نحو التطوير الإستراتيجي للنظم القانونية
(2) القوانين الديناميكية الذكية – Intelligent Dynamic Laws
يحدث أحياناً أن يقوم شرطي المرور بتغيير اتجاه حركة سير المركبات من الاتجاه القانوني المسموح به في أحد التقاطعات إلى الاتجاه المعاكس بسبب الزحام الشديد الذي قد يكون تسبب به حادث على الطريق أو لأي سبب آخر قد يدفعه لاتخاذ هذا الإجراء بهدف منع تكدس المركبات وتسهيل حركة المرور، وبالرغم من أن السائقين يعلمون عقوبة السير بالاتجاه المعاكس إلاّ أنهم يستجيبون له ويسيرون فيه باعتباره أصبح هو الاتجاه القانوني، المؤقت، وفق تقديرات شرطي المرور، كما أنه يحق للشرطي في تلك الحالة مخالفة السائق الذي قد يُصرّ على السير في الاتجاه الأصلي باعتباره يرتكب بذلك مخالفة مرورية مكتملة الأركان!
وفي واقع الأمر أن هذه المسألة المرورية البسيطة، المتعارف عليها في معظم الدول، إضافة للكثير من المسائل المرورية الأخرى الشبيهة بها، ليست إلاّ شكل من أشكال ما يمكن أن نطلق عليه “القوانين الديناميكية” القابلة للتغيير والتبديل بحسب ما تتطلبه كل حالة وبحسب ما يطرأ من تغيرات أو حوادث مفاجئة على الطريق وما تفرضه تلك الحالة من إجراءات يتخذها كل شرطي وفق تقديراته الشخصية وما يراه مناسباً في كل موقف بحيث يكون الإجراء المتخذ بالنهاية وسيلة للتخفيف من الأضرار بقدر الإمكان وتسهيل حركة المرور في أوقات الذروة وعند حدوث الازدحام لأي سبب كان.
وإذا أمعنا النظر في الحياة اليومية الإنسانية في هذا العصر سوف نجد أنها تختلف عما كانت عليه في العقود السابقة، فمن جهة هناك زيادة مستمرة في عدد السكان ترتبت عليها زيادة كبيرة في الأنشطة الإنسانية بكافة أشكالها، ومن جهة أخرى، أكثر أهمية، ما تسبب به هذا العصر من حيث استحداث أنشطة جديدة وتشابكات وتقاطعات بين مختلف أنواع الأنشطة في المجتمع، بحيث أدى هذا الأمر إلى ازدحام وتراكم وتشابك العديد من المشكلات المتداخلة والمركّبة بطريقة تشبه ما يمكن أن يحدث في التقاطعات المرورية، الأمر الذي جعل من النظم القانونية التقليدية تبدو، في كثير من المواضع، وكأنها شرطي مرور متشدد، أو ربما متراخي، يقف مكتوف الأيدي وسط زحام مروري منقطع النظير عند أحد التقاطعات دون أن يتخذ أي إجراء استثنائي وقتي يلزم من أجل ضبط وتسيير حركة المرور!!
ولكي تواكب النظم القانونية والتشريعية هذا العصر ومتغيراته المتعددة وما أفرزه من سمات جديدة فإنه ينبغي تطويرها بطرق مبتكرة غير تقليدية، ويستلزم هذا الأمر الكثير من الجهد الذي يهدف لاستكشاف وإيجاد الحلول القانونية المناسبة لكل المشكلات في كل مجال مع الأخذ بالاعتبار التقاطعات والتشابكات التي أوجدها العصر الحديث بين المجالات المتعددة، بحيث تكون حلولاً إستراتيجية قابلة للتطبيق في كل الظروف والأحوال وذلك من خلال استحداث وتطوير القوانين والتشريعات المُطعمة بالنصوص القانونية “الديناميكية” الذكية المبنية على التقديرات الصحيحة والتي تشتمل على المرونة والحكمة بالقدر الكافي الذي يجعلها قابلة لاستيعاب التغيرات والتطورات والتشابكات وتهدف دائماً لتسيير الحياة اليومية في المجتمع بالاتجاه الصحيح وبالشكل الأمثل وفق تلك التقديرات.
كما يتطلب هذا الأمر، بشكل أكثر أهمية، تكاتف كل الجهود، العلمية البحثية والعملية التطبيقية، من كافة أركان المجتمع ومؤسساته المتخصصة في جميع المجالات والهادفة لبحث وتحليل وجدولة وترتيب المشكلات والأولويات التي ينبغي بناء وتطوير وتحديث النظم القانونية والتشريعية بطرق عصرية مبتكرة وديناميكية وفقاً لها، وبما بتناسب مع، ويناسب، احتياجات كل من متطلبات حل المشكلات الآنية القائمة والمستقبلية المتوقعة من جهة وتحقيق غايات التنمية المستدامة والتطوير الإستراتيجي بشكل تكاملي لكل تلك المجالات من جهة أخرى.