مدير المشروع واختياره ومهاراته ووظائفه الأساسية
على المستوى العملي، تعتبر إدارة الأشخاص الداخليين والخارجيين الكُثر الضروريين لإنجاح أي مشروع نشاطًا رئيسًا، وهي قد تشكل مصدر صعوبات بالنسبة إلى مدير المشروع أو مدراء المشاريع. وبالتالي، تعالج هذه الوحدة المشاكل الإنسانية المرتبطة بإدارة المشاريع.
تتوافر كتب متطورة جدًا حول المشاكل الإنسانية الخاصة بالأفراد والفرق، وستعرض هذه الوحدة لمحة عامة موجزة عن بعض المجالات الأساسية المرتبطة بإدارة المشاريع الفعّالة. وتركز اللمحة العامة على النواحي الأكثر ارتباطًا بالمتطلبات الوظيفية لمدير المشروع والفريق العامل على المشروع.
المحتويات
أدوات وتقنيات إدارة المشاريع
الواقع أن الأدوات والتقنيات المستخدمة في إدارة المشاريع تشهد المزيد من التحسين والتطوير باستمرار. ويتم اليوم استخدام التقنيات المعقدة تقريبًا في مختلف النواحي المتعلقة بإدارة المشاريع. وفي الوقت نفسه، وفّرت التطورات في تكنولوجيا المعلومات قدرات محسنة للتخطيط وإعداد الموازنة والمراقبة والضبط باستخدام برامج حاسوب بالغة التعقيد وإنما سهلة الاستخدام. وتتولى البرمجيات المنخفضة التكلفة نسبيًا احتساب التباينات، وتمهيد الموارد، وتحديد المسار الحرج، والتنبؤ بالتدفقات النقدية، وإنجاز الكثير من المهمات الأخرى المعقدة بكبسة زر أو نقرة على الفأرة (الماوس).
ومن السهل أيضًا إعداد الخطط والموازنات والرسومات والتقارير المفصّلة وعرضها بصورة جمالية في أشكال يسهل فهمها. فضلاً عن ذلك، يمكن معالجة المعلومات وتوزيعها بسرعة ودقة في أنحاء العالم كافة إذا دعت الحاجة، مما يوفّر لمدراء المشاريع مستوى من الدعم الفعّال لم يكن بالإمكان تصوره حتى منذ عشرة أعوام مضت.
مع أن الافتراض باستمرار تطور الأدوات والتقنيات المستخدمة في إدارة المشاريع يبدو منطقيًا، إلا أن معدل تطورها إلى يومنا هذا يشير إلى أن التطورات المستقبلية قد تفضي تدريجًا إلى تقدم محدود. فلا شك في أن أدوات اليوم تُستخدم بكثير من الفعالية حتى في المشاريع الضخمة، بل ولا يمكن تصور الحياة من دونها. وباستثناء السرعة في إنتاج المعلومات وتوزيعها، لا يبدو مدى ضرورة تعزيز فعالية هذه الأدوات واضحًا.
وبالرغم من كل المساعدة التي يوفرها استخدام التقنيات والأدوات الحديثة الممكنة، إلا أن المشاريع لا تزال تنطوي على صعوبات تنشأ في مختلف مجالات إدارة المشاريع. فمشاريع عدة تعاني نفاد المال، وبعضها يواجه نفاد الوقت، وغيرها لا يطابق المواصفات، وقد يتعرض البعض أيضًا للفشل بالإجمال. وفي المقابل، يتم إنجاز الكثير من المشاريع قبل الوقت المحدد، ومن دون تجاوز الموازنة، ومع احترام المواصفات. فلا ينبغي أن نُفاجأ بتحقق أي من هذه الاحتمالات. أما إذا كانت إدارة المشاريع تعتمد فقط على الأدوات والتقنية، فلا بدّ من أن يشكل فشلها أو نجاحها المفرط مفاجأة بحد ذاتها.
الحاجة إلى الأشخاص وفرق العمل
الواقع أن الحاجة إلى إحداث مزيد من التطورات في الأساليب المستخدمة في إدارة المشاريع ليست ملحة. فلا تفشل المشاريع عمومًا بسبب تعطل أجهزة أو برمجيات التخطيط، بل إن الأشخاص هم الذين يتسببون بنجاح المشاريع أو فشلها، فهم الذين يصنعون القرارات ويتنبأون بالتقدم ويخططون له ويضبطونه. أضف إلى ذلك أن كل مشروع يعتبر فريدًا من نوعه، ويساهم الأشخاص المعنيون به أكثر من أي عنصر آخر في تحقيق هذه الفرادة. فالأفراد، فضلاً عن ارتباطهم ببيئة المشروع، يشكلون عاملاً رئيسًا في نجاح أي مشروع.
والجدير بالذكر أنه ينبغي أن تكون ممارسات إدارة المشاريع معظمها مبنية على الفرق لأن تعقيدات معظم المشاريع ومتطلباتها المعلوماتية تعيق فعليًا العمل الفردي باستثناء ما يتعلق منه بالمشاريع الأكثر بساطة. ونتيجة لذلك، يضطر مدراء المشاريع إلى العمل كأعضاء في الفرق وكقادة للفرق العاملة على المشاريع على حد سواء. ولا يمكن استخدام الأدوات التقنية لإدارة الوقت والتكلفة والجودة استخدامًا فعالاً ما لم يكن الفريق العامل على المشروع يعمل بشكل صحيح.
مخطط الوحدة
مدير المشروع
تبدأ هذه الوحدة بالنظر في الشخص المؤهل للتأثير على احتمال تحقيق المشروع محصلة ناجحة. وأما هذا الشخص فهو مدير المشروع. بعد ذلك، تبحث الوحدة في متطلبات مهارات الإدارة التقليدية للمدراء كافة، وتربط هذه المسألة ببيئة إدارة المشاريع. وتشمل هذه المتطلبات عنصرًا إنسانيًا قويًا مثل إدارة مسار إنشاء الفريق. فمن الضروري أن يكون مدير المشروع قادرًا على إنشاء الفريق ومن ثم توفير الضبط والتنسيق فيما ينمو هذا الفريق ويتطور.
الفرق العاملة على المشروع
يناقش القسم اللاحق توظيف الفرق العاملة على المشاريع ونقلها وتغييرها. ولا بد من الإشارة إلى أن المشاريع كلها تسير تقريبًا ضمن دورة حياة محددة نوعًا ما. وقد يستمر وجود الفريق العامل على المشروع لفترة زمنية طويلة ويشهد عمليات نقل بينما ينضم أشخاص إليه أو يتركونه في مراحل مختلفة مع تقدم المشروع. وبالتالي، يتم البحث في مسار التوظيف وفي مفاعيل عمليات النقل والتغيير التي ترافق تطور الفريق.
تنتقل الوحدة بعد ذلك إلى البحث في بعض النظريات حول التحفيز. ولعل هذه الناحية هي الأكثر أهمية في أداء الفريق. فصحيح أن وظائف الإدارة المتعلقة بالقيادة وبناء الفريق ضرورية لتحقيق أداء جماعي جيد، إلا أنه ينبغي أن يتم تحفيز الفريق، على المستويين الجماعي والفردي على حد سواء، كي يقدّم هذا الفريق أداءً فعالاً. وتبحث الوحدة لاحقًا في التواصل ضمن الفريق العامل على المشروع ذلك أن التواصل يشكل العنصر الأكثر أهمية، بعد التحفيز، في فعالية الفريق العامل على المشروع. ولا بد من الإشارة إلى أن هذا القسم ينظر في التواصل الرسمي وغير الرسمي كما في التواصل الداخلي والخارجي.
من غير المحتمل أن يعمل الفريق في جو من التناغم الكامل على الدوام، حتى في ظل توافر القيادة ومسارات بناء الفرق وعمليات التواصل الفاعلة. فالضغوط الناجمة عن كم العمل المطلوب إنجازه، وانعدام الإنصاف الحقيقي أو الملموس، فضلاً عن مجموعة متنوعة من المتغيرات، قد تولد جميعها الضغط والنزاع في أوساط الفريق العامل على المشروع. والواقع أن القسم الأخير من هذه الوحدة يبحث في الضغط الذي يمر به الفريق العامل على المشروع. وفي هذا السياق، يحلل هذا القسم أصول الضغط الذي يعانيه الفريق والخيارات الملائمة لإدارة الضغوط. أما النزاع، فيتم النظر فيه على مستوى خصائصه وإدارته.
الأهداف التعليمية
في نهاية هذه الوحدة، ينبغي أن تكون قد ألفت:
- مفهوم تعريف مدير المشروع.
- المنصب النموذجي لمدير المشروع ودوره.
- المهارات الضرورية لإدارة المشاريع.
- مفهوم الفريق العامل على المشروع وكيفية عمله.
- توظيف الفريق العامل على المشروع وجانبيته.
- الدورات الحياتية للفرق العاملة على المشاريع وتطورها.
- التواصل ضمن الفريق العامل على المشروع وتحفيزه.
- الضغط والنزاع في الفريق العامل على المشروع.
مدير المشروع
يتمثل أحد القرارات الأكثر أهمية في إدارة المشاريع باختيار مدير المشروع. والواقع أن فشل الكثير من المشاريع قد يعزى إلى الخيارات السيئة في هذا المجال. وفي المقابل، قد يطرأ الكثير من العقبات والمشاكل غير المنظورة بحيث يتوقع أن يفشل المشروع وإنما تراه يتكلل بالنجاح بفضل قيادة مديره وميزاته الأخرى.
لا بد من الإشارة إلى أن استخدام المصطلح “مدير المشروع” شائع في قطاعي التجارة والصناعة، علمًا بأنه يحمل معاني مختلفة ينظر أشخاص مختلفين. ونظرًا إلى توافر مجموعة شاسعة من المشاريع المختلفة من حيث الحجم والنوع، قد لا تبدو هذه المسألة مفاجئة. فضلاً عن ذلك، تتجلى فوارق كبيرة في الأدوار والواجبات التي يقوم بها مدراء المشاريع في مختلف الصناعات والقطاعات. ويبحث هذا القسم في الخصائص النموذجية المرتبطة باختيار مدير المشروع في المؤسسة وتعيينه في منصبه، كما أنه ينظر في الواجبات والمسؤوليات النموذجية التي يقوم بها مدير المشروع، ويربطها بالمهارات الشخصية ومهارات الإدارة المطلوب بالتالي توافرها في أي مدير مشروع ناجح.
اختيار مدير المشروع
يتمثل مدراء المشاريع في بعض الأحيان باختصاصيين مؤهلين ومحنّكين في مجال إدارة المشاريع توظفهم المؤسسة كمستخدمين دائمين. وفي أحيان أخرى، يكون مدراء المشاريع مستشارين خارجيين يتم التعاقد معهم لإدارة المشروع طوال فترة استمراره فحسب. وفي المشاريع الداخلية، يتم اختيارهم في الغالب من ضمن القوة العاملة الموجودة أصلاً. ولكنه في مختلف الأحوال، توكل إلى مدراء المشاريع مسؤولية تنظيم وإدارة فريق عامل على المشروع يعمل أعضاؤه معًا من أجل تحقيق أهداف المشروع.
والواقع أن هذا القسم يبحث في مفهوم مدير المشروع من حيث الموقع المركزي المميز لهذا الدور في المؤسسة. وبعد ذلك، يتوسع في عرض هذا المفهوم لينظر في الدور النموذجي لمدير المشروع ويربطه بالمهارات المطلوب توافرها في أي مدير مشروع فعال.
مفهوم مدير المشروع
يشبه مدير المشروع المدير الأعلى أو المدير التنفيذي. وقد بات من الشائع نسبيًا أن تستخدم المؤسسات الكبرى مهمات إدارة المشاريع كوسيلة لتطوير مدراء عامين مستقبليين. وستنكشف أسباب هذا التطوير لك تلقائيًا في خلال دراستك لهذه الوحدة. الواقع أن مدير المشروع هو صاحب المشروع والمسؤول الوحيد عن محصلته. وعندما يتعلق الأمر بالمشاريع الصغيرة إلى المتوسطة الحجم، يتحمل مسؤولية إدارة مشاريع عديدة في آن. في العادة، يكون مدير المشروع مسؤولاً أمام راعي المشروع. وفي المشاريع الكبرى، أو تلك التي تترك تأثيرًا بالغًا في مستقبل المؤسسة، يكون راعي المشروع أحد أعضاء مجلس الإدارة. وفي بعض الحالات، ينطوي المشروع على رعاة عديدين يعملون معًا ضمن فريق واحد.
وكما هي الحال بالنسبة إلى الفريق العامل على المشروع (الذي ستتم مناقشته لاحقًا)، لا يتوافر نموذج محدد واحد يتطابق مدير المشروع معه. فلا شك في وجود مهارات وصفات مميزة تجعل بعض الأشخاص أكثر ملائمةً من البعض الآخر لأداء دور مدير المشروع. وسيتم البحث في هذه المهارات والصفات لاحقًا. لكن الأنواع المختلفة من المشاريع تتطلب نماذج مختلفة من مدراء المشاريع، بمعنى أن هؤلاء المدراء الكفؤين ليسوا جميعهم مناسبين لأنواع المشاريع كلها. فعلى سبيل المثال، قد يمتلك مدير المشروع البارع في إدارة مشاريع تطوير منتجات جديدة في شركة أدوية درجة معينة من المعرفة المتخصصة والمهارات، تختلف عن تلك المطلوبة للنجاح في إدارة مشاريع البناء.
صعوبات منصب مدير المشروع
بالإضافة إلى ذلك، ينطوي منصب مدير المشروع على صعوبات بالغة بسبب موقع المشروع في المؤسسة. ففي المؤسسات التقليدية، يكون اتجاه دفق التأثير والسلطة عموديًا وتنازليًا من أعلى المؤسسة إلى أسفلها. لكن أي مشروع معقّد يتطلب في العادة دعم مستويات إدارية عدة داخل المؤسسة، ومساندة الكثير من الأقسام / الوظائف عبرها. فعلى سبيل المثال، قد يتولى قسم المراقبين رعاية مشروع لتطوير نظام جديد للضبط وإعداد التقارير الإدارية وإدخال هذا النظام إلى المؤسسة. لكن هذا المشروع يتطلب تعاون مختلف المجالات الوظيفية كي يحقق النجاح المطلوب. ولا بدّ من أن يستغرق المشروع وقتًا طويلاً جدًا في حال كانت كل التبليغات والتعليمات وحل المشاكل ستتبع الهرمية الوظيفية وتنتقل من مدير المشروع إلى المراقب وصولاً إلى الرؤساء الوظيفيين الآخرين في المستوى نفسه، ومن هؤلاء نزولاً عبر السلسلة الهرمية الخاصة بهم إلى مرؤوسيهم، لتعود مجددًا عبر الطريق نفسه إلى مدير المشروع. ومن هنا، تتجلى النزعة إلى إدارة المشاريع خارج الهرمية التقليدية للمؤسسة.
مصادر التأثير لمدير المشروع
الواقع أن دور مدير المشروع مؤقت بطبيعته يُضاف إلى المؤسسة كعنصر متميّز. فلا يتمتع مدير المشروع بالنفوذ المرتبط بالمناصب الهرمية التقليدية. ويُفترض به أن يعمل عبر الخطوط الوظيفية والمؤسساتية، فيكون مسؤولاً عن عدد قليل من المرؤوسين المباشرين. ولعل المشكلة الكبرى التي يواجهها مدراء المشاريع تكمن في أنهم يمتلكون سلطة صنع القرارات المتعلقة بأولويات المشاريع وجداولها وموازناتها وأهدافها وسياساتها، ولكنهم لا يتمتعون في غالب الأحيان بسلطة رسمية تخولهم إصدار أوامر مباشرة للأشخاص الذين يجدر بهم تنفيذ العمل نتيجة لهذه القرارات. ويمكن لهذا التفاوت بين المسؤولية والسلطة أن يكون محبطًا للغاية، كما أنه يعني اضطرار مدير المشروع إلى الاعتماد على أشكال أخرى من التأثير كما هو مبين في شكل (2.1) وقد يطبق هذا التأثير مباشرة على الأفراد أو من خلال مدراء آخرين في المؤسسة.
في النهاية، إذا لم يستطع مدير المشروع تأمين التعاون المطلوب من داخل المؤسسة، يعمد إلى الاستعانة براعي (أو رعاة) المشروع. ومن الضروري عندئذِ اختيار أشخاص من داخل المؤسسة يتمتعون بأقدمية كافية تخوّلهم على تعيين رعاة المشاريع.
أحيانًا ما تستلزم المشاريع توفير الموارد من المؤسسات الخارجية، المحلية أو العالمية. وبالتالي، قد يكون مدير المشروع مسؤولاً عن الإدارة عبر الوظائف والأقسام والحدود المؤسساتية والجغرافية، ما يشكل في الواقع ميدانًا تدريبيًا ملائمًا لكبار المدراء المستقبليين.
المنصب المركزي لمدير المشروع
يحتل موقع مدير المشروع الوظيفي محور مبادئ إدارة المشاريع. وباعتبار أنه المسؤول عن محصلة المشروع، فلا بدّ من أن تتوافر فيه القدرة على التركيز على المشاكل بالتفصيل والحفاظ على رؤية واضحة للمشروع ككل في الوقت نفسه. والجدير بالذكر أن هذه القدرة على التركيز من ضمن النظرة العامة تضمن توفير الأشخاص والموارد في آن واستخدام هذين العنصرين بطريقة متكاملة – بما فيها إعادة التنظيم بغية التغلب على المشاكل والصعوبات التي ستطرأ حتمًا بين الحين والآخر – في سبيل تحقيق غايات المشروع وأهدافه. لذلك، يشغل مدير المشروع منصبًا مركزيًا فيما يتعلق بالتواصل بين مختلف الأشخاص والمؤسسات المعنية، ما يجعله أشبه بعنكبوت وسط شبكة.
ويؤدي هذا المنصب المركزي إلى تحمل مدير المشروع مسؤولية تلقّي معلومات وإصدارها تفوق ما يتلقاه أو يصدره أي شخص آخر معني. ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذه التبليغات تهدف إلى ضمان فهم المعنيين كافة، أي الأفراد والمؤسسات على حد سواء، لما هو مطلوب منهم في مختلف مراحل سير المشروع. وقد يكون حجم التبليغات كبيرًا جدًا إلى حد أن تبدو وظيفة مدير المشروع عمليًا أشبه بوظيفة مجرد رسول يتقاضى أجرًا مرتفعًا. ويُعزى السبب في ذلك جزئيًا إلى وظيفة مدير المشروع بحد ذاتها كصانع القرارات الرئيسي في المشروع وصلة الوصل الرئيسية مع المؤسسة نفسها. وعندما تغيب السلطة المباشرة، يتحمل أيضًا مسؤولية التأثير في القرارات المرتبطة بنجاح المشروع.
دور مدير المشروع
يمكن تلخيص المتطلبات الأساسية التي يقتضيها دور مدير المشروع بالآتي:
- التخطيط لنشاطات المشروع وجداوله وموازناته.
- تنظيم الفريق العامل على المشروع واختيار أعضائه.
- التفاعل مع العميل والمؤسسة والجهات المعنية كافة.
- التفاوض مع الموردين والعملاء.
- إدارة موارد المشروع.
- مراقبة وضع المشروع وضبطه.
- تحديد المشاكل ومجالاتها.
- إيجاد الحلول للمشاكل.
- حل النزاعات.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن كلاً من هذه الأدوار يرتبط بالآخر، ولا يمكن النظر في أي منها بمعزل عن الأدوار الأخرى. فعلى سبيل المثال، يعتمد التخطيط لنشاطات المشروع على الخصائص التي يتميز بها الفريق العامل على المشروع. كذلك، يستند الوقت الذي ينبغي تخصيصه لنشاط معين إلى الموارد المتوافرة لدى توظيف الفريق العامل على المشروع.
ولاستيفاء مدير المشروع المتطلبات المذكورة أعلاه، لا بدّ له من اللجوء إلى عدد كبير من المهارات المختلفة التي تتراوح من تعهد الأعمال إلى إعداد سياسات الشركات الكبرى، ومن الدبلوماسية إلى تصميم الذهنية الواحدة، ومن المهارات التقنية إلى مهارات القيادة. فضلاً عن ذلك، يستوجب الدور بطبيعته استخدام أشخاص ذوي خبرة عامة يتمتعون بالمهارات والكفاءات، ويكونون أيضًا، في المشاريع الكبرى المعقدة، أصحاب إنجازات رفيعة المستوى ويتحلون بمهارات عالية على مستويي التواصل والتفاعل بين الأفراد.
معايير إنجاز المشروع
كذلك، لا بدّ من أن تتحقق المتطلبات المذكورة أعلاه ضمن المعايير الشاملة لنجاح أو فشل المشروع ككل. وتشمل هذه المعايير إنجاز المشروع:
- ضمن الحدود الزمنية المتفق عليها.
- ضمن حدود التكلفة المتفق عليها.
- بما يتوافق أقله مع أدنى معايير الجودة المحددة.
- بما يرضي العميل.
- بما يتوافق مع الخطة الاستراتيجية للمؤسسة.
- ضمن المدى المتفق عليه.
وتتلخص هذه الأهداف في بعض الأحيان بما هو مبين في الشكل (2.2) التالي:
المدى التصاعدي للمشروع
يعيّن مدى المشروع المتفق عليه حدود المشروع، ما يعني أنه يحدد ما يشكل وما لا يشكل جزءًا من المشروع، بالأهمية نفسها. كذلك، يتولى تحديد معايير التكلفة والوقت والجودة استنادًا إلى المدى المتفق عليه قبل بدء المشروع. إلا أن أي تغييرات تطرأ على المشروع، ويُشار إليها في غالب الأحيان بعبارة تصاعد المشروع، تترك تأثيرًا يطال أحد هذه الحدود أو أكثر. وفي هذه الحال، يشمل دور مدير المشروع الحرص على أن تكون التغييرات الوحيدة في المدى المسموح به أو المتعاقد عليه هو ذلك الذي يوافق العميل عليه.
وينشأ المدى التصاعدي نتيجة لميل العملاء أو مستشاريهم إلى تغيير مدى المشروع بما يتماشى مع تغير وجهات نظرهم في خلال التنفيذ. فعلى سبيل المثال، من البديهي أن يكتشف المصممون، في خلال مرحلة التصميم التفصيلي، أنهم أغفلوا بعض التفاصيل، أو أن يقعوا على تفاصيل أخرى تفيدهم إضافتها. ومع تعميم العملاء التقارير الخاصة بالتصميم وتلقيهم المزيد من المعلومات المرتدة من مختلف أصحاب المصالح، يتزايد الضغط لإضافة متطلبات جديدة على التصميم. وقد تفضي ظاهرة “المدى التصاعدي” هذه إلى توسيع المشروع الأصلي بحيث يتجاوز حدوده الأصلية، ما يؤدي بدوره إلى مراجعة تقديرات الوقت و / أو التكلفة، وربما إجراء تسويات فيما يتعلق بمقاييس الجودة إذا كان المطلوب البقاء ضمن الثوابت الأصلية من حدود التكلفة والوقت.
والواقع أنه لا بدّ لأي شخص سبق له أن استخدم مهندسًا معماريًا لتصميم بيت العائلة أن يفهم هذه الظاهرة تمامًا. فيتولى المهندس المعماري إعداد تصميم أصلي استنادًا إلى ثوابت عامة فيما يتعلق بحجم البيت والتكلفة. وما إن تتسلم العائلة التصاميم الأولية حتى يطرح كل فرد منها أفكارًا حول أمور يمكن تعديلها أو إضافتها بطريقة ما. وعندئذِ، تؤدي هذه الأفكار إلى تصاميم منقّحة وتكاليف إضافية. وهذا مجرد مثل واحد عن تصاعد المشروع أو المدى التصاعدي.
نظام إدارة الواجهة
وباعتبار أن مدير المشروع هو مسؤول يتمتع نسبيًا بسلطة محدودة ضمن الهيكلية الوظيفية الرسمية للمؤسسة، قد يصعب ضبط تصاعد المشروع. وبالتالي، ينطوي جزء من دوره على توجيه أو ضبط الحدود بين المشروع والأقسام / الفرق الوظيفية العاملة في المؤسسة. (أنظر الوحدة الرابعة) وفي بعض الأحيان، يُشار إلى هذا الدور باسم إدارة الواجهة، فيما يُعرف نظام الضبط والتسليم باسم نظام إدارة الواجهة. وغالبًا ما يُشار إلى الدور البالغ الأهمية باسم مسار إدارة الواجهات المؤسساتية. ومع تجاوز محاولات الضبط الحدود المختلفة، يتغير وضع الضبط مؤديًا إلى تغييرات في روابط السلطة والتواصل والمحاسبة. والجدير بالذكر أن مدير المشروع يضطر إلى تجاوز هذه الحدود يوميًا علمًا بأن إدارة الواجهة تشكل إجراء الضبط الذي يسمح له بأن يعمل عبر حدود مختلفة للسلطة داخل النظام في الوقت نفسه.
فضلاً عن ذلك، تحافظ إدارة الواجهة على التوازن بين الوظائف الإدارية والوظائف التقنية. ويُفترض بأي مدير مشروع أن يجمع في دورة مهارات الإدارة والمهارات التقنية على حد سواء كي يكون قادرًا على تطوير نظام إدارة الواجهة واستخدامه بفعالية.
المهارات الشخصية والإدارية والقيادية
قد يكون مدير المشروع مسؤولاً عن مشروع واحد أو أكثر. ومن الضروري أن تتوافق أهداف المشاريع وسيرها مع أهداف المؤسسة ككل وسيرها. ولتحقيق هذا التوافق، يحتاج مدير المشروع إلى تطبيق مجموعة كاملة من مهارات الإدارة التقليدية، فضلاً عن امتلاك معرفة تقنية تفصيلية حول المشروع نفسه.
على مستوى الصفات المميزة والمهارات المرتبطة بالإدارة اللينة”، يُفترض عمومًا بمدير المشروع:
- أن يكون مرنًا وقادرًا على التكيف.
- أن يكون قادرًا على التركيز على أكثر من أمر واحد في الوقت نفسه.
- أن يثبت قدرته على اتخاذ المبادرة.
- أن يكون مقنعًا.
- أن يجيد التواصل مع الآخرين.
- أن يكون قادرًا على وضع مختلف الأهداف نصب عينيه دومًا وعلى تحقيق التوازن فيما بينها.
- أن يكون شخصًا منظمًا.
- أن يكون حاضرًا للتعميم عوضًا من التخصيص (دومًا).
- أن يكون بارعًا في التخطيط والتنفيذ.
- أن يكون قادرًا على تحديد المشاكل وإيجاد الحلول لها والحرص على أن تحقق هذه الحلول غايتها.
- أن يجيد إدارة الوقت.
- أن يجيد التفاوض والتأثير (عوضًا عن المجادلة أو إصدار الأوامر).
- أن يكون دبلوماسيًا.
المهارات التقنية والعملية لمدير المشروع
يُفترض أيضًا بمدير المشروع أن يمتلك مجموعة من المهارات التقنية والعملية. والواقع أن المهارات التقنية ضرورية لفهم المكونات التفصيلية للمشروع. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن يكون مدير المشروع، المسؤول عن مشروع كبير ومعقّد يتمثل بتركيب خط إنتاج جديد، على معرفة مكثفة بآلية نظام الإنتاج. فلا يمكن تقدير مدخلات مختلف المصممين والموردين والمتعهدين تقديرًا كاملاً في ظل غياب هذه المعرفة. وفي معظم الأحيان، يحتاج مدير المشروع إلى معرفة مالية وعملية تفصيلية كما إلى تحمّل مسؤولية تقييم الاستثمارات وإجراء التحليل المالي للمشاريع.
أما الخصائص النموذجية “الأمتن”، فتشمل:
- فهم كيفية تشكيل الفريق وإدارته.
- القدرة على تطوير خطط معقّدة للوقت والتكلفة وتنفيذها.
- فهم العقود والتوريد والشراء والمستخدمين.
- الاهتمام الفعّال بالتدريب والتطوير.
- فهم التكنولوجيا التي تشكل عنصرًا أساسيًا في نجاح المشروع.
- القدرة على ترجمة الاستراتيجية العملية إلى أهداف المشروع.
اختيار مدير المشروع
في المشاريع الداخلية (أنظر الوحدة 4)، يتم في العادة اختيار مدير المشروع من صفوف المدراء الوظيفيين أو المستخدمين. ويشكل أي مدير وظيفي ناجح يملك المهارات المطلوبة الخيار الأمثل. فمن شأن توظيف شخص كهذا مطّلع على مختلف الوسائل التكنولوجية أن يوفّر فهم القطاع والمؤسسة للموقع الوظيفي وأن يساهم تدريجًا في بناء الموثوقية في خلال أدائه الدور الوظيفي. ولن يحتاج هذا الشخص إلى الكثير من الوقت، هذا إن احتاج إليه أصلاً، كي يفهم المؤسسة وسير العمل فيها، لا سيّما أنه سيكتسب هذه المعرفة في خلال شغله منصب مدير خط الإنتاج. فمن المرجح أن يكون مدير المشروع المعيّن من الداخل عالمًا باللاعبين الأساسيين وقد بنى علاقة معهم. ويمكن استغلال هذه المسألة على نحو مفيد في منصب إدارة المشاريع.
لكن عددًا من المشاكل يحيط بهذه الدرب، فقد تتردد المؤسسة في التخلي عن خدمات مدير وظيفي بارع بسبب الصعوبة في إيجاد بديل له، لا سيما إذا كان يؤدي هذا الدور الوظيفي بمستوى عالِ جدًا. وما لا يمكن أو يُفترض بالمؤسسة أن تحاول فعله يتمثل بتعيين المدير نفسه في منصب مدير مشروع كبير ومنصب مدير وظيفي في آن. فقد يتعارض هذان الدوران بغض النظر عن الجهد الكبير الذي يتطلبانه، ما يحول دون تأديتهما في آن واحد بشكل فعّال.
في المقابل، يتمثل البديل الرئيسي الآخر باختيار مستشار خارجي لمنصب مدير المشروع. فبات عدد متزايد من الممارسات الخاصة يقترح تفويضات مهنية لإدارة المشاريع كجزء من محفظة خدماته المهنية. لكن هذا الخيار ينطوي على نقطة سلبية جليّة تكمن في عدم اعتياد مدير المشروع على المؤسسة، ما يقتضي أن يشتمل تعيينه على منحنى تعلّمي. وفي هذه الحال، لا يكون مدير المشروع مدينًا بأي ولاء خاص للمؤسسة، ما يعني احتمال نشوء بعض التباين في المصالح.
اختلاف الهيكليات المؤسساتية لإدارة المشاريع
تجدر الإشارة إلى أن (الوحدة 4) تستعرض مفهوم الهيكليات المؤسساتية لإدارة المشاريع الخارجية على نحو متكامل.
وفي الكثير من المؤسسات، يكون إيقاع التغيير سريعًا لدرجة أن يتم تنفيذ مشاريع عدة في الوقت نفسه. وقد أدت هذه الظاهرة إلى تنامي النزعة إلى اعتبار إدارة المشاريع (كجزء من نظام داخلي أو خارجي) مهنة قائمة بحد ذاتها تتطلب بعض المهارات المختلفة إلى حد بعيد عن تلك التي يقتضيها دور المدير الوظيفي العادي. ولا شك في أن هذا المفهوم يصب في مصلحة مدراء المشاريع المتخصصين. أما المشكلة الأساسية المرتبطة بهذا المسلك، فتتمحور حول الكفاءة التقنية. فمن السهل أن يفقد مدير المشروع احترام الفريق العامل على المشروع إذا كان لا يفهم التكنولوجيا أو يرتكب أخطاء تقنية.
الجدير بالذكر أن عدد المؤسسات التي تُدرج التدريب على إدارة المشاريع في البرامج المعتمدة لتطوير الإدارة بات يزداد في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وقد تزايد الطلب على هذا التدريب إلى حدِ كافِ بحيث شهد العرض على مقررات إدارة المشاريع الخالصة أو التطبيقية في كلية إدارة الأعمال أو شهادة الدراسات العليا ارتفاعًا بارزًا. وبحلول العام ٢٠٠١، بلغ عدد هذه المقررات لمستوى الدرجة الأولى أو الثانية نحو 50 مقررًا.
وظائف مدير المشروع الأساسية
بعض المتطلبات الأساسية الضروري توافرها لدى مدير المشروع
يحتاج مدير المشروع الفعّال إلى أن يكون قادرًا على تنفيذ عدد من الوظائف الأساسية. والواقع أنه يمكن تطبيق هذه الوظائف الأساسية على مجالات الإدارة كافة، بما فيها إدارة المشاريع. وفي هذا السياق، يُفترض بمدير المشروع أن يمتلك مستوى معقولاً من المقدرة لجهة:
- التخطيط للمشروع.
- تنظيم الفريق.
- الضبط.
- الإدارة.
- إنشاء الفريق.
- القيادة.
- قيادة دورة الحياة.
ولا بّد من الإشارة إلى أن إدارة المشاريع تستخدم هذه الوظائف لتنفيذ مشاريع محددة تخضع للتالي:
- ضوابط الوقت الملزمة.
- حدود التكلفة.
- مواصفات الجودة.
- معايير السلامة.
والواقع أن الأهداف تشكل معايير نموذجية لنجاح المشروع. فلنبحث في كل وظيفة بدورها.
1. تخطيط المشروع
يشكل التخطيط في العادة المرحلة الأولى من أي مشروع، وأيضًا إحدى مراحله الأكثر دقة وتعقيدًا. ويبلغ نشاط التخطيط أوجه في المراحل المبكرة من أي مشروع. وغالبًا ما يتناقص مستوى التخطيط بشكل ملحوظ مع تقدم المشروع وتنفيذه.
فضلاً عن ذلك، لا يكون تصويب الأخطاء أو النواقص المُغفلة، التي يتم اكتشافها في المراحل الأولية للتخطيط، عالي التكلفة نسبيًا. أما تصويب الأخطاء أو النواقص المُغفلة، التي يتم اكتشافها في المراحل المتأخرة من التخطيط، فقد يكون عالي التكلفة. فعلى سبيل المثال، إذا كان تشييد مبنى شاهق يتألف من أدوار عدة يفرض تركيب مصعد لنقل الأشخاص بين الأدوار المختلفة وقد تم إغفال هذا المطلب، فأي الاحتمالين سيكون الأعلى تكلفة: (أ) اكتشاف هذا الأمر والتخطيط له في مرحلة التصميم المبكرة؛ أو (ب) محاولة تصويب الأمر وتركيب المصعد بعد الانتهاء تقريبًا من البناء؟ من الجلي أن الاحتمال الثاني سيكون مكلفًا أكثر بكثير، ويُرجح أن يؤدي إلى تجاوزات كبيرة جدًا من حيث التكلفة والجدول الزمني.
وفيما يتعلق بالمشاكل المؤسساتية ومشاكل تجميع الموارد، يغطي التخطيط النشاطات التي ينبغي إنجازها وتسلسل تنفيذها. وفي هذا الإطار، يتم استخدام عدة تطبيقات للتخطيط. فيكون التخطيط التقني مطلوبًا بغية تخطيط وقت المشروع وضبطه (أنظر وحدة 5)، وتخطيط التكلفة وضبطها (أنظر وحدة 6) وإدارة الجودة (أنظر وحدة 7). فضلاً عن ذلك، يتحمل مدير المشروع مسؤولية تخطيط وبناء سلطة الأفراد والفريق على حد سواء، وعلاقات التواصل الضرورية لجعل أداء النظام المؤسساتي للمشروع فعالاً.
تخطيط العلاقات السلطوية
الجدير بالذكر أن تخطيط العلاقات السلطوية يقتضي تحديد الأفراد والمجموعات المفوّضة بالعمل لمصلحة المشروع وكيفية ارتباط الأفراد والمجموعات بعضها ببعضها الآخر. ومع أن هذه المسألة تشكل مسارًا معقدًا في إدارة المشاريع، إلا أن أنظمة الإدارة الوظيفية التقليدية تنزع إلى الثبات، ويمكن بالتالي أن تكون العلاقات السلطوية فيها محددة بوضوح. وفي المقابل، تميل أنظمة إدارة المشاريع إلى أن تكون معقدة نسبيًا، لا سيما أنها تتميّز بمدة حياة أقصر بكثير وتعمل في ظل ظروف بيئية معقدة ومتغيرة. ولا بدّ من الإشارة إلى أن الظروف البيئية التي تؤثر في المشروع قد تنشأ من خارج المشروع ولكن من داخل المؤسسة نفسها (أي البيئة الداخلية)، أو من خارج الشركة نفسها (البيئة الخارجية). ومن شأن التغير المستمر لهاتين البيئتين أن يؤدي إلى تطور المشروع. ونتيجة لذلك، يسعى القيّمون على المشاريع إلى تطوير علاقات سلطوية مختلفة. فيمكن لأي شخص يعمل على مشروعين، حتى داخل المؤسسة نفسها، أن يتعامل مع شبكتين سلطويتين مختلفتين.
تكمن الطريقة الاعتيادية لتحديد الصلات على مستوى السلطة في مصفوفة مسؤوليات المهام، وتعرض مصفوفة مسؤوليات المهام:
- المعالم الرئيسية.
- النشاطات الفردية الهامة.
- المسؤوليات العامة.
- المسؤوليات المحددة.
- التواريخ.
وتشمل المسؤوليات تفاصيل بشأن مسؤولية:
- الموافقة.
- التحضير.
- التدقيق.
- الأداء والمدخلات.
- التفويض.
وتتألف مصفوفة مسؤوليات المهام الخاصة بالمشروع من محورين (أنظر وحدة 8). يشتمل المحور الأول على لائحة بالنشاطات و / أو المحصلات المطلوب تحقيقها. أما المحور الآخر، فينطوي على لائحة بمختلف الأفراد أو المجموعات المعنية بتوفير النشاطات أو المحصلات. وتحدد مواضع تقاطع المحورين مسؤوليات الأفراد أو المجموعات. وهذا ينطبق على النشاطات / المحصلات كافة على امتداد دورة حياة المشروع.
برمجيات مصفوفة مسؤوليات المهام
وقد تم مؤخرًا تطوير برمجيات للاختصاصيين يتم استخدامها بشكل متزايد لتوليد وإرساء مصفوفات مسؤوليات المهمات. ولكنه يمكن تطوير مصفوفة مسؤوليات مهام مرضية باستخدام برنامج جدول بيانات قياسي، كما يمكن إضافة التواريخ الفردية للأعمال المحددة إما يدويًا وإما عبر ربط مصفوفة مسؤوليات المهام ببرمجيات تخطيط وضبط المشروع الملائمة. ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذه الصلة منشودة إلى حد بعيد لأن أي تغيير في جزء واحد من النظام ينبغي أن يمتد على مختلف أجزاء النظام الأخرى التي يطالها التغيير. فعلى سبيل المثال، في مصفوفة جدول 2.1، من شأن أي تأخير يتسبب به الشخص (ب) أن يؤثّر في الأشخاص أ، ود، وهـ. ويمكن لبرمجيات الاختصاصيين الجديدة أن تستحدث الروابط آليًا بين أنظمة الكمبيوتر. ويشير الجدول أيضًا إلى أن الشخص أ مسؤول عن التقارير. كلها صعودًا حتى مرحلة العروض الإجمالية. أما تقارير المستوى الأعلى، فيتولى تنظيمها الشخص هـ المسؤول أيضًا عن التدقيق في التقارير عند هذا المستوى وتفويضها.
جدول 2.1: مقتطف من مصفوفة مسؤوليات المهام
الشخص أ | الشخص ب | الشخص ج | الشخص د | الشخص ه | |
تقرير البدء | ن، م | م | م | ت | ف |
تقرير الجدوى | ن، م | م | م | م | ف |
العروض الإجمالية | ن، م | م | م | م | ف |
تقرير تصميم خطة العمل | م | ن، م | م | م | ن، ت، ف |
- (م) تعني المدخلات حيث يكون الفرد المعني مسؤولاً عن المساهمة في تقرير مرحلة التصميم المعلن عنها بمدخلات محددة.
- (ت) تعني مسؤولية التدقيق في التقرير.
- (ف) تعني سلطة تفويض محتويات التقارير قبل تسليمها إلى العميل.
- (ن) تعني مسؤولية تنظيم التقارير.
على المستوى العملي، تبيّن مصفوفة مسؤوليات المهام الفاعلة أيضًا تواريخ الأعمال الفردية بوضوح. وفي معظم الحالات، ينبغي إنتاج التقارير بحلول موعد محدد. وبالتالي، يُفترض بمصفوفة مسؤوليات المهام أن تبيّن تواريخ التسليمات الفردية للنشاطات كما المسؤوليات الفردية.
2. التفويض
بهتم مدراء المشاريع بالسلطة من منظورين، أولهما تجميع مقدار كاف من السلطة لإنجاز الوظيفة. وثانيهما تحديد مقدار السلطة التي سيفوضونها إلى آخرين معنيين بإتمام المشروع. ويركّز هذا القسم على الجزء الأول من محوري الاهتمام هذين.
تتميز الهيكليات المؤسساتية لإدارة المشاريع بخصائص معقدة (أنظر وحدة 4). وقد تؤدي هيكلية مصفوفتها المتينة، عندما تترافق مع درجة عالية من التكافل المميز ضمن أنظمة إدارة المشاريع، إلى مشاكل فعلية على مستوى السلطة. ولعل المشكلة الأشد وضوحًا ترتبط بمساواة النظراء بين مدير المشروع والمدير الوظيفي. فعلى المستوى الرسمي، في هيكليات المصفوفات، قد يتمتع هذان الفردان بمقدار متساوِ من السلطة على أعضاء الفريق العامل على المشروع.
السلطة والنفوذ
ولا بدّ من الإشارة إلى أن السلطة تختلف عن النفوذ. فتمثل السلطة قدرة على الضبط والإدارة يتم تفويضها من المستويات العليا في المؤسسة. وفي المقابل، يُمنح النفوذ لأحد الأفراد من قبل المرؤوسين في المستويات الدنيا. لنأخذ مثل فرد تعتمد مهنته أو مكافآته المستقبلية على الترقية داخل الهيكلية الوظيفية، إذا أُحيلت إلى هذا الفرد مطالب متزامنة وإنما حصرية بالتبادل من مدير المشروع والمدير الوظيفي، فأي من المديرين ستلقى مطالبه الاستجابة الملائمة؟ في حالات مماثلة، من المرجح أن تتحقق مطالب المدير الوظيفي. وهذا مثل عن السلطة المتساوية – باعتبار أن كلا المديرين يملك سلطة إدارة جهود المرؤوس – والنفوذ المختلف.
الواقع أن السلطة تشكل إحدى الخصائص الرئيسية لإدارة المشاريع. فمن الضروري أن يثبت مدير المشروع سلطته عبر مختلف حدود المشروع والحدود الوظيفية والمؤسساتية القائمة. بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ السلطة وسيلة يستخدمها مدير المشروع لضبط وتوجيه مختلف النشاطات التي ينبغي تحقيقها، بشكل تسلسلي أو متوازِ، بحيث يتم توجيه الجهود الجماعية نحو تطوير المشروع.
مستوى السلطة وحجم المشروع
ومن الضروري عمومًا أن يكون مستوى السلطة الممنوح إلى أي مدير مشروع مرتبطًا ارتباطًا مباشرًا بحجم المشروع ومدى تعقيده. وكلما كانت المشاريع أكبر حجمًا وأكثر تعقيدًا، ارتفعت مخاطر فشل المشروع ونتائجه. وعلى المستوى العملي، يتم التوافق على ضرورة تفويض مدير المشروع مقدار من السلطة يفوق المقدار المطلوب لتنفيذ المشروع.
والجدير بالذكر أن إدارة المشاريع تشكل ظرفًا خاصًا على مستوى السلطة المؤسساتية. فيتواجد مدراء المشاريع في منصب فريد لأنهم مضطرون للعمل ضمن الضوابط الملزمة لـ “كرسي إدارة المشاريع” (أنظر وحدة 4). ومع أن مدير المشروع لا يملك سلطة على المدير الوظيفي، إلا أنه يظل مضطرًا لاستخدام عناصر وظيفية ضمن الفريق العامل على المشروع. ويقتضي ذلك أن يدخل مدير المشروع، على نحو رسمي أو غير رسمي، في مفاوضات على السلطة مع المدراء الوظيفيين، على المستويين الداخلي والخارجي على حد سواء. فيجدر بمدير المشروع أن يحدد المطلوب بغية تجميع موارد المشروع ومتى ينبغي توافره. بعد ذلك، يعمد إلى المزايدة والمفاوضة مع المدراء الوظيفيين بغية تأمين الالتزام والموارد الضرورية. وفي هذا السياق، تتولّد الحاجة إلى راعي مشروع من المستوى الأعلى يتمتع بالسلطة الكافية لتجاوز أي هوة قد تنشأ بين مدير المشروع والمدير الوظيفي.
3. تنظيم الفريق
يتحمل مدير المشروع مسؤولية تنظيم طريقة تنفيذ العمل. وتشمل هذه المسؤولية تصميم الهيكليات المؤسساتية ومقاربات إدارة الفريق الضرورية لدعم المشروع. لكن مدير المشروع قد لا يكون المدير الوحيد المعني بهذه المسألة. فقد يمتلك مدراء آخرون يقومون بوظائف مختلفة في مستويات متنوعة داخل المؤسسة، هم أيضًا بعض الآراء ويسعون إلى حشد دعم الإدارة العليا لوجهات نظرهم، لا سيما إذا كانوا يرون أن أي تغيير قد يؤثر في المقابل في مجالات مسؤولياتهم. ولتطوير هيكلية ملائمة ومقاربة إدارية مناسبة تستقطب التزام المدراء الآخرين ودعمهم، من المفيد أن يفهم مدير المشروع سياسة المؤسسة وكيفية تجلّيها في الهيكليات الحالية للمؤسسة وفي مقاربات إدارة الفرق.
تتحدد الأساليب الحالية المعتمدة في المؤسسة وطريقة عملها، أقله جزئيًا، بحسب وجهات نظر المدراء أو فلسفتهم فيما يتعلق بكيفية عمل مؤسستهم وبناء هيكليتها. ولا بدّ من الإشارة إلى أن وجهات النظر هذه قد تختلف عن وجهات نظر مدير المشروع، ولا سيما فيما يتعلق بغايات وأهداف أجزاء محددة من المؤسسة. وعندما يفهم مدير المشروع آراء أصحاب المصالح المختلفين، يصبح أكثر قدرة على تصميم طرائق كسب دعم المدراء الأساسيين. أما المحاولة الأحادية لفرض فلسفة تختلف عن الفلسفة المسيطرة في المؤسسة، فقد تلقى مقاومة شديدة، وربما يُحكم عليها بالفشل.
الواقع أن إحدى طرائق تحديد الفلسفات السائدة المسيطرة تتمثل بالمقابلة بين الممارسات الحالية ووجهات النظر الأساسية حول الإجراءات المؤسساتية. يرد أدناه عرض للخصائص الأساسية التي تتميز بها هذه الإجراءات.
النظرية التقليدية
بحسب المنظور التقليدي أو الكلاسيكي، تشكل الإدارة العملية التي يتم تنفيذها بغية تحقيق هدف مؤسساتي أو مجموعة من الغايات المؤسساتية. وقد تكون هذه الغايات استراتيجية أو تكتيكية أو تشغيلية، علمًا بأنها تشكل في العادة مزيجًا من هذه الغايات المتنوعة. وفي النظرية التقليدية، يشكل الأشخاص المعنيون بالمسار مجرّد مكوّنات لعملية الإنتاج. وفي هذه الحالة، غالبًا ما يتم التركيز على السلع أو الخدمات المنتجة. والجدير بالذكر أن النظرية التقليدية سادت منذ بدء الثورة الصناعية واستمرت حتى مؤخرًا. فلا تزال تنطبق إلى حد ما على مسارات التصنيع التكراري الواسعة النطاق.
وقد يشكل خط إنتاج تصنيع السيارات مثلاً مناسبًا عن تطبيقات هذه النظرية. فالمسار معقد للغاية وممكنن، ولا ينطوي فعليًا على أي مرونة أو إمكان للانحراف. وبالتالي، لا متطلبات فعلية لجهة إدارة المشروع بما أن المسار ذاتي الضبط. كذلك، لا يقتضي هذا الخط الإنتاجي متطلبات تُذكر على مستوى التنظيم التكتيكي لأن النظام يشتمل على قدر محدود من المرونة. والواقع أن المسار منضبط في كل مرحلة إلى حد أن العمال يندمجون فيه ولا يشكلون أكثر من مجرد مكونات. وبالرغم من إمكان ارتكاب الأخطاء أو الانحراف عن المسار الفرعي الموصوف، إلا أن مدى الوقوع في مشاكل مماثلة يبقى محدودًا للغاية.
النظرية التجريبية
في ظل النظرية التجريبية، تتجلى أوجه شبه أساسية وجوهرية بين الأنظمة والمسارات التي تعتمدها المؤسسات علمًا بأن الأبحاث في هذا السياق تقوم على المراقبة والتفسير. وتكمن الفكرة وراء هذه النظرية في اتخاذ المسار الصحيح أو المقاربة الصحيحة طابعًا ماديًا من خلال مجموعة من العيّنات والبيانات في حال إتمام كمِ كافِ من عمليات المراقبة. عندئذِ، تتمثل النتيجة النهائية بإمكانية استشراف وتقدير المهارة الإدارية والفعالية المؤسساتية عبر مراقبة مسارات إدارية ومؤسساتية مختلفة. وتجدر الإشارة إلى إمكانية تطبيق النظرية التجريبية حيث تتولى إحدى المؤسسات إرساء مسار جديد للمرة الأولى، فيما تكون مؤسسات أخرى قد سبقتها إلى اعتماد هذا المسار منذ بعض الوقت. ومع أن مجموعة متنوعة من الطرائق الملائمة تتجلى عمومًا لتنظيم مسار محدد وإدارته، إلا أن طريقة واحدة منها فقط قد تكون هي المثلى. وتنبثق هذه الطريقة المثلي بطبيعة الحال من المسار، فيكون من الضروري أن تنعكس عبر كل المؤسسات الناشطة في هذا المسار.
وقد تشكل الشركات التي تشغّل القطارات مثلاً عن هذه الحالة. فلا بد لأي مؤسسة تقرر تطوير نظام تشغيل قطارات، أن تواجه المجموعة نفسها من العوامل التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار. وتشمل هذه العوامل شراء القاطرات وعربات السكة الحديد وصيانتها، وطاقم الموظفين، والصفقات مع مزودي البنى التحتية، والظروف الطارئة، والتشريعات الحكومية وغيرها. وتبيّن مراجعة شركات تشغيل القطارات في المملكة المتحدة أن هذه الشركات نزعت كلها إلى التطور استنادًا إلى هيكلية أساسية متشابهة. ولا شك في أن هذا التطور منطقي كما أنه يشبه تطوير السيارات وفقًا لمفهوم التصميم الأساسي نفسه بالرغم من وجود تخصيصات فردية.
فضلاً عن ذلك، ترتكز النظرية التجريبية على فكرة مفادها أنه بإمكان المؤسسات المستقلة تعقّب هذه المسارات التطورية الطبيعية والتنبؤ بها.
النظرية السلوكية
تبرز مدرستان رئيستان للنظرية السلوكية:
أ. مدرسة العلاقات الإنسانية
تبحث مدرسة العلاقات الإنسانية في العلاقات المتبادلة بين الأشخاص وعملهم مفترضةٌ وجود روابط جوهرية بين سلوك الأفراد وسلوك المؤسسة ككل. ويتمثل الحل الأفضل بالتوفيق بين الأهداف والغايات المؤسساتية والفردية. والجدير بالذكر أن هذه الفكرة تشكل إحدى النظريات الأساسية التي تنطوي عليها إدارة الجودة الشاملة (أنظر وحدة 7). ومن البديهي أن يشكل ربط أهداف الأفراد بأهداف المؤسسة ككل حيث يكون ذلك ممكنًا إجراءً مرغوبًا فيه.
وفي هذا الإطار، قد يشمل المثل البسيط عن هذا الربط تشارك الأرباح حيث يُعطى المستخدمون حصة مباشرة من إرباحية المؤسسة أو القسم الذي يعملون فيه. أما الأمثلة الأكثر تعقيدًا، فتعنى بالسلوك الخاص بنظرية التوقعية (أنظر وحدة 6). وبحسب هذه المقاربة، يمكن تشجيع الأفراد على المساهمة بقدر أكبر في المؤسسة من خلال ربط غايات المؤسسة بتوقعات الفرد. فقد يشعر أي مستخدم بمستوى عالِ من التحفيز ويعزز مساهمته إلى حد كبير لأنه يتوقع أن تضمن له هذه الجهود مكافأة على المدى الطويل. ويكمن المثل عن ذلك في أن يحاول قائد أحد الأقسام زيادة الإنتاجية متوقعًا الفوز بترقية تقديرًا لإنجازه. وفي مثل آخر، قد يتوقع أحد الأفراد استحداث موقع وظيفي جديد أعلى مستوى ينبثق عن زيادة الإنتاج، فيجد نفسه في موقع مثالي لضمان هذا المنصب كنتيجة لجهوده المعززة.
ب. مدرسة النظام الاجتماعي
أما مدرسة النظام الاجتماعي، فتبحث في الخصائص الاجتماعية للمؤسسة وللأفراد المكونين لها. ومع تغير الخصائص الاجتماعية للمؤسسة، تتجلى الحاجة إلى تغيير الخصائص الاجتماعية للأفراد الذين يشكلون هذه المؤسسة.
لا شك في أن كل المؤسسات تشهد تطورًا مستمرًا بسبب التغييرات في الأشخاص الذين يشكلون المؤسسة، فيغادرها البعض فيما ينضم آخرون جدد إليها. فضلاً عن ذلك، تتطور المؤسسات بفعل التغييرات التي تطرأ على النظام المؤسساتي وتنجم عن تأثيرات خارجية. ومع تغير المؤسسات، لا بدّ أيضًا من أن يتغير الأشخاص العاملون فيها. وقد تنجلي الحاجة إلى أن يترافق تطور المؤسسة مع تغيير في المواقف من العمل وفي الغايات والأهداف الفردية. وقد تتجاوز هذه التغييرات المواقف والأهداف وتطال مسارات وممارسات العمل ككل.
وكثيرةٌ هي الأمثلة عن هذا التغيير المؤسساتي والفردي المتوازي. ومن الأمثلة التي قد تبلور فكرة التغيير الموجّه من الداخل، نذكر منع التدخين في مكان العمل طوعًا. فقد تتخذ المؤسسة قرارًا اعتباطيًا يفرض على المستخدمين كلهم الامتناع عن التدخين في مكان العمل باعتبار أن هذا القرار أخلاقي ومفيد للحفاظ على الصحة والسلامة. وما إن يتم إرساء هذه السياسة حتى تتغير المواقف الاجتماعية بسرعة بالغة، فيشهد النظام الاجتماعي الذي ينطوي على “التدخين” في بيئة العمل تبدلاً أساسيًا.
ويشكل القانون الجديد الصادر عن الحكومة المركزية مثلاً آخر عن التغيير على غرار ما حدث في المملكة المتحدة منذ فترة قصيرة وتجسّد بقوانين إدارة وتصميم البناء للعام 1994. فتفرض هذه القوانين على مصممي الأبنية أن يدرسوا بالتفصيل نواحي الصحة والسلامة في تصميماتهم، على مستوى مسار البناء وفي خلال الاستخدام اللاحق الطويل الأمد للبناء. وقد تشمل هذه الدراسة تقييم المخاطر على المدى الطويل، وتقديرها ولوائحها (أنظر وحدة 3). والواقع أن هذه التغييرات الأساسية في ممارسات العمل تؤدي إلى تغيير كامل في المواقف الاجتماعية تجاه الصحة والسلامة في ممارسات التصميم.
نظرية القرار
تستند نظرية القرار إلى المفهوم القائل بإمكان دراسة الإدارة والمؤسسات رياضيًا. فيمكن مراقبة المؤسسات وتصميم نماذج عنها، ومن ثم استخدام هذه النماذج لاستكمال الفاعلية المؤسساتية في مؤسسات أخرى والتنبؤ بها علمًا بأن نظرية القرار تستخدم تقنيات الأبحاث التشغيلية وعلم الإدارة.
نظرية إدارة الأنظمة
تنطبق نماذج الأنظمة على الإدارة والمؤسسات. فيمكن تمييز المؤسسة من خلال مقدار الموارد، كما يمكن تمييز مسار الإنتاج بشكل مستقل ذلك أن الأنظمة المؤسساتية كافة تشتمل على المدخلات (على سبيل المثال الأشخاص، الآلات، والتجهيزات، والأموال وغيرها)، وشكل من أشكال المعالجة، والمحصلات (سلع و/ أو خدمات). والواقع أنه بالإمكان النظر إلى المدخلات والمسارات والمحصلات بشكل مستقل باعتبارها أجزاء مكونة للكل.
اختيار مدير المشروع لإحدى النظريات
ومن الواضح أن المدراء الذين يوافقون بشكل أساسي على آراء تنطوي عليها نظرية معينة قد يقاومون استقدام أي مقاربات أو هيكليات منبثقة عن إحدى النظريات الأخرى. ولنأخذ على سبيل المثال مشروعًا يهدف إلى تعزيز إنتاجية مؤسسة مبدعة كشركة استشارية للإعلانات. في هذه الحال، من غير المتوقع أن يقبل طاقم الموظفين بسهولة بالمقاربات التي تم تطويرها في ظل النظرية التقليدية، أي التي تتمثل نموذجيًا بطريقة صائبة واحدة لتنفيذ العمل ودرجة محدودة من الحرية في التنفيذ.
ويستحيل بالطبع تحديد أي النظريات ينطبق على مؤسسة معينة. لكن المدراء ضمن الهيكليات الوظيفية التقليدية يميلون إلى تفضيل النظرية التقليدية، السلوكية والتجريبية، في حين أن مدراء المشاريع ينزعون إلى مقاربة علمية وتحليلية، فيفضلون نظرية القرار وإدارة الأنظمة. وينجم هذا الاختلاف الجوهري في وجهة النظر عن الخصائص التي تميّز مسؤوليات المدراء.
الواقع أن مدراء المشاريع يهتمون تحديدًا بتطوير فرق صغيرة متعددة الاختصاصات وتعمل لفترة قصيرة الأمد كما يهتمون بالعمل على مشاريع معقدة نسبيًا. ويكون مدراء المشاريع معنيين إلى حد كبير بالتقنيات التشغيلية، مثل تخطيط وضبط المشروع (أنظر وحدة 5) وتخطيط وضبط التكلفة (أنظر وحدة 6). ويرون الأمور من منظور تحليلي معتبرين أعضاء الفريق العامل على المشروع وحدات وظيفية أكثر مما يفعل المدراء الوظيفيون أنفسهم. فكل ما يهم مدير المشروع فعليًا هو نجاح المشروع أو فشله. أما أعضاء الفريق العامل على المشروع، فقد يتم تعيينهم للعمل لفترة قصيرة نسبيًا، ما يعني بالتالي أنهم لا يتسمون بأهمية فردية قصوى بالنسبة إلى المشروع نفسه (شرط توافر ضوابط التخطيط والمراقبة الضرورية).
فهم المؤسسة وأداء الفرق
كذلك، يُفترض بمدير المشروع أن يكون أشبه بمهندس اجتماعي يملك القدرة على فهم كيفية عمل المؤسسة ككل وأداء مختلف الفرق العاملة على المشاريع فيها. ويُفترض به أيضًا أن يكون قادرًا على هندسة المؤسسة لتلائم متطلبات المشروع، حيث يكون ذلك ممكنًا.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن مهارات التطوير المؤسساتي تعتمد على مهارات بناء الفرق (أنظر وحدة 2 لاحقًا). وفي هذا الإطار، يجدر بمدير المشروع أن ينتقي عددًا من الأشخاص المتميّزين بمستويات مختلفة من الخلفية والمؤهلات والخبرات ليجمعهم في فريق واحد. إلا أن إرساء فريق ناجح متعدد الاختصاصات بشكل مهمة كبرى (أنظر وحدة 2 لاحقًا).
ومن الضروري أن تنفّذ وظيفة التنظيم على امتداد دورة حياة المشروع. لكن أهم متطلبات التطوير المؤسساتي تطرأ في خلال المراحل المبكرة من هذه الدورة. فلا بدّ لمدير المشروع من أن يراجع الموارد المتوافرة ويقرر أي هيكلية مؤسساتية هي الأكثر ملاءمة في أبكر وقت ممكن. وما إن يتم اتخاذ قرار بهذا الشأن، حتى يُبلّغ إلى الفريق العامل على المشروع عبر تنظيم اجتماع للفريق يُعلن في خلاله عن القرار وتُناقش مضامينه. ويُعرف هذا الاجتماع أحياناً بـ “الاجتماع الأول”.
وقد تتمثل البنود النموذجية التي يمكن تبليغها والتوافق عليها في الاجتماع الأول بما يلي:
- المسؤوليات الفردية.
- هيكلية التفصيل المؤسساتي للمشروع.
- مصفوفة مسؤوليات المهام الخاصة بالمشروع.
- روابط التبليغات.
- روابط السلطة.
- نظام الإدارة الترتيبية للمعلومات (أنظر وحدة 7 ).
- برنامج المشروع.
4. الضبط
تمت معالجة موضوع ضبط عناصر الوقت والتكلفة والجودة بالتفصيل في وحدة 5 و6 و7. لكن بإيجاز، يتعلق الضبط بمسؤولية مدير المشروع عن تحديد الأهداف المرجوة على مستوى الأداء، وقياس الأداء الحقيقي استنادًا إلى الأهداف، وإطلاق عمل تصحيحي حيث ينحرف الأداء الحقيقي إلى حد كبير عن الأداء المنشود. ويتم تحقيق هذا كله بنية إنجاز غايات وأهداف المشروع المحددة منذ البداية.
ويشكل الضبط في الأساس مسارًا من أربع مراحل كما هو مبين أدناه:
الاستهداف
يرتبط الاستهداف بتحديد هدف أو مجموعة أهداف عملية قابلة للتحقيق. وينبغي أن تتوافق هذه الأهداف وتتناغم مع المعايير المعلن عنها والخاصة بنجاح أو فشل المشروع ومكوّناته الفرعية. وفي الواقع، يمكن تحديد الأهداف للأفراد أو المجموعات بحسب ما هو ملائم.
من المرجح أن تعمد شركة تصنيع مكوّنات كهربائية إلى وضع أهداف خاصة بالتكلفة والإنتاج والجودة. وتتوافر مجموعة كبيرة من الأهداف المحتملة التي يمكن تحديدها لكل من هذه العناصر. ولدى اتخاذ قرار بشأن الأهداف التي سيتم اختيارها، من الضروري النظر في المستويات المختلفة لمدى الرغبة في اعتماد خيارات الأهداف المحددة. فعلى سبيل المثال، قد تتفاوت هذه الأهداف بحسب نوع المكوّن والزبون النهائي. وبالنسبة إلى عقد دفاعي عالي الجودة، قد تكون جودة المكوّنات حرجة، فتتجلى ضرورة إجراء سلسلة مفصلة من التدقيقات في مراحل الإنتاج كافة، مما قد يزيد التكاليف ويخفض الإنتاجية. وفي المقابل، قد تُوجّه المكوّنات المنتجة بالجملة في مجال الإنتاج التلفزيوني نحو تكلفة متدنية وجودة أقل مستوى. وفي هذه الحالة، تُعتَبر المعدلات المختلفة للفشل أو الرفض مقبولة استنادًا إلى تكلفة المكوّن النهائية الشاملة.
القياس
المقصود هنا قياس مدى تطابق التقدم الفعلي مع التقدم المستهدف. ويمكن إجراء القياس بطريقة نظامية، كاستخدام تحليل القيمة المكتسبة (أنظر وحدة 6) أو بطريقة غير نظامية، كاعتماد تقييم وتقدير غير مباشرين للتقدم.
التقييم
يشمل التقييم تحديد وعزل المجالات التي يتطابق فيها التقدم المحقق مع الخطة الشاملة للمشروع، والنظر في الخيارات البديلة للقيام بالعمل التصحيحي الملائم. والواقع أن أشكال التقييم ترتكز بمعظمها على نوع من تحليل التباين (أنظر وحدة 6).
ويشكل تحليل التباين أداة بمفعول استعادي لأنه ينظر في التباينات بين الأحداث المخطط لها والأحداث الحقيقية ويستخدمها كأساس للعمل التصحيحي. فعلى سبيل المثال، ينظر هذا التحليل في الأحداث الماضية ويستخدمها كمقياس للفاعلية الحالية. لكن هذه المقاربة قد تكون خطيرة إذا كانت الوحيدة المعتمدة. فمن الضروري أن يترافق استخدام تحليل التباين مع نظام لاستشراف المستقبل أو التنبؤ به. والواقع أن لنظام الاستشراف منفعة تتمثل بتحديد المجالات التي تُصحّح التباينات السابقة فيها تلقائيًا من دون أن يتطلب ذلك أي تدخّل من الإدارة. كذلك، ينطوي نظام الاستشراف على ميزة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى وتتمثل بمساهمة هذا النظام في تحديد المجالات التي تؤدي فيها الأعمال الحالية المخطط لها إلى أداء مستقبلي سيء، ما قد يسمح لمدير المشروع بأن يبدأ بالأعمال التصحيحية، إما لتفادي نشوء مشاكل خطيرة، وإما للتخفيف من تأثيرها على المشروع ككل.
التصحيح
يشمل التصحيح تطبيق الأعمال التصحيحية المقترحة للتخفيف من مفاعيل الانحرافات عن الهدف أو إزالتها. ولا شك في أن التصحيح يشكل إحدى وظائف الإدارة الأكثر أهمية التي يقوم بها مدير المشروع علمًا بأن كل المقصد من تحديد الأهداف وقياس الأداء وتقييمه هو إنتاج بيانات يمكن استخدامها كأساس للعمل التصحيحي. ومع تحديد التقييم للمجالات التي تطرأ المشاكل فيها، يحدد مسار التصحيح أسباب حدوث المشاكل ويرسي برنامجًا لتصحيحها، ثم يراقب أداء التصحيح الحقيقي والمخطط له (أي ما يُعرف في غالب الأحيان بتحليل التباين من المستوى الثاني) بغية التأكد من حسن سير أي برنامج للتصحيح.
5. الإدارة
تشكل الإدارة المسار المتعلق بتحويل الغايات المؤسساتية إلى حقيقة من خلال استخدام موارد المؤسسة وموارد المشروع على حد سواء. وينطوي هذا المسار على إدارة الأشخاص الآخرين بغية ضمان ملاءمة أعمالهم لإنجاز الغايات والأهداف الشاملة.
أما نشاطات الإدارة النموذجية في إدارة المشاريع، فتشمل النشاطات المحددة أدناه.
تشكيل الفريق العامل على المشروع
يشمل هذا النشاط ضمان توافر الموارد البشرية الكافية في الفريق العامل على المشروع كي يتمكن هذا الفريق من العمل، فضلاً عن ضمان مناسبة كل عضو للعمل في الفريق بالقدر المستطاع من الفاعلية وانسجام الأفراد (حيث يكون ذلك ممكنًا) مع بعضهم البعض ليتمكنوا من العمل معًا (أنظر وحدة ٢-٣).
تدريب الفريق وتطويره
تتطور الفرق العاملة على المشاريع وتزدهر تماشيًا مع التغييرات في المشروع وفي أعضاء الفريق على مر دورة حياة المشروع. والواقع أن التدريب والتطوير ضروريان للحرص على بقاء أعضاء الفريق حاضرين لمواجهة احتياجات المشروع.
الإشراف
يتعلق الإشراف بإعطاء الإرشادات التكتيكية لأعضاء الفريق في المستويات كافة. ويغطي نواحي عديدة، بما فيها تحديد الأهداف الفردية، وتقييم الموظفين، والانضباط، وتحديد الأهداف والمسؤوليات الفردية والجماعية.
تحفيز الأفراد والفريق
في العادة، تشكل المستويات العالية من التحفيز الفردي والجماعي عاملاً ضروريًا لضمان عمل الفريق بفعالية. فصحيح أن الدعم والموارد الممتازة قد تتوافر للفرق العاملة على المشاريع، إلا أن هذه الفرق لن تعمل بفعالية إذا لم يتوافر التحفيز الملائم لها. ولا بدّ من الإشارة إلى أن التحفيز يشكل مجالاً بالغ التعقيد قد يتأثر بعوامل عدة تشمل أنظمة المكافأة الفردية والجماعية، والتقييم والمعلومات المرتدة، والتوفيق بين الغايات الفردية والغايات المؤسساتية (أنظر وحدة ٢-٤).
التنسيق
يشمل التنسيق إدارة المجموعات والأفراد بغية ضمان تنفيذ الأعمال كافة في سبيل تحقيق الأهداف المشتركة للفريق العامل على المشروع والمؤسسة ككل بطريقة فاعلة وفعالة. كذلك، يشمل تصنيف العمل وتحديد أولوياته من أجل ضمان تعهد الموارد بحسب أهمية كل عملية فردية، ويُعنى بمراقبة الموارد لضمان تفادي النزاع بين الفرق الوظيفية والفرق العاملة على المشروع حيث يكون ذلك ممكنًا.
والجدير بالذكر أنه غالبًا ما تكون الإدارة في بيئة الفريق العامل على المشروع معقدة نظرًا إلى تعيين الأفراد في الفرق الوظيفية والفرق العاملة على المشاريع بشكل متزامن. وقد يحدث أن يتولى المدراء الوظيفيون إدارة الأفراد نفسهم، فيتجلى احتمال نشوء النزاع من خلال الإدارة المضادة أو المتناقضة. أضف إلى ذلك أن أعضاء الفريق العامل على المشروع قد يُعينون فقط لفترة قصيرة نسبيًا، فيصعب بناء الثقة والالتزام الإداريين مقارنة بما يكون الوضع عليه مع الفرق الوظيفية التي تتميز بدورة حياة أطول.
6. بناء الفريق
يشكل إنشاء الفرق في سياق إدارة المشاريع مسارًا لاستقدام مجموعة من الأفراد من اختصاصات وظيفية مختلفة وجمعهم في فريق موحد للعمل على المشروع. ومع أن هؤلاء الأفراد قد ينتمون إلى مجموعة متنوعة من المؤسسات، إلا أن مسؤولية مدير المشروع تقتضي أن يضمن عملهم معا كفريق.
وكما ذكر آنفًا، يبقى مطلب إنشاء الفريق قائمًا في مختلف مراحل دورة حياة المشروع لأن الأشخاص ينضمون إلى الفريق العامل على المشروع أو يتركونه، ولأن متطلبات المشروع تتغير في المراحل المختلفة. ولعل المراحل الأولى هي الأكثر حراجة باعتبار أنها المراحل التي تشهد إرساء “ثقافة” الفريق أو طريقته في إنجاز الأمور. وبغض النظر عن كيفية تطوّر المشروع وبقاء الفريق في حالة من عدم الثبات، غالبًا ما تسود الثقافة الأولية طول فترة تنفيذ المشروع.
تشمل عامة أيّ عملية إنشاء فرق ناجحة عشرة أقسام أساسية:
التزام الأفراد والفريق
يعتمد نجاح أي مسار لإنشاء الفريق على تمتع أعضاء هذا الفريق بمستوى معين من الالتزام. وصحيح أن المستوى الأدنى المقبول للالتزام يختلف بحسب الفرق والمشاريع، إلا أنه من المفضل أن يتشارك الأعضاء الغايات والأهداف الشاملة للمشروع. ولا شك في أن درجة تحقق هذه الرغبة في الفريق تبقى عرضة للتفاوت. وقد يكون من الأسهل تطوير أهداف جماعية في نظام داخلي لإدارة المشاريع حيث يعمل الأفراد كافة لدى المؤسسة نفسها ويسعون إلى تحقيق أهداف مشتركة (أقله إلى حد ما). أما في النظام الخارجي، فيعمل المشاركون كافة لدى مؤسسات مختلفة، ما يعني اختلاف ولاءاتهم ومسؤولياتهم.
وفي بعض الحالات، ينبغي تأمين الالتزام من خلال نظام المكافأة، مثل دفعات العلاوات أو تشارك الأرباح. وفي حالات أخرى، يمكن ربط الالتزام بمحفزات الأفراد والمجموعات (أنظر وحدة 2.4). لكنه في حالات أخرى، يمكن ربط الالتزام بالمصالح الفردية والعوامل الخارجية. فعلى سبيل المثال، قد يدخل منافس كبير إلى السوق فجأة كما قد تطلق شركة موجودة أصلاً مشروعًا لإعادة تحديد مسارات إنتاجها وفعاليتها بغية الحفاظ على وضعها التنافسي. وبالتالي، قد يؤدي هذا الخطر المفاجئ والجديد الذي يهدد وظائف الأشخاص إلى تعزيز مستوى الالتزام في الشركة.
والواقع أنه يُفترض بمدراء المشاريع أن يكونوا قادرين على تطوير الالتزام في أوساط فرقهم. وفي الكثير من الحالات، يتم ذلك عبر التوفيق بين غايات الأفراد وغايات المشروع بحيث أن الأشخاص يساعدون الشركة على بلوغ غاياتها وأهدافها فيما يناضلون لتحقيق غاياتهم وأهدافهم الخاصة.وقد تكون ثنائية الأهداف هذه إما مباشرة وإما غير مباشرة.
أمثلة توضيحية
وقد تشمل الأمثلة عن التحقيق المتبادل للغايات، التي لا تستند إلى المال أو إلى أي شكل آخر من أشكال الفائدة الشخصية، ربانًا يحط بالطائرة وطبيبًا من قسم الحوادث والطوارئ يقوم بإجراء طبي طارئ.
في المثل الأول، يدرك الربان أنه عندما يحط بالطائرة، تكون سلامته الخاصة معرضة للخطر على غرار أي شخص آخر على متنها. فلا تقل رغبة الربان عن رغبة أي شخص آخر على متن الطائرة في رؤية الطائرة تحط بسلام. ولا حاجة إلى منح أي ربان علاوة في كل مرة يحط بالطائرة بسلام، ذلك أن عدم القصور عن هذا المستوى الأدنى من الأداء يصب في مصلحته الخاصة. أما في المثل الثاني، فقد اختار الطبيب أن يعمل في مجال الحوادث والطوارئ، ويُتوقع منه أن يعالج أي حادث طارئ، فيتحمل الطبيب مسؤولية مهنية تفرض عليه القيام بكل ما هو ضروري وممكن لإنقاذ حياة الغير. ويشكل الالتزام الكامل بمصالح المريض عاملاً فائق الأهمية للقيام بهذه المسؤولية.
تطوير الحس بروح الفريق
كلما تميز المشروع بمستوى أعلى من التنافسية والتفاعل، تعززت الحاجة إلى روح الفريق الجيدة مع أنها ليست مهمة سهلة. فروح الفريق مقياس لتحفيز الفريق ومدى فعالية أعضائه في العمل معًا. ولا بدّ من الإشارة إلى أن مفاعيل روح الفريق جليّة في عدد كبير من الأمثلة شأن مباريات كرة القدم أو أحداث رياضية أخرى شهد فيها الفريق الأفضل الهزيمة أمام فريق أدنى مستوىً لأن هذا الأخير كان يتمتع بروح فريق فضلى. وقد تشمل روح الفريق في هذا السياق الرغبة في الربح وروح الهجوم وغيرها.
إلا أن روح الفريق ليست مرادفًا للالتزام. فقد تكون شبه معدومة لدى فريق يتمتع بمستوى عال من الالتزام. وتشكل مجموعة من المؤلفين يعملون على تجميع كتاب باستخدام وسائل الاتصال عبر الإنترنت مثلاً يبلور هذه الفكرة. فقد لا يلتقي أعضاء الفريق فعليًا أو يتحدث أحدهم إلى الآخر بشكل مباشر، لكنهم يبقون ملتزمين بالكامل بالعمل معًا إلى أن يتم إنجاز الكتاب. ومن الممكن أيضًا أن تجد فريقًا يتمتع بروح الفريق العالية وإنما يفتقر إلى الالتزام شأن مجموعة من اللاعبين المتمرّسين في أحد الفرق والأصدقاء في الوقت نفسه ولكنهم يعملون على مشروع يشعرون فيه بالاستياء من قائد الفريق أو من مدير المشروع.
الحصول على الموارد الضرورية للمشروع
يتمثل السبب المشترك لفشل الكثير من الفرق العاملة على المشاريع في تحقيق الأهداف بالنقص في الموارد الضرورية. وينطبق ذلك على الأنظمة التي يولّد فيها نجاح الفريق النمو. ففي حالات مماثلة، ينبغي إدخال الموارد إلى النظام بحيث تتوافق الزيادات في كم العمل المطلوب إنجازه مع الاستثمار في الموارد. وبهذا، يشكل التوفيق غير الملائم بين معايير النجاح واستثمار الموارد سبيًا من الأسباب الرئيسة التي تحكم على الفرق العاملة على المشاريع بتكبّد التسويات على الجودة فيما تتعزز الإنتاجية. وصحيح أن الإدارة العليا تشعر بالفرح عندما ترى محصلة المشروع معززة، إلا أنها غالبًا ما تكون أقل فرحًا لدى استثمارها في الفريق العامل على المشروع بغية السماح بتزايد الإنتاجية باستمرار.
وفي المؤسسات الكبرى، قد يتم العمل على مشاريع عدّة في الوقت نفسه. وفي بعض الحالات، قد يكون مدير المشروع نفسه مسؤولاً عن عدد من المشاريع الفردية المختلفة. وعندما يحدث ذلك، يمكن لمسار تأمين الزيادات الضرورية في الموارد لدعم المشاريع الفردية أن يتحوّل إلى مشكلة معقدة.
تحديد غايات واضحة للأفراد والفرق ووضع معايير النجاح / الفشل
يشكل النقص في تحديد غايات الأفراد والفرق ومعايير النجاح / الفشل تحديدًا واضحًا ومجالاً مشتركًا من المشاكل لدى بناء الفرق. ويمكن ذكر أمثلة عدة عن حالات حدد فيها المدراء أهدافًا ثم عمدوا إلى “تبديل مواقع المرمى” (المعايير) الخاصة بنجاح المشروع. ويلجأ المدراء إلى هذا المسار لأسباب عدة، كأن تتطور الأهداف الاستراتيجية للمؤسسات وتتغير. وفي حال حدوث أي تغيير استراتيجي، ينبغي نقله بالتفصيل إلى مدير المشروع كي يتمكن من إعادة تحديد أهداف المشروع.
ولا بدّ أيضًا من توافر مجموعة من المعايير الواضحة لنجاح المشروع وفشله. ومن الضروري أن تتحدد هذه المعايير بوضوح بصيغة يمكن قياسها كميًا ومقارنة أداء المشروع بها. أما معايير النجاح والفشل الأكثر شيوعًا، فترتبط بالوقت والتكلفة والأداء العالي الجودة، علمًا بأن معايير أخرى قد تُعتمد أيضًا.
بلورة الدعم الملحوظ من قبل الإدارة العليا
يجدر بالفريق العامل على المشروع أن يعمل ضمن سياق المؤسسة ككل. فلا بدّ للمشروع من أن يشكل أحد أوجه المساعي الشاملة للمؤسسة ويبرز في موقع ما من المعادلة الأشمل التي تحدد سياسة الإدارة الاستراتيجية في المؤسسة.
ومن الضروري أن تتولى الإدارة العليا دعم المشروع بالنسبة إلى نجاح المشروع بحد ذاته كما إلى وجهات نظر أعضاء الفريق العامل على المشروع. ويمكن تحقيق هذا الدعم عبر مساهمة طاقم الإدارة العليا بشكل فاعل في المشروع واهتمامه بأن يحقق أداءً مرضيًا – عبر المشاركة في الاجتماعات الكبرى المخصصة لمراجعة المشروع على سبيل المثال.
عرض برنامج القيادة الفعّال
ينبغي أن يكون مدير المشروع قادرًا على قيادة الفريق وهذا يستوجب عدد كبير من الواجبات والمسؤوليات، بما فيها تلك التي تتداخل مع عناوين أخرى في بناء الفرق (مثل التحفيز). ولا بدّ من الإشارة إلى أن نجاح المشروع يعتمد على الدقة في التخطيط له وعلى فعالية أنظمة المراقبة والضبط الخاصة به. وقد يدرك الفريق العامل على المشروع أن هذه العوامل ضرورية لنجاح المشروع ككل، كما يتوقع أن يبدي مدير المشروع اهتمامًا مستمرًا بتطويرها وتطبيقها وأن يُعنى شخصيًا بالمشاكل الكبرى الطارئة ويحرص على حلها.
تطوير التواصل المفتوح الرسمي وغير الرسمي
في معظم الفرق، يمكن ربط الإنتاج والفعالية بالتواصل. والواقع أن الفرق الأكبر حجمًا والمشاريع الأشد تعقيدًا تنطوي على متطلبات أكبر لجهة التواصل الجيد الذي يشكل محفزًا هامًا في هذا الصدد. فيعمل الأشخاص في العادة بطريقة أفضل عندما يشعرون بأنهم قادرون على التواصل مع الأشخاص الآخرين في النظام، وعلى وجه الخصوص مع المدراء أو رؤساء الأقسام. ومن شأن هذا التواصل أن يولّد لديهم إدراكاً مباشرًا لتقدم المشروع والأولويات والاهتمامات في كل مراحل دورة حياة المشروع. كذلك، يساهم التواصل في بروز إحساس قوي بالعضوية في الفريق على نحو يشجع على الاهتمام شخصيًا بالمشاكل الطارئة والالتزام بتجاوزها.
على المستوى العملي، تشكل أنظمة التواصل الفاعلة أحد أبرز المجالات المهملة في معظم المؤسسات، والأمر سيان في إدارة المشاريع. فيتصرّف عدد كبير من الأشخاص وكأن الطرائق التقليدية للتواصل وتنظيم المعلومات، عبر التقارير المكتوبة والمذكرات والاجتماعات وجها لوجه مثلاً، هي الوسائل الوحيدة المتوافرة للتواصل. ولطالما اشتهر مدراء المشاريع بالتذمر من مقدار الوقت الشخصي المطلوب تخصيصه للتواصل، ومن الحدود التي تقيّد طرائق التواصل الحالية. والواقع أن كبار مزوّدي أنظمة إدارة المشاريع يدركون تمامًا أن تحسين طرائق التواصل يشكل مطلبًا مهمًا لم تتم تلبيته، ويعملون على تطوير أنظمة إدارة التواصل وأنظمة الإدارة الترتيبية بغية تلبية المتطلبات المعقدة لإدارة المشاريع. وتتوافر حاليًا رزم برمجيات جديدة تمثل أحد مجالات تطوير البرمجيات الأسرع توسعًا في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة.
تطبيق أنظمة المكافأة والجزاء
يتمتع أعضاء الفريق بمهارات وقدرات مختلفة. لكن معظم الأنظمة قد تشهد نشوء شعور سيء في لحظة من اللحظات لا سيما أنه يبدو أن بعض الأفراد يبذلون جهدًا أكبر ويساهمون في المشروع بمقدار أكبر مقارنة بغيرهم. وبالتالي، يجدر بمدير المشروع أن يرسي أنظمة الضبط والمراقبة حرصًا على الاعتراف بأصحاب الأداء الجيد ومكافأتهم، والتحقق من أصحاب الأداء السيء وتأنيبهم.
أما التقصير في إرساء هذه الأنظمة، فيؤدي عمومًا إلى تفشي الشعور بالسوء، ما يخلّف مفاعيل لاحقة تطال التحفيز ونزعة إلى تفكك الفريق وما يرافق ذلك من تعزز السلوكيات المتفرّدة شأن “أنا ومن بعدي الطوفان”.
تحديد النزاع وإدارته
نشأ النزاع في الأنظمة الإنسانية بمعظمها. والواقع أن الفرق العاملة على مشاريع البناء تكون عرضة للنزاع، بما تتمتع به من تعدد الاختصاصات والمستويات العالية من الحساسية والتكافل، وما تتعرّض له من ضغوط للالتزام بالجداول الزمنية في مواجهة المشاكل غير المتوقعة الطارئة. وصحيح أن النزاع قد ينشأ بين الأفراد غير المنسجمين كلما حدث احتكاك بين عدد من الأشخاص، إلا أن هذا النزاع يتفاقم بفعل المستوى العالي من الضغوط المرافقة لمعظم المشاريع. لكن النزاع قد يتخذ أشكالاً أخرى، كالنزاع بين المعلومات غير المتناسقة حول التصميم والتكلفة، أو تصميم ناحية تُعتبر غير مقبولة مقارنة بتصميم الأقسام المرتبطة بها. ومن الأمثلة الشائعة حول هذا الوضع، نذكر تصميم المهندسين أنابيب لا تتناسب مع المساحات التي خصصها المهندسون المعماريون لها.
يشكل النزاع عمومًا، سواء أكان مبنيًا على الجدال والمواجهة أم على ممارسات العمل غير المتوافقة، كيانًا سلبيًا. ويُعتبر مدير المشروع مسؤولاً عن حله أو ضبطه. والواقع أن مدراء المشاريع البارعين يدركون أن التغييرات المفاجئة في مستويات الطاقة أو الأداء لدى الأفراد أو مجموعات الأشخاص قد تدل على نشوء النزاع. لكن النزاعات ليست كلها سيئة. ففي المجموعات المعنية بعمل إبداعي، قد يوفر النزاع الحافز لتحقيق مستويات أعلى من الإنجاز وانبثاق الحلول المبتكرة. ويجدر بمدير المشروع، حتى في حالات مماثلة، أن يحرص على عدم تحرك النزاع خارج نطاق السيطرة.
تطوير ضبط المغايرة والتماسك
تُناقش هذه المسائل في وحدة 2.3.5.
7. القيادة
من الضروري أن يكون مدير المشروع قادرًا على قيادة الفريق العامل على المشروع بفعالية. وإذا كان يُفترض بأعضاء الفريق العامل على المشروع أن يعملوا معًا ككيان واحد، فالقيادة مطلوبة لتحقيق ذلك. والجدير بالذكر أن تعريف القيادة كمفهوم ليس بالمهمة السهلة ذلك أن القيادة تغطي مجموعة كبيرة من المزايا والمهارات التي يمكن أن تتفاوت من مشروع إلى آخر.
أما ميزات القيادة التقليدية، فمحددة أدناه.
المقدرة على صنع القرار
ينبغي أن يكون مدير المشروع قادرًا على صنع قرارات جيدة في مجموعة من المجالات المختلفة. وإذا كان ينبغي إحالة بعض القرارات إلى الإدارة العليا و / أو راعي المشروع للموافقة عليها، فقد تستوجب حالات أخرى اتخاذ قرار جماعي يشارك فيه أعضاء الفريق كافة. وبكل الأحوال، يجدر بمدير المشروع أن يجمع كل المعلومات المرتبطة بالموضوع ليصنع القرارات أو التوصيات الجيدة استنادًا إلى المعلومات المتوافرة.
القدرة على حل المشاكل
يحتاج الفريق إلى حل مشاكل عدة ستطرأ حتمًا في خلال المشروع. ومن شأن مدير المشروع أن يوفّر القيادة لحلها. ومع أنه يتعذر عليه حل كل مشكلة شخصيًا، إلا أنه يستطيع أن يقوم بدور الوسيط والمحور في محاولة الفريق حل المشاكل.
القدرة على دمج أعضاء جدد في الفريق
تميل الفرق العاملة على المشاريع إلى العمل على مشاريع قصيرة الأمد نسبيًا. وقد لا يكون هذا العامل بالنتيجة أساسيًا. وفي المقابل، يمكن للمشاريع الأطول أمدًا، مثل المشاريع الكبرى لشق الطرقات السريعة، أن تستغرق أكثر من عشر سنوات. فيُتوقع أن يتغير عدد ملحوظ من طاقم العمل على مر فترة المشروع. وهذا ينطبق أيضًا في بعض الأحيان على المشاريع الكبرى لتطوير وتطبيق أنظمة تكنولوجيا المعلومات.
الواقع أن دمج أعضاء جدد في الفرق التي تم تشكيلها مسبقًا يشكل مهارة أساسية. ومن الضروري أن يكون النظام مرنًا بما فيه الكفاية للسماح بانضمام أعضاء جدد وتوفير فترة تعلم كافية لهم قبل أن يُتوقع منهم أن يساهموا مساهمة كاملة في المشروع.
المهارات المتبادلة بين الأفراد
قد يصعب إجراء قياس كمي للمهارات المتبادلة بين الأفراد. فبعض الأشخاص يبرعون في العمل مع الآخرين ويدفعونهم إلى تكريس قصارى جهدهم للعمل الذي يقومون به، في حين أن أشخاصًا آخرين يجدون صعوبة أكبر في هذا الصدد. كذلك، قد يجيد بعض الأشخاص استخدام مهاراتهم الإقناعية بغية تجاوز المشاكل وحل النزاعات. والواقع أن أنجح الفرق هي تلك التي يرتبط أفرادها ارتباطًا وثيقًا ببعضهم البعض ويتسمون بدرجة عالية من الزمالة والثقة. أضف إلى ذلك أن مدراء المشاريع الذين يملكون المهارات الجيدة المتبادلة بين الأفراد يحتلون موقعًا متميزًا لتطوير هذه الخصائص في الفريق العامل على المشروع.
القدرة على تحديد النزاع وإدارته
يشكل تفادي النزاع وضبطه مهارتين أساسيتين في إنشاء الفرق. وينبغي أن يكون مدير المشروع قادرًا على تحديد النزاع حتى حيث لا يظهر جليًا، وعلى اتخاذ أي إجراءات ضرورية لحله.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن النزاع قد ينشأ ضمن الفريق الداخلي نفسه، أو بين أعضاء الفريق الداخليين والخارجيين في حال اتسم المشروع بهيكلية مؤسساتية مختلطة. وفي مشاريع البناء، ينشأ النزاع الأكثر شيوعًا بين أعضاء فريق التصميم عندما يتم تغيير الأهداف أو الحدود.
مهارات التواصل
يشكل التواصل الفعّال مهارة قيادية بالغة الأهمية. ولعله أقوى أدوات الضبط والقيادة. والواقع أن التواصل يشكل مطلبًا مركبًا بسبب مطلب إدارة الواجهة (أنظر أدناه)، مما يزيد مقتضيات نظام التواصل بشكل ملحوظ ويجعل مسار التواصل نفسه أكثر تعقيدًا مما هو عليه في نظام الواجهة الواحدة.
مهارات إدارة الواجهة
يحتل مدير المشروع منصبًا استثنائيًا لجهة العمل ضمن سلسلة ثلاثية المستويات تتمثل بتحمل المسؤولية صعودًا تجاه كبار المدراء أو راعي المشروع، وأفقيًا تجاه المدراء الوظيفيين، وتزولاً تجاه الأعضاء الفرديين في الفريق العامل على المشروع. فضلاً عن ذلك، قد يكون مدير المشروع مسؤولاً عن مجموعة من الاستشاريين وأصحاب السلطة المسؤولين جميعًا أمام مدراء مختلفين. وبالتالي، تتجلى الحاجة إلى مهارات محددة بدقة لإدارة الواجهة كجزء من مجهود القيادة الذي يقوم مدير المشروع به.
مهارات موازنة العوامل
تؤثر عوامل مختلفة في أداء الفريق من شأن أهميتها النسبية أن تتغير مع مرور الوقت.
وفيما يتعلق بصنع القرار وحل المشاكل، ينبغي أن يكون مدير المشروع قادرًا على موازنة الثقل النسبي للعوامل المختلفة بغية الإفساح في المجال أمام صنع القرار الصائب.
8. قيادة دورة الحياة
تُعتبر إدارة المشاريع فريدةً نوعًا ما لجهة تفاوت متطلبات القيادة مع مرور الوقت.
أولاً، يتم تشكيل الفرق العاملة على المشاريع بصورة خاصة للعمل على مشروع محدد، ويستمر الفريق حتى إنجاز المشروع فقط. ولا شك في أن المصطلح “مشروع” قد يشمل مراحل عدة من دورة الحياة تمتد بين البدء بالمشروع وإعادة التدوير ضمنًا (أنظر وحدة ٢.٥.٢). لكن أعضاء الفريق العامل على المشروع يعملون بمعظمهم كجزء من فريق لمدة زمنية قصيرة نسبيًا، ولن يتسنى لمدير المشروع الكثير من الوقت لاكتساب المعرفة الكافية بالمشروع والفريق كي يكون قادرًا على قيادته.
ثانيًا، تُعنى إدارة المشاريع بشكل رئيس بدورة حياة المشروع الكاملة وليس بالمراحل الفردية فقط (كالتصميم أو التنفيذ). ولا بدّ لأداء الفريق العامل على المشروع من أن يتغير ليلبي الاحتياجات والتحديات المختلفة المرتبطة بالبيئة والمتطلبات الخاصة بالمشروع في كل مرحلة من دورة الحياة. وبالتالي، ينبغي أن يكون مدير المشروع قادرًا على تطبيق مجموعة من مهارات القيادة وأساليبها، واختيار تطبيق الملائمة منها للظروف الخاصة في خلال تقدم المشروع.
والجدير بالذكر أن مفهوم قيادة دورة الحياة ليس مفهومًا مشتركاً بين تطبيقات القيادة كافة. فلا يبدو مناسبًا إلا عندما يكون شخص واحد فقط معنيًا بقيادة فريق أو أكثر على مر دورة حياة المشروع الكاملة علمًا بأن أشكال الإدارة تركّز بمعظمها على عدد ضئيل نسبيًا من المراحل المحددة.
وتفترض الأبحاث ضرورة أن تتغير القيادة في أي مؤسسة بحسب أقدمية المستخدمين. فكلما كانت أعوام توظيف المؤسسة للمستخدمين أطول، اكتسب هؤلاء مزيدًا من الخبرة المناسبة، مما يبرر تغيّر متطلبات القيادة بالنسبة إليهم، وتحديدًا ما يطلبونه من قادتهم.
جدول مراحل قيادة الفريق العامل على المشروع
وبوجه عام، يمكن البحث في قيادة دورة الحياة بحسب ارتباطها بمراحل التطوير المحددة. وتتمثل إحدى العلاقات المحتملة بتلك المتجسدة في القيادة الموجّهة نحو المهام كما نحو الأشخاص. فالقيادة الموجّهة نحو المهام ترتبط بالمهام نفسها، بما فيها الآليات الفعلية للمسار في حين أن السلوك الموجّه نحو الأشخاص يرتبط بقيادة أعضاء الفريق الفرديين وكيفية عملهم كجزء من هذا الفريق. وإذا كان يُنظر إلى دورة حياة الفريق على أنها تنطوي على أربع مراحل، فلا بد من أن تكون خصائص كل مرحلة كما هو محدد في جدول 2.2.
المرحلة | الخصائص | المهمة | الأشخاص | المفعول |
1 | البدء | مرتفع | متدنِ | تبليغ |
2 | التطوير | مرتفع | مرتفع | الإقناع |
3 | تحقيق الاستقرار | متدنِ | مرتفع | المساهمة |
4 | الأقدمية | متدنِ | متدنِ | التفويض |
المرحلة الأولى
تتميّز المرحلة 1 بمستوى مرتفع من القيادة المرتبطة بالمهام ومستوى متدنِ من القيادة المرتبطة بالأشخاص. وفي هذا المجال، تكون نشاطات المستخدمين موجّهة بشدة نحو المهام فيما تكون العلاقة ضعيفة بين المستخدمين والإدارة. وهذه هي في الواقع الظروف النموذجية التي يدخل فيها المستخدمون إحدى المؤسسات. ويكمن المثل الأبرز عن هذه الفكرة في انضمام مجنّدين أغرار إلى معسكر للتجنيد حيث يكون الضباط غير المفوّضين بأي مهمة سوى مسؤولية التدريب معنيين فقط بتحويل مجموعة جديدة من المجنّدين إلى الجبهات الأمامية. وهم يعلمون أن المجنّدين يفتقرون إلى الخبرة وبالتالي لا يقومون بأي محاولة لبناء علاقات معهم. فضلاً عن ذلك، ينحصر اهتمام هؤلاء الضباط بالمحصلة، ولا يهتمون على الإطلاق بطموحات المجندين أو رغباتهم. وفي أغلبية الحالات، يكون السلوك الذي يحكم العلاقة غير ملائم بفعل تفشي الارتباك بين صفوف المجنّدين.
المرحلة الثانية
أما المرحلة 2، فتتميز بمستوى مرتفع من القيادة الموجّهة نحو المهام والأشخاص على حد سواء. وغالبًا ما تكون هذه المرحلة الثانية من تطوير فريق دورة الحياة، وبما أن النظام لم يتطور بعد بما فيه الكفاية ليصبح ذاتي الإدارة، تبقى الحاجة إلى القيادة القوية للمهام قائمة. وفي هذا الإطار، يستمر التشديد على المحصلة والإنتاجية. إنما عندما تبدأ العلاقة بين المدير والمرؤوسين بالتطور، يتنامى مستوى الثقة والتفاهم بين المستويات المختلفة في هيكلية النفوذ. وبالرغم من هذه المستويات المتنامية من الثقة والتفاهم، ولا سيما بين المدراء والمرؤوسين، إلا أن المستخدمين لم يبلغوا بعد الأقدمية الكافية لتبرير عدم الإشراف على أعمالهم.
المرحلة الثالثة
تتميز المرحلة 3 بمستوى متدنِ من القيادة الموجّهة نحو المهام ومستوى مرتفع من القيادة الموجّهة نحو الأشخاص. ويتمثل هذا القطاع بمرحلة من دورة حياة القيادة حيث يكون الفريق قد حقق الاستقرار والمحصلة قد باتت مضمونة. وفي ظل هذه الظروف، تكون الغايات والأهداف المباشرة للمؤسسة قد أنجزت. ويمكن للمدير أن ينتقل إلى البحث في العوامل التحفيزية من المستوى الأعلى (أنظر هرمية ماسلو Maslow للاحتياجات وحدة 6). وفي بعض الحالات، يشمل ذلك الانتقال من الغايات الموجّهة نحو المهام إلى الغايات الشخصية مثل تطوير الثقة والتفاهم لدى الأعضاء الآخرين في الفريق العامل على المشروع. وتكمن ميزة هذا القطاع في اكتساب الأعضاء الثقة والموثوقية بمحصلة الفريق وأدائه بحيث لا يحتاجون بعد ذلك إلى الإدارة الموجهة نحو المهام.
المرحلة الرابعة
تتميز المرحلة 4 بمستوى متدنِ من القيادة الموجّهة نحو المهام والأشخاص على حد سواء. ومن الناحية النظرية، إذا كان الفريق يملك الوقت الكافي، فلا بدّ له من أن يتطور في النهاية بحيث يصبح بالإمكان أن “يُترك بمفرده” ليدير المشروع. وإذا استمر هذا الفريق لمدة كافية، فلا بدّ من أن يعمل أعضاؤه على تطوير مثل هذه المهارات التشغيلية بحيث لا يكونون بحاجة إلى القيادة المرتبطة بالمهام أو تلقي التعليمات من الإدارة. كما لا يكونون بحاجة إلى الإدارة أو القيادة المبنية على العلاقة بالأشخاص. وعند هذا المستوى، يمكن للفريق أن يشتغل من دون القيادة أو الإدارة المباشرتين. ويكمن المثل الأبرز عن هذه الفكرة في جوقة موسيقية تعزف السيمفونيات. فقد يتم استبعاد قائد الجوقة فجأة من دون أن يُحدث ذلك أي فارق في فاعلية الفريق المباشرة ومقدرته التشغيلية.
أضف إلى ذلك أن الانتقال من عملية مبنية على مستوى متدنِ من العلاقات ومستوى مرتفع من المهام إلى أخرى مبنية على مستوى متدنِ من المهام والعلاقات على حد سواء يشكل ميزة لتطور أي فريق عامل على مشروع. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه يتعذّر على الفرق كافة بلوغ المرحلة الأخيرة. فبعض الفرق يعلق عند مستوى وسطي. لكن واقع تقدم الفريق عبر هذه المراحل القابلة للتحديد يعني ضمنًا أن أسلوب القيادة الملائم سيتغير حتمًا هو أيضًا.
لا بدّ لمعظم الأشخاص الذين عملوا في فرق من أن يمروا بهذه المراحل الأساسية. فتجسّد المرحلة 1 ما يشكل فعليًا مسار الأوامر. وفي هذه المرحلة، يكتفي مدير المشروع بتبليغ أعضاء الفريق بما ينبغي عمله. وفي المرحلة 2، تتحول مهمة مدير المشروع من تبليغهم إلى إقناعهم. أما في المرحلة 3، فيسمح مدير المشروع للفريق بالمشاركة. وفي المرحلة 4 يفوّض الضبط فعليًا إلى أعضاء آخرين في الفريق، فيترك لهم مسؤولية الاستمرار في المهمة.
دراسة حالة
مثال عن قيادة دورة الحياة: اعتبارات العلاقات والمهام
في معظم المشاريع، تتغير متطلبات القيادة بمرور الوقت. ولعل الأسلوب القيادي الأمثل في خلال المراحل الأولى من المشروع قد لا يعود ملائمًا في المراحل المتأخرة منه. أما العاملان الأكثر أهمية لجهة تحديد أسلوب القيادة فيما يتعلق بدورة الحياة، فيتمثلان بالمهام والعلاقات.
لا شك في أن الغرباء الذين لم يلعبوا كرة القدم من قبل لا يملكون أدنى فكرة عن كيفية التصرف كفريق كرة قدم (العلاقة). أو كيفية الفوز في المباراة (المهمة). وبالتالي، ينبغي أن يعمل قائد الفريق أو مدير المشروع ضمن صيغة المستوى المرتفع من المهام والمستوى المتدني من العلاقات. فينهمك على وجه الخصوص بإعطاء الأوامر والتوضيحات كي يوفّر للمجموعة الفهم الأساسي لقواعد اللعبة.
ومع تطور المعرفة الأساسية باللعبة، تبدأ المجموعة بالاسترخاء بعض الشيء كما تبدأ العلاقات بالتطور في الفريق. ويترافق تطور المهارات والتفاهم مع تغيّر الفريق، فلا يعود القائد بحاجة إلى توفير أي مدخلات هامة إلى المهام باعتبار أن كل شخص يفهم المطلوب منه بدقة. وفي لحظة معيّنة، لا بدّ للفريق من أن يعمل بأكبر قدر ممكن من الفعالية وبحد أدنى من المدخلات التي يقدمها قائد الفريق.
اقرأ أيضًا:
الوحدة الأولى من كتاب إدارة المشاريع: إدارة المشاريع وهيكلياتها وخصائصها وفوائدها وتاريخها
الأسئلة
- هل تتطور كل الفرق العاملة على المشاريع بالمعدل نفسه؟
- لماذا يتطور بعض فرق كرة القدم بطريقة أفضل وأسرع من فرق أخرى؟
- ما مدى أهمية قائد الفريق؟
المصدر
- الوحدة الثانية من كتاب إدارة المشاريع. تأليف الأستاذ ألكسندر روبرتس والدكتور وليام والاس. جامعة هيريوت وات. كلية إدارة الأعمال. إدنبرة، إسكتلندا، المملكة المتحدة.
- موسوعة إدارة المشاريع. مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات.