة التطور الحادث في المؤسسات والشركات التي يعملون فيها لضمان الاحتفاظ بوظائفهم، بخاصة في الشركات التي تتطور باستمرار وتطمح للمنافسة العالمية، ومن جهة أخرى، ربما أكثر أهمية، ساهمت تلك الخصائص وذلك الزحام في تشتيت المتدربين أنفسهم وفقدانهم التدريجي للرؤى المستقبلية بعيدة المدى لخطط وبرامج التدريب المثلى وأساليب التدريب التي تُناسب تخصصاتهم وطموحاتهم وإمكاناتهم والتي يُفترض أن تؤدي بالنهاية إلى احترافهم وتميزهم وحتى إبداعهم في تلك التخصصات.
والحل الأمثل لهذه المعضلة، التي تُعاني منها معظم المجتمعات سواء في الدول النامية أو المتقدمة، هو تكاتف جهود الخبراء والمتخصصين من أجل إعادة هيكلة وتطوير منظومة التدريب والتنمية البشرية في جميع المجالات وفي كل التخصصات والمستويات التدريبية بطريقة تتناسب مع معطيات ومفرزات هذا العصر وخصائصه المميزة، بحيث تُصبح منظومة أكثر فاعلية وفائدة للمتدربين وللمجتمع، منظومة تستطيع التغلب على التشتيت الناتج عن خصائص هذا العصر، وذلك بإتباع منهجية ذات خصائص معاكسة للتشتيت، بحيث يتم إعادة هيكلة وتنظيم البرامج التدريبية وتطعيمها بخصائص التكامل والترابط والتسلسل وبأهداف ورؤى تدريبية بعيدة المدى يتم تنظيمها على شكل سلاسل متصلة من الدورات التدريبية المتكاملة، المترابطة والمتسلسلة بشكل تصاعدي والتي من شأنها أن تساهم أولاً في استعادة تركيز المتدربين وضمان حُسن اختياراتهم التدريبية بما يتناسب مع طموحاتهم وما توفره تلك البرامج من رؤى مستقبلية بعيدة المدى من جهة، إضافة لمساهمتها في تدريبهم وتأهيلهم بالشكل الأمثل في مجالات تخصصاتهم وصولاً إلى مستوى الاحترافية الذي يوفره ويعززه وجود تلك الخصائص من جهة أخرى.