المحتويات
مفهوم قياس الخطر
تُعتبر أدوات القياس في معظم العلوم – وخاصة الإنسانية منها – أساسًا ضروريًا للاستفادة منها. وبالرغم من أن أدوات القياس في التأمين ظهرت وتبلورت ورسخت منذ زمن طويل مما مكّن من الاستفادة منه عمليًا حتى قبل أن تتبلور طريقته العلمية، إلا أن الجزء المكمل له – وهو الخطر – لم يحظَ باهتمام كافي سواء من الناحية النظرية أو من ناحية أدوات القياس حتى عهد قريب. وسوف نستعرض في هذا الفصل أدوات القياس التي يمكن استعمالها في جميع المسميات العلمية التي وردت في الفصل الأول والمتعلقة بالخطر ومشتقاته، أو ما يُطلق عليه قياس الخطر (بالإنجليزية: Measurement of Risk) ودرجة الخطر وتكلفة الخطر واحتمالات الخطر وتوقع الخسارة وغيرها من المسائل المرتبطة بها.
درجة الخطر
تختلف درجة الخطر (بالإنجليزية: Degree of Risk) بالنسبة لقرار معين وظاهرة معينة من حالة لأخرى ومن شخص لآخر.
ومن الواضح لأول وهلة أنه ليس هناك مقاييس مادية ملموسة لقياس درجة الخطورة التي هي درجة عدم التأكد أو درجة الشك، حيث أنها تحتاج إلى مقاييس معنوية بحتة مشابهة للخطر نفسه. فالشخص عندما يقتنع بقرار معين ويقرر اتخاذه إنما يكون ذلك بناء على حالة نفسية معينة وشعور معين بأن درجة الخطورة أقل ما يمكن بالنسبة لقراره هذا والعكس صحيح. وعلى ذلك فإن مقياس درجة الخطورة يجب أن يكون معنويًا بحتًا، تمامًا كمقياس المنفعة ودرجاتها بالنسبة للسلع والخدمات التي يقرر الشخص شراءها أو استئجارها وتكون الفائدة الأولى والأخيرة لمعرفة درجة الخطورة معنويًا هي الحالة النفسية التي تقوم بتكوينها لدى الشخص لكي يتخذ قراره في ناحية موجبة أو أخرى سالبة.
ومما سبق يتضح أن مقياس درجة الخطورة ما هو إلا مقياس معنوي عام لما للظواهر الطبيعية التي تحيط بالأشخاص من تأثير على القرارات التي يتخذها هؤلاء الأشخاص، وهذا المقياس في عموميته لا ينزل إلى المستوى المادي ولا إلى مستوى العدد أو النسبة الثابتة، بل يعطي فكرة عامة تؤثر في نفس الشخص الذي في سبيل اتخاذ قرار معين بالنسبة لقراره هو بالذات.
وبالرغم من هذه الخصوصية من جهة والمعنوية من جهة أخرى، فإن لدرجة الخطورة كمقياس فائدة لا يمكن غض النظر عنها.
مثال توضيح درجة الخطر
فمن المعلوم أن درجة خطورة الأمطار في مصر أقل بكثير من مثيلتها في السودان، ومن المعلوم أيضًا أن درجة خطورة الأمطار صيفًا مصر في أقل بكثير منها شتاءً، ويترتب على ذلك أن الشخص الذي يريد أن يتخذ قرارًا معينًا يتأثر بالمطر سوف يأخذ في الحسبان هذه الدرجات المختلفة من الخطورة والتي تكون لديه حالة معنوية تؤثر في اتخاذ القرار من عدمه.
وحساب درجة الخطر حسابًا كميًا ليس ممكنًا إلا إذا وُجدت مقاييس معنوية تشابه مقاييس المنفعة التي فكر فيها علماء الاقتصاد الرياضيون وأطلقوا عليها وحدات المنفعة.
وقد بُذلت محاولات عدة لقياس درجة الخطورة هي الأخرى، إلا أن النتيجة النهائية التي وصل إليها البعض هي تحديد حدود عليا ودنيا لدرجات الخطر، والتي أمكن على ضوئها ترتيب الأخطار بالنسبة للشخص أو الجماعة أو الهيئة في سلم تصاعدي أو تنازلي حسب الحاجة التي تستدعي هذا الترتيب.
فعندما يكون الفرد متأكدًا من عدم وجود الظاهرة الطبيعية، فإن درجة عدم التأكد أو الشك التي تكون له به – وهي درجة الخطر – تصل إلى الصفر، ذلك مثال حالة مكان صحراوي لا تنزل به الأمطار صيفًا فيكون فيه الفرد مطمئنًا من ناحية هذه الظاهرة بالذات، وتكون درجة خطر القرار لديه صفرًا في شهور عدم نزول الأمطار. كذلك الحال بالنسبة لنفس ظاهرة المطر بالنسبة لشهور الأمطار في أعالي جبال الحبشة. فإن درجة الخطر تصل إلى الصفر، إذ أن عدم التأكد يحل محله التأكد من نزول المطر.
وجدير بالذكر أنه في الحالتين السابقتين لا توجد ظاهرة الخطر، إذ أن الشخص يكون متأكدًا من عدم وجود الظاهرة الطبيعية أو متأكدًا من وجودها وليس لديه أدنى شك في ذلك. وعلى ذلك تتراوح درجة الخطر بين ما بعد الصفر مباشرة إلى ما أقل من الواحد الصحيح مباشرة، إلا أنها تكون في أقصاها عندما تكون درجة عدم التأكد من إيجابية الظاهرة الطبيعية مساوية لدرجة عدم التأكد من سلبيتها.
تعريف درجة الخطر
مما سبق يمكن تعريف درجة الخطر كالآتي:
درجة الخطر مقياس معنوي للحالة النفسية التي يكون عليها الأشخاص عند اتخاذهم للقرارات بالنسبة لعدم تأكدهم من ناتجها.
وينعدم الخطر عندما تصل درجة تحقق الظاهرة الطبيعية إلى الصفر أو إلى الواحد الصحيح.
وتزداد درجة الخطر حتى تصل إلى أقصاها عندما يعتقد الشخص في تساوي فرصتي تحقق الظاهرة الطبيعية المسببة للخطر وعدم نحققها.
تكلفة الخطر
تنحصر تكلفة الخطر في عنصرين هامين هما:
الخسارة غير المتوقعة عندما تتحقق ماديًا من ناحية. وعدم التأكد في حد ذاته حتى ولو لم تتحقق أية خسارة من ناحية أخرى.
تكلفة الخسارة غير المتوقعة
يعرف معظم رجال الإدارة النتائج السيئة التي تترتب على الحرائق التي تصيب محالهم التجارية والصناعية أو الفيضانات التي تجتاح مزارعهم وما إلى ذلك من أخطار مشابهة، سواء كانت تلك النتائج مترتبة على ضياع رؤوس أموالهم أو دخولهم أو أسواقهم. كذلك الحال بالنسبة إلى الأخطار الأخرى التي تظهر في صورة وفاة العائل بالنسبة للأسرة أو عجزه عن العمل أو بطالته مما يترتب عليه انقطاع الدخل.
كل هذه تعتبر خسارة غير متوقعة (بالإنجليزية: Unexpected Losses) سواء بالنسبة للوحدة الاقتصادية أو العائلة أو الفرد.
وتعتبر هذه الخيارات غير المتوقعة عنصرًا محددًا من عناصر تكلفة الخطر.
تكلفة عدم التأكد
تظهر تكلفة عدم التأكد (بالإنجليزية: Cost of Uncertainty) في حد ذاته من الميل إلى تخفيض الإشباع المرتبط بحالة اقتصادية بذاتها. ويظهر هذا التخفيض في الإشباع نتيجة نقص المنفعة الحدية للسلعة أو المنفعة الاقتصادية المتعامل منها من ناحية، ونتيجة المغالاة في تقدير احتمال الخسارة من ناحية ثانية، ونتيجة للخوف والقلق من ناحية أخيرة.
احتمال الخسارة
سبق أن بيّنا أن مجرد وجود الظواهر الطبيعية التي تسبب وجود الخطر في حياة الأفراد يخلق مجرد حالة نفسية أو معنوية تؤثر في القرارات التي يتخذها هؤلاء الأفراد، وقد وجدنا مقياسًا معنويًا هو الآخر لقياس درجة الخطر. وسبق أن بيّنا أيضًا أن تحقق الظاهرة الطبيعية – وهو ما يسمى بالحادث – هو الذي يؤثر ماديًا على الأفراد بشرط أن تلحق بهم من جراء ذلك خسارة مادية. واحتمال حدوث الحادث وما يترتب عليه من وقوع الخسارة هو مقياس مادي يفيد في تقدير فرص الخسارة المنتظرة أو احتمال الخسارة (بالإنجليزية: Probability of Loss).
وتنقسم الاحتمالات هذه إلى مجموعتين مختلفتين من حيث طريقة حساب كل منهما، وهي كما يلي:
الاحتمالات الحسابية
المجموعة الأولى ويُطلق عليها الاحتمالات الحسابية، وهي تلك التي تُحسب على أساس طرق رياضية ثابتة لا تتغير قيمتها من وقت لآخر أو من حالة لأخرى. مثال ذلك احتمالات الكسب في ألعاب المقامرة التي يُستعمل فيها أوراق اللعب أو زهرة النرد أو قطع النقود أو الكرات الملونة.
الاحتمالات التجريبية
أما المجموعة الثانية فُيطلق عليها الاحتمالات التجريبية وهي تلك التي تُحسب على أساس طرق رياضية تعتمد على تجارب ومشاهدات تكون قد حدثت في الماضي ولكنها تتغير من وقت لآخر ومن حالة لأخرى مما يترتب عليه تغيير قيمة الاحتمال. مثال ذلك احتمالات الحياة والوفاة والمرض والعجز والحريق والغرق والسرقة وتصادم السيارات، وما إلى ذلك من احتمالات تجريبية هي أصلا مجال دراسة الخطر والتأمين.
وتنقسم الاحتمالات التجريبية إلى نوعين من حيث الزمن الذي تُحسب فيه بالنسبة لتحقق الحادث وحدوث الخسارة. والنوع الأول يُطلق عليه الاحتمال التقديري أو المتوقع (بالإنجليزية: Expeeted probability)، وهو الذي يُحسب مقدمًا. أما الثاني فيُطلق عليه الاحتمال الفعلي أو المُحقَق (بالإنجليزية: Realized probability)، وهو الذي يُحسب في نهاية المدة وبعد المشاهدة الفعلية للحادث – ضمن مجموعة الحوادث المشابهة له – وما تحقق وما لم يتحقق خلال المدة موضوع الملاحظة.
ويهتم الرياضيون اهتمامًا خاصًا بتوخي الدقة التامة في حساب الاحتمال التجريبي المتوقع لكي يكون أقرب ما يكون في قيمته من الاحتمال المُحقق، وخاصة بالنسبة للحسابات الاكتوارية التي يقوم عليها حساب أقساط التأمينات المختلفة في هيئات التأمين. ولذلك يقوم الخبراء الاكتواريون بحساب الاحتمالات المتوقعة على أساس تجارب عديدة ومشاهدات كثيرة العدد لكي يحققوا ظاهرة أو قانون الأعداد الكبيرة، (بالإنجليزية: Law of Large Numbers). وقد كان أول من نادى باستعمال هذا القانون الرياضي العالم الفرنسي بواسون Poisson في عام 1830 في حساب الاحتمالات التجريبية التقديرية.
قانون الأعداد الكبيرة
وينص قانون الأعداد الكبيرة في أسهل معانيه على أنه كلما زاد عدد الوحدات التي يجري عليها التجربة كلما آلت نسبة الاحتمال المتوقع إلى الاحتمال المحقق لهذه التجربة إلى الواحد الصحيح، بمعنى أن الاحتمال المتوقع مساويًا أو قريبًا من الاحتمال المحقق، ويترتب على ذلك أن أقساط التأمين التي يحسبها الاكتواربون مقدمًا عادلة بالنسبة للشخص الذي يدفع القسط مقدمًا لشركة التأمين، وكافية بالنسبة للشركة التي تجمع الأقساط من الأشخاص المستأمنين لكي تدفع لهم التعويضات المطلوبة عند تحقق الخطر.
علاقة درجة الخطر باحتمال الخسارة
يتضح من التعاريف السابقة الواردة في الفصل الأول وجود علاقات قوية بين الخطر ودرجة الخطر ومسببات الخطر والحادث والخسارة واحتمال الخسارة. بل يمكن القول بأن هناك تسلسلا تامًا وعلاقات سببية طردية بين الخطر ومسبباته والحادث والخسارة يسهل استنتاجها بدون عناء.
أما علاقة درجة الخطر باحتمال حدوث الحادث أو احتمال الخسارة فهي ذات طابع ونفع خاصين، خاصة وأن الأخيرين معايير قياسية ويفيد كل منهما في توضيح معنى وأهمية الخطر ودرجته. وللوصول إلى العلاقة بين درجة الخطر واحتمال الخسارة نفترض حالة عقار معرض لظاهرة الحريق، وأن هناك شخصًا يريد استثمار أمواله وعلى وشك أن يتخذ قرارًا بشأن شراء مثل هذا العقار. لا شك أن قراره هذا يرتبط تمام الارتباط بدرجة الخطر أو درجة الخوف أو درجة عدم التأكيد التي تلازمه من جراء وقوع العقار تحت طائلة ظاهرة الحريق. فإذا أكد له الخبراء أن احتمال حدوث الحريق في المستقبل يساوي صفرًا – أي أن حادث حريق لن يحدث ولن يصيب العقار بخسارة أيًا كان نوعها – فإن درجة الخطورة المتعلقة بقراره سوف تنخفض هي الأخرى إلى الصفر، حيث أنه يكون في موضع التأكد من عدم وقوع الحادث، ثم يُقبل على شراء العقار بدون تردد.
وهذا يعني أن درجة الخطورة تساوي صفرًا عندما يكون احتمال حدوث الحادث المقدر ومن ثم احتمال الخسارة يساوي صفرًا أيضًا.
أما إذا أكّد الخبراء للمستثمر أن احتمال حدوث الحريق في المستقبل يساوي الواحد الصحيح، أي المائة في المائة – أي أن حادث الحريق لا بد وأن يتحقق ويصيب العقار بخسارة تامة – فإن درجة الخطورة أو الخوف المتعلقة بقراره سوف تنخفض إلى الصفر، حيث أنه يكون في موضع التأكد من وقوع حادث الحريق، ما يترتب عليه أنه يمتنع عن شراء العقار. وهذا يعني أن درجة الخطورة تساوي صفرًا عندما يكون احتمال حدوث الحادث ومن ثم احتمال الخسارة يساوي الواحد الصحيح.
درجة خطورة القرار الاستثماري
وبالطبع يزداد خوف المستثمر – بمعنى أن ترتفع لديه درجة خطورة قراره بالنسبة لاستثمار أمواله في العقار – كلما تبين له أن احتمال حدوث حادث الحريق يزيد عن الصفر، بمعنى أن تصبح العلاقة طردية بين الاثنين. ويصل خوف أو شك المستثمر إلى أقصاه – بمعنى أن ترتفع لديه درجة خطورة قراره إلى مائة في المائة – عندما يصل احتمال الحريق إلى النصف أي خمسين في المائة، إذ أن هذا الاحتمال لا يعطيه فرصة تغلب حالة بقاء العقار في المستقبل بدون حريق عن حالة احتراقه. وإذ أنه يعطى درجة لا نهائية من عدم المعرفة. وهذا يعني أن درجة الخطورة أو الشك تكون في أقصاها – أي مائة في المائة – عندما تصل درجة احتمال حدوث الحادث إلى النصف أي خمسين في المائة.
ويقل خوف المستمر – بمعنى أن تنقص لديه درجة خطورة قراره – كلما تبين له أن احتمال حدوث حادث الحريق يزيد عن النصف فتصبح العلاقة عكسية، ذلك لأنه يسهل عليه اتخاذ قرار بعدم استثمار أمواله في العقار المعرض للحريق بدرجة مرتفعة.
والشكل التالي يوضح العلاقة بين درجة الخطر واحتمال حدوث الحادث الذي يترتب عليه خسارة:
بدراسة الشكل أعلاه تتضح الحقائق الآتية:
احتمال حدوث الحادث
- عدم وجود الخطر عندما يكون احتمال حدوث الحادث الذي يؤدي إلى خسارة صفر في المائة ومائة في المائة، وذلك لأن درجة الخطورة تميل إلى الصفر في الحالتين، بمعنى أن يحل التأكد محل عدم التأكد. وبالرغم من هذا التشابه في القياس إلا أن القرارات تكون عكسية في الحالتين. ففي حالة ما إذا كان احتمال حدوث الحادث يساوي صفرًا ودرجة الخطورة هي الأخرى تساوي صفرًا فإن صاحب القرار يكون متأكدًا من سلامته وعلى ذلك يُقدِم عليه بدون خوف. أما إذا كان احتمال حدوث الحادث يساوي الواحد الصحيح – أي مائة في المائة – فإن درجة الخطورة تساوي صفرًا ويصبح صاحب القرار متأكدًا من حدوث الحادث الذي يؤدي إلى خسارة إذا ما قرر تنفيذ القرار، فيكون عليه الامتناع عن القرار نهائيًا.
- يصل الخطر إلى أقصى درجاته عندما يكون احتمال حدوث الحادث خمسين في المائة. وهنا يصعب على الشخص اتخاذ قرار أمثل لعدم وجود أية معلومات، وبالرغم من أهمية هذه الحقيقة، إلا أن مثل هذه الحالة صورية أكثر منها فعلية، إذ أن هناك من العوامل المساعدة التي تغلب اتخاذ القرار بالإيجاب أو بالسلب عن طريق كون الاحتمال أقل بقليل عن النصف أو أكثر بقليل عنه. والاحتمال على صورته هذه – أي خمسين في المائة – يخدم أكثر ما يخدم كحد فاصل بين قطاع القرارات الموجبة وقطاع القرارات السالبة.
احتمال الخطر
- يكون الخطر محتملا إذا ما وقع في قطاع القرارات الموجبة، وهذا يؤدي بدوره إلى إقدام الشخص على اتخاذ القرار حيث أن احتمال حدوث الحادث الذي يؤدي إلى خسارة أقل من خمسين في المائة، وكلما قل الاحتمال كلما أدى ذلك إلى انخفاض درجة الخطر ما يؤدي بدوره إلى سرعة اتخاذ القرار لقلة التكلفة أو الخسارة التي تنتج عن ذلك أو للسيبين معًا.
- ويكون الخطر غير محتمل إذا ما وقع في قطاع القرارات السالبة، مما يؤدي إلى عدم إقدام الشخص على اتخاذ القرار، حيث أن احتمال حدوث الحادث الذي يؤدي إلى خسارة يكون أكبر من خمسين في المائة، وكلما زاد الاحتمال كلما أدى ذلك إلى ارتفاع درجة الخطر ما يؤدي بدوره إلى سرعة رفض القرار خوفًا من التكلفة الباهظة أو الخسارة التي تنتج عن ذلك أو السببين معًا.
ملاحظة
وبالرغم من هذه الحقائق فإن كثيرًا ما يوجد الشخص الذي يُقبل على اتخاذ القرار بالإيجاب بالرغم من أن احتمال حدوث الحادث أكبر من خمسين في المائة وذلك طمعًا في ربح وفير واعتمادًا على الاتجاهات العكسية، يحدث ذلك عندما يقامر شخص على حصان يعرف الجميع أنه يخسر السباق دائمًا، وأن احتمال فشله كبير، ولكن الشخص يطمع في أن يكون أحد القلائل الذين يقامرون عليه وربما يكسب الحصان السباق ولو مرة واحدة بكون مكسبه وفيرًا، كما يحدث أن يستثمر شخص أمواله في استثمارات يعرف مقدمًا أن احتمال ضياع رأس المال فيها كبير، ولكنه يطمع في ربح المخاطرة. وفي كلا المثالين يُقال أن متخذ القرار غير واع (بالإنجليزية: Irrational) أو مُخاطر (بالإنجليزية: Speculative) وليس هو متخذ القرار الأمثل بأي حال من الأحوال.
حجم الخسارة المتوقعة
إن احتمال حدوث الحادث السابق الإشارة إليه ليس هو العامل الوحيد في تحديد درجة الخطر، ولكنه العامل الأول ضمن عوامل أخرى تساعده. وحجم الخسارة المتوقعة (بالإنجليزية: Expected Loss) في حالة تحقق الحادث من أهم العوامل المساعدة التي يمكن قياسها كميًا. ويأتي بعدها في الترتيب عدة عوامل أخرى يصعب قياسها من ناحية، وتتميز بالثبات في جميع الحالات والأوقات من ناحية أخرى مثل الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي تحيط بالفرد وبموضوع الخطر، وتكوين الفرد وثقافته وطريقة تفكيره ومقدرته على تحمل الأعباء والإقدام على اتخاذ القرارات.
فمن الملاحظ أن القيمة المعرضة للخطر (بالإنجليزية: Amount at Stake or Risk)، أي رأس المال أو الدخل أو مبلغ الرهان، لا يمكن أن يتوقع الفرد أو المشروع ضياعه بالكامل مرة واحدة، ولكن الذي يحدث عادة هو أن تكون هذه القيمة معرضة للخطر بدرجات متفاوتة، وأن حجم الخسارة المتوقعة يبدأ من مبلغ ضئيل جدًا من رأس المال هذا وينتهي برأس المال كله. ولكن هناك بعض الظواهر الطبيعية التي يكون حجم الخسارة المتوقعة نتيجة تحققها أكبر من البعض الآخر، بالرغم من تشابه الحادث بل تطابقه، مما يترتب عليه تفاوت كبير في درجة خطورة من حالة إلى أخرى. فبالرغم من أن حادث الحريق الذي يصيب المبنى يكون متشابهًا في معظم حالات الحريق، إلا أن الحريق الذي ينشأ عن الاشتعال الظاهرة يختلف عن الحريق الذي ينشأ عن صاعقة ويختلف أيضا عن الحريق الذي ينشأ عن بركان. ذلك لأن الخسارة المتوقعة في الحالة الأولى تكون عادة أقل عن تلك التي تترتب على الحالتين الأخيرتين.
العوامل المؤثرة على حجم الخسارة المتوقعة
كذلك يختلف حجم الخسارة المتوقعة بالنسبة لنفس الظاهرة من مبنى إلى آخر باختلاف مكان المبنى واستعمالاته وعدد ساكنيه وما إلى ذلك من عوامل مختلفة. ومن الملاحظ أن معظم هذه العوامل تؤثر بالمثل في الاحتمال المتوقع لحدوث الحادث، وعلى ذلك فهي تؤثر على درجة الخطورة تأثيرًا مزدوجًا. فالمبنى الذي يُستعمل لتخزين مواد قابلة للاشتعال يكون احتمال الحريق المتوقع بالنسبة له مرتفعًا في نفس الوقت الذي يكون فيه حجم الخسارة المتوقعة كبيرة لدرجة أنها تصل إلى القيمة المعرضة للخطر بالكامل وهي قيمة المبني. وهذا يؤدي إلى ارتفاع درجة خطورة القرار المتخذ بشأنه – من ناحية ظاهرة الحريق – إذا ما قورن بمبنى مشابه ولكنه يستخدم لتخزين آلات وأدوات من الصلب مثلا.
وأخيرًا يُلاحظ أن حجم الخسارة المتوقعة يصل إلى أقصاه عندما يتوقع الفرد ضياع رأس المال بالكامل، ويصل إلى أدناه عندما يتوقع عدم ضياع أي جزء من رأس المال. وما يحدث في الحياة العملية أن حجم الخسارة المتوقعة بتبع توزيعًا تكراريًا ثابتًا بالنسبة لكل ظاهرة من الظواهر الطبيعية ما يساعد الرياضيين على التنبؤ بها مسبقًا. فإذا أمكن التنبؤ بالاحتمالات المقابلة لكل شريحة من شرائح الخسارة المتوقعة بالنسبة لنفس الظاهرة – وهذا ممكن طالما وُجدت الإحصاءات الكافية – فإنه يمكن عمل ما يُطلق عليه بالتوزيع الاحتمالي لخسائر كل ظاهرة من الظواهر على حدة.
مثال عملي على حجم الخسارة
فعلى سبيل المثال، وفي حال المنازل السكنية الموجودة في حي معين، والمعرضة لظاهرة الحريق، يمكن الحصول على احتمالات حدوث الحادث موزعة حسب حجم الخسارة المتوقعة. ويمكن الحصول على مثل تلك المعلومات بمعاونة الإحصائيات المجمّعة الخاصة بتكرار الحوادث وحجم الخسارة التي تمت في كل حادثة منها.
وعلى سبيل الفرض يمكن أن نحصل على البيانات التالية:
- احتمال حدوث حريق يترتب عليه خسارة المنزل بأكمله = 0.0001
- احتمال حدوث حريق يترتب عليه خسارة 70٪ من المنزل = 0.0002
- واحتمال حدوث حريق يترتب عليه خسارة 50% من المنزل = 0.0004
- احتمال حدوث حريق يترتب عليه خسارة 25% من المنزل = 0.0010
- احتمال حدوث حريق يترتب عليه خسارة 10٪ من المنزل = 0.0050
- واحتمال حدوث حريق يترتب عليه خسارة 5٪ من المنزل = 0.0200
- احتمال حدوث حريق يترتب عليه خسارة 10% من المنزل = 0.0500
وبالمثل يمكن عمل احتمالات لتحقق الظواهر الأخرى موزعة حسب الخسارة المتوقعة في كل حالة على حدة.
ويترتب على ذلك وجود بيانات كافية لحساب التوزيعات الاحتمالية أو الاحتمالات المرجحة لكل خطر والذي على ضوءها يمكن عمل حسابات دقيقة لكل حالة.
ومن واقع الاحتمالات المرجحة الموجودة في المثال السابق يمكن القول أن الخطر الذي يتكون لدى صاحب العقار لا يتكون من احتمال حدوث حريق يترتب عليه خسارة المنزل بأكمله فقط، بل أن الخطر يتكون من عدة الاحتمالات السابقة مرجحة الخسارة المتوقعة في كل حالة.
توقع الخسارة
يتعرض الأفراد والمشروعات للظواهر الطبيعية بنفس الطريقة وبنفس القدر إذا ما تساوت الظروف التي تعيش فيها كل مجموعة. ويترتب على هذا أن توقع كل فرد للخسارة التي تنتج من تحقق حادث ما يكون متساوية في الظروف المتساوية. ونتيجة لذلك ظهرت أفكار جماعية – وخاصة من الناحية الحسابية – منها التعاون بين أفراد المجتمع الذين يتوقعون خسارات متساوية ومتشابهة.
ويقصد بتوقع الخسارة (بالإنجليزية: Expectation of Loss) أو التوقع الرياضي، تلك القيمة التي إذا دُفعت بواسطة جميع الأفراد المعرضين لظاهرة معينة وجُمعت بمعرفة جماعتهم أو جماعة متخصصة أخرى فإنها تكفي لدفع مجموع قيم الخسارات المالية المتوقعة التي تصيب بعضهم نتيجة تحقق الحادث الناشئ عن الظاهرة.
ويُستعمل هذا المقياس في حساب قسط الرهان وقسط التأمين الذي يدفعه كل من المقامر أو طالب التأمين مقدمُا إلى الهيئة المشرفة على أي من العمليتين. ففي حالة شركات التأمين مثلا تقوم كل شركة بتجميع هذه المبالغ واستثمارها بقدر ما تسمح به مدة التأمين بحيث تصبح كافية لدفع مبالغ التأمين أو التعويض عند تحقق الحادث المؤمن منه.
ويترتب على المعلومات السابقة أن تكون مجموع المبالغ التي تحصل عليها هيئة الرهان أو التأمين عند بداية التعاقد محسوبة على أساس حاصل ضرب توقع الخسارة أو التوقع الرياضي في عدد المشتركين في العملية. كما تكون المبالغ التي تُسلم لكل من الذين كسبوا الرهان أو أصابهم الحادث هي عبارة عن رأس المال أو مبلغ الرهان (بالإنجليزية: Amount at Stake) على أساس أنه إما الحجم الأقصى للخسارة المتوقعة، أو متوسط حجم الخسارة المتوقعة في حالة التأمين. وعلى ذلك بكون مجموع تلك المبالغ عبارة عن حاصل ضرب القيمة المذكورة في عدد المنتفعين من الرهان أو التأمين. ونظرًا لأن مجموع المبالغ التي تحصلها الهيئة الوسيطة لا بد وأن تساوي مجموع المبالغ التي تدفعها للمنتفعين، لذلك تظهر المعادلة الآتية:
معادلة توقع الخسارة
توقع الخسارة × عدد المشتركين في العملية = حجم الخسارة المتوقعة × عدد المنتفعين
وبمعنى آخر يكون:
توقع الخسارة = حجم الخسارة المتوقعة × عدد المنتفعين ÷ عدد المشتركين
وأيضًا:
توقع الخسارة = رأس المال أو متوسط الخسارة × احتمال حدوث الحادث
ومعنى المعادلة السابقة أن توقع الخسارة هو قسط الرهان أو قسط التأمين ويُحسب بضرب قيمة رأس المال أو متوسط الخسارة في احتمال حدوث الحادث الذي يترتب على تحققه دفع مبلغ الرهان أو قيمة الخسارة.
ويُستعمل توقع الخسارة أو التوقع الرياضي كمقياس أكثر دقة من احتمال حدوث الحادث منفردًا مؤشرًا لقياس درجة الخطورة وما يترتب على ذلك من الإقدام على اتخاذ القرار من عدمه، فاحتمال حدوث الحادث كفيل، إلى حد ما، بتحديد درجة الخطورة بشكل عام، أما توقع الخسارة فهو مقياس يفيد في ذلك وفي تحديد تكلفة الخطر التي تدخل هي الأخرى في اتخاذ القرار من عدمه.
فإذا فُرض أن منزلا قيمته مائه ألف جنيه، ووُجد أنه ضمن مجموعة المنازل المعرضة للحريق الكامل على أساس احتمال قدره واحد في الألف. فمن واقع هذه المعلومات يمكن حساب توقع الخسارة له كالآتي:
توقع الخسارة الكاملة = حجم الخسارة المتوقعة (القيمة بالكامل) × احتمال حدوث الحادث
توقع الخسارة الكاملة = 100000 × 0.001 = 100 جنيه
التوقع الرياضي المؤجل
يُطلق على توقع الخسارة أو التوقع الرياضي السابق الإشارة إليه بالتوقع الحاضر، إذ أنه حُسب على أساس أن الحادث يتم ومبلغ الرهان أو مبلغ التعويض يُدفع في الوقت الحاضر وبدون أي تأجيل. وهذا بالطبع أمر غير واقعي، إذ أن الاتفاق تم بين الجماعة التي تنضم إلى بعضها البعض بغرض الرهان أو الضمان ويُتفق على دفع الأقساط في الحاضر كما يُتفق على دفع مبلغ الرهان أو مبلغ التعويض الضمان للأفراد الذين يستحقون ذلك عندما يتحقق الحادث. وعلى ذلك لابد من أخذ عنصر الفائدة في الحسبان عند حساب توقع الخسارة أو التوقع الرياضي المؤجل كما يلي:
توقع الخسارة المؤجل = حجم الخسارة المتوقعة × الاحتمال × القيمة الحالية للجنيه
وتُحسب القيمة الحالية للجنيه عن المدة التي في نهايتها يُدفع مبلغ الخسارة وبالمعدل الذي تتوقع الجماعة أو الهيئة استثمار المبالغ المتجمعة من الأعضاء على أساسه.
ففي المثال السابق، إذا فُرض أن المدة المأخوذة في الحسبان لتقدير توقع الخسارة هي ثلاث سنوات. وأن معدل الفائدة هو 3% سنويًا. فإن هذا يعني أنه لو تحقق حادث الحريق في أي وقت خلال الثلاث سنوات فإن الجماعة تدفع لصاحب المنزل المحترق قيمة منزله بالكامل في نهاية الثلاث سنوات. وعلى ذلك يكون:
توقع الخسارة المؤجل = 100000 × 0.01 × ح 3 بمعدل 3% سنويًا
وبالتعويض عن قيمة ح 3 من الجدول، ينتج أن:
توقع الخسارة المؤجل = 100000 × 0.01 × 0.912673 = 91.267 جنيه.
المراجع
- كتاب الخطر والتأمين – الأصول العلمية والعملية. تأليف: الدكتور سلامة عبد الله، كلية التجارة، جامعة القاهرة، 1967، 1974.
- موسوعة التأمين، العلوم المالية والمصرفية، مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات، 2023.