دعوة لاستكشاف أسرار اللغة العربية !

دعوة لاستكشاف أسرار اللغة العربية !

بقلم: مصطفى عبيد

21 فبراير/ شباط، 2007

اليوم العالمي للّغة الأم

لا أدري ما الذي لم يقال أو يُكتب حتى الآن على صعيد ما يسمى بالاستعمار الفكري والثقافي الذي سيطر على الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، ومهما يكن الذي قيل وكتب في هذا الأمر فإنه سيظل قاصراً عن وصف الواقع الحقيقي والمرير الذي تحياه الأمة العربية في هذا الخصوص وعلى جميع الأصعدة، وإن أردنا الحديث بشكل موضوعي في هذا الأمر فإنه يجب أن نتوقف قليلاً عند موضوع اللغة العربية تحديداً، وما يمكن أن تشكّله من محور أساسي في هذا الاستعمار المتغلغل في كيانات الدول العربية بشكل سلمي وطوعي في آن معاً، بل أنه يكاد أن يكون مطلباً حيوياً لبعض الدول قد يصل إلى حد الإستجداء أحياناً وبشكل يصعب تصديقه.


وإذا أمعنّا النظر ببعض جوانب الحياة اليومية العربية سواء على الصعيد العلمي الأكاديمي أو حتى العملي المهني وصولاً إلى الحياة الاجتماعية التي يحياها الفرد، فسوف نجد الكثير من المؤشرات التي تدل على نمو عملية إحلال اللغة الأجنبية محل العربية في الكثير من المواضع، وقد بدأت هذه العملية الاستعمارية للّغة بداية في الأوساط الجامعية، بحجة أن العلم لا يمكن ترجمته حرفياً وأن الأفضل أن يتم تعليمه باللغة الأجنبية التي تم استيراده منها، لكن هذه العملية لم تقف عند حد التعلم فقط بل امتدت لتطال الحياة المهنية أيضاً وفي جميع المجالات، وفي الوقت الذي يشترط للمتقدم لأي وظيفة أن يجيد اللغة الأجنبية مثلاً قراءة وكتابة ومحادثة، إلاّ أنه قد لا يكون من الضروري، أو حتى من المهم، أن يجيد لغته العربية الأم، وكأننا نسير باتجاه أن نكون امتداداً وذيولاً لا شأن لها لأصحاب تلك اللغات الأجنبية ومجرد أدوات تساهم في زرع ثقافتهم وأسلوبهم في الحياة في أوطاننا، وكأنها بدون مبالغة عملية تكريس لجهل وتبعية العرب.


إن مسألة إجادة اللغة الأم والتمكن منها بشكل مثالي مرتبط بشكل وثيق بشخصية الفرد ومدى فهمه وانتماءه لعالمه المتحدث بتلك اللغة، وهي المقياس الأساسي الذي يمكن من خلاله قياس مدى الاستفادة من هذا الفرد وتحويل كل طاقاته الفكرية لتصبح شيئاً ملموساً يمكن الاستفادة منها، بحيث يجعل من عطاءه هذا وسيلة لاستمرار الروابط بين الأجيال المتعاقبة بالشكل الأمثل وبدون أجحاف بحق اللغة أو بحق من سيأتي من الأجيال اللاحقة، باعتبار أن اللغة هي الأساس المتين الذي تستند عليه الأمم في تطورها أو حتى بقاءها واستمرارها. واللغة الأم في حياة الفرد يفترض أن تكون أفضل وسيلة له للتعبير عن مخزونه الفكري وطاقاته الإبداعية، ومهما تعلمنا من لغات أجنبية أخرى أو حتى أتقناها، فإنه يفترض بنا أن نستغلها بهدف التعلم وهضم كل ما من شأنه أن يساعدنا في الاستفادة من العلوم المكتوبة بها، وغالباً نحن لن نستطيع التعبير عن ما نحمل من أفكار بتلك اللغات مثلما نعبر بلغتنا العربية، كما أن التعبير عن الأفكار باللغة الأجنبية هو أمراً يساهم في أن نبتعد عن أنفسنا وشخصيتنا الحقيقية ويفقدنا الكثير من الأشياء التي يصعب الحفاظ عليها بدون اللغة الأم، وأهم من كل ذلك أنه سيجعل من كافة أعمالنا مجرد حالة تقليد أعمى منقوص لما تعلمناه باللغة الأجنبية وسنفقد الطابع الإبداعي الخاص بنا والذي لا يتفجر إلاّ باستخدام لغتنا الأم المختزنة في أماكن عميقة من الذاكرة.


وأكثر ما يمكن أن أقوله هنا، من خلال تجربتي الشخصية، هو شعوري بالفخر والاعتزاز عندما أقرأ وأتأمل في ما يسمى بالخوارزميات التي تستخدم في علوم الرياضيات والحاسوب، فبالرغم من قرائتي لها في الكتب الأجنبية وقناعتي بأنها موضحة بشكل أفضل في تلك الكتب، إلاّ أنني أشعر بأنها دوماً أحد أهم إنجازات العقلية العربية (الإسلامية) ومثالاً مهماً للتفوق العربي الذي ساد لعقود طويلة مضت وأسس له علماء كبار من العرب (المسلمين) من أمثال الخوارزمي.

إن إتقان اللغة الأجنبية شيئاً جيداً إذا ما كان الهدف منه المساهمة في الاستفادة من العلوم والفكر الإنساني بكافة أطيافه، لكن بالمقابل، لا يمكن الاعتماد عليها في إنتاج أفكارنا الخاصة وأبحاثنا، وحتى إبداعاتنا، وتسيير شئوننا المهنية لتصبح بطابع غربي منقوص يفقدنا شخصيتنا العربية التي تعتبر اللغة أحد أهم مقوماتها، تلك اللغة التي نزل بها القرآن الكريم لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى، وباعتقادي أن لتلك الحكمة علاقة وثيقة بطريقة تفكير الفرد، الأمر الذي يجعلني أدعو مراكز الأبحاث المتخصصة لإعداد المزيد من الأبحاث حول هذا الأمر، وأنا على يقين أنه سنكتشف من الأسرار ما يجلعنا نعود للاهتمام بلغتنا العربية ونحن أكثر قناعة بأهميتها وضرورتها كأحد أهم أسباب الحفاظ على هويتنا وهوية أجيالنا القادمة.

error:
Scroll to Top