انقضاء الشركة
يُقصد بانقضاء الشركة انحلال الرابطة القانونية التي تجمع بين الشركاء. وقد بيّن نظام الشركات السعودي أسباب انحلال وانقضاء الشركات، وهي تنقسم إلى قسمين: أسباب عامة تنقضي بها الشركات أيًا كان نوعها أو شكلها. أي سواء كانت شركات تجارية أو شركات مدنية. وسواء كانت من شركات الأموال أو من شركات الأشخاص أو من الشركات ذات الطبيعة المختلطة. وأسباب خاصة بالشركات التي تقوم على الاعتبار الشخصي والثقة المتبادلة. ومن ثم تنقضي بها الشركات التي يتوافر فيها هذا الاعتبار الشخصي دون الشركات التي تقوم على الاعتبار المالي وحده.
ومتى قام أحد أسباب انقضاء الشركة، أيًا كانت طبيعة هذا السبب، فإن الشركة لا تنحل بمجرد قيام هذا السبب، بل تدخل في دور التصفية وتحتفظ بشخصيتها المعنوية بالقدر اللازم لإجراء هذه التصفية والتي تتم بقسمة الأموال التي تبقى بعد سداد ديون الشركة بين الشركاء.
وعليه فإننا سنقسم دراستنا في هذا الفصل إلى مبحثين: نعرض في الأول منها لأسباب انقضاء الشركات على اختلافها. ونبين في الثاني منها أحكام التصفية والقسمة.
المحتويات
أسباب انقضاء الشركات
في الفرع الأول من هذا المبحث نتناول بالدراسة الأسباب العامة لانقضاء الشركات. وفي الفرع الثاني نتكلم عن أسباب الانقضاء المبنية على الاعتبار الشخصي والثقة المتبادلة بين الشركاء.
الأسباب العامة لانقضاء الشركة
تقضي المادة 15 من نظام الشركات بأنه “مع مراعاة أسباب الانقضاء الخاصة بكل نوع من أنواع الشركات، تنقضي كل شركة بأحد الأسباب الآتية:
- انقضاء المدة المحددة للشركة.
- تحقق الغرض الذي تأسست من أجله الشركة أو استحالة الغرض المذكور.
- انتقال جميع الحصص أو جميع الأسهم إلى شريك واحد.
- هلاك جميع مال الشركة أو معظمه بحيث يتعذّر استثمار الباقي استثمارًا مجديًا.
- اتفاق الشركاء على حل الشركة قبل انقضاء مدتها، ما لم ينص عقد الشركة على غير ذلك.
- اندماج الشركة في شركة أخرى.
- صدور قرار بحل الشركة من “ديوان المظالم” بناءً على طلب أحد ذوي الشأن وبشرط وجود أسباب خطيرة تبرر ذلك”.
باستقراء هذا النص يتضح أن هناك أسبابًا تلقائية لانقضاء الشركة ويترتب عليها الانقضاء بقوة القانون. وذلك لتخلّف أحد العناصر الأساسية في الشركة كانقضاء المدة المحددة للشركة أو تحقيق غرض الشركة أو استحالة تحقيقه. أو انتقال جميع الحصص أو الأسهم إلى شريك واحد. أو هلاك جميع مال الشركة أو معظمه. وأسباب إرادية تتوقف على رغبة ومشيئة الشركاء أنفسهم. كاتفاقهم على حلها قبل انقضاء مدتها أو على اندماجها في شركة أخرى. وأسباب يقدّرها ديوان المظالم.
أولاً: أسباب الانقضاء التلقائية بقوة القانون
1. انقضاء المدة المحددة للشركة
الأصل أنه متى كانت الشركة محدّدة المدة فإن الشركة تنحل بقوة القانون بمجرد انقضاء هذه المدة. ولو لم تكن قد حققت بعد الغرض أو العمل الذي من أجله تأسست الشركة. ومع ذلك إذا تبين من الظروف أن تحديد هذه المدة كان على وجه التقريب على أساس أن العمل الذي أنشئت من أجله الشركة لا يستغرق وقتًا أطول، فإن الشركة تستمر وتظل محتفظة بشخصيتها المعنوية لأن أجلها يكون طبقًا لإرادة الشركاء أبعد الأجلين: انقضاء المدة أو تحقيق العمل.
بالمثل تستمر الشركة إذا اتفق الشركاء قبل انتهاء مدة الشركة على استمرارها ومد أجلها إلى وقت آخر. والأصل أن الاتفاق على استمرار الشركة بإجماع الشركاء ما لم يبيّن العقد الأغلبية اللازمة لذلك.
أما إذا وقع الاتفاق على استمرار الشركة وامتدادها بعد انقضاء مدتها فإن هذا الاتفاق يعتبر بمثابة إنشاء لشركة جديدة، لأن الانقضاء هنا يقع كما سبق القول بقوة القانون بمجرد حلول أجل الشركة وانتهاء مدتها. وإذا استمرت الشركة بعد انقضاء مدتها في مباشرة النشاط الذي تأسست من أجله فإن ذلك يعتبر بمثابة اتفاق ضمني من الشركاء على مد أجلها، ومن ثم تعتبر الشركة كما في حالة الاتفاق الصريح شركة جديدة قد انعقدت بذات الشروط الأصلية. وتجعل معظم التشريعات الامتداد في هذه الحالة سنة فسنة.
وسواء كان الاتفاق على امتداد الشركة صريحًا أو ضمنيًا فإنه يجوز طبقًا لهذه التشريعات لدائني أحد الشركاء الاعتراض على امتداد الشركة ويترتب على هذا الاعتراض وقف أثر الامتداد في حقهم، لأنه إذا كان دائنو الشريك لا يستطيعون التنفيذ على حصة مدينهم أثناء قيام الشركة، فلا أقل من أن يسمح لهم بالمعارضة في امتداد الشركة حتى يتمكنوا من التنفيذ على حصة مدينهم فيها.
وبالرغم من عدم وجود نص في نظام الشركات السعودي يقرر مثل هذا الحق لدائني الشريك في حالة امتداد الشركة، فنعتقد أنه من المصلحة اقتباس مثل هذا الحكم في المملكة.
2. تحقق الغرض الذي تأسست الشركة من أجله أو استحالة تحقيقه
فإذا تأسست شركة للقيام بعمل معيّن كبيع محصول أو إنشاء طريق أو حفر قناة أو مد خط حديدي أو تشييد مبنى وانتهى هذا العمل انقضت الشركة. على أنه إذا استمرت الشركة بعد ذلك تقوم بعمل من نوع الأعمال التي تأسست لها، اعتبرت كما في الحالة السابقة شركة جديدة انعقدت بذات الشروط الأصلية.
كذلك تنقضي الشركة متى ثبت استحالة تحقيق الغرض الذي تأسست من أجله. فإذا تألفت الشركة بقصد القيام بنوع معين من التجارة ثم صدر قانون بعد ذلك بحظر هذا العمل على مثل نوع هذه الشركة أو بقصر القيام به على هيئات معينة، فإنه يترتب على ذلك انقضاء الشركة بقوة القانون.
3. اجتماع الحصص أو الأسهم في يد شخص واحد
يترتب على اجتماع الحصص أو الأسهم في يد شخص واحد تخلّف ركن جوهري من الأركان الخاصة بعقد الشركة. وهو ركن تعدد الشركاء. ومن ثم تنقضي الشركة في هذه الحالة بقوة القانون.
هذا وقد نص قانون الشركات الفرنسي الجديد الصادر في ٢٤ يوليو 1966 في مادته التاسعة على أن اجتماع جميع الحصص أو الأسهم في يد شخص واحد لا يترتب عليه انقضاء الشركة بقوة القانون. وأجاز تصحيح مثل هذا الوضع خلال مدة سنة من تاريخ حدوثه وإلا كان لكل ذي مصلحة أن يطلب تقرير حل الشركة.
4. انقضاء الشركة بسبب هلاك مال الشركة
تنقضي الشركة بقوة القانون بهلاك جميع ما لها أو معظمه بحيث يتعذّر استثمار الباقي استثمارًا مجديًا. وهلاك مال الشركة قد يكون ماديًا مثل احتراق مصنع الشركة أو غرق بواخرها أو تحطيم طائراتها أو نضوب المنجم الذي تستغله. وقد يكون معنويًا كما لو سحب الامتياز الممنوح للشركة متى كان نشاطها يرتكز أساسًا على استغلال هذا الامتياز.
وفي حالة اختلاف الشركاء حول أهمية الجزء الهالك ومدى تأثيره على تحقيق غرض الشركة، فإن ديوان المظالم هو الذي يقدّر مدى أهمية الهلاك الجزئي ومدى تأثيره على مستقبل الشركة. والواقع أنه كثيرًا ما يُنَص في عقد الشركة على وجوب حل الشركة متى بلغت الخسائر حدًا معينًا كنصف أو ثلث رأس المال.
ويلاحظ أن الهلاك لا يؤدي إلى انقضاء الشركة إلا إذا ترتب عليه استحالة استمرار الشركة في عملها. ومن ثم فإذا كان مؤمنًا على أموال الشركة وكان مبلغ التأمين كافيًا لتعويض الأموال الهالكة فإن الشركة لا تنقضي. ولما كان الوضع الغالب في الوقت الحاضر أن تؤمن الشركات على موجوداتها ضد مخاطر الهلاك باختلاف صورها، فمن النادر أن يقع الحل بسبب هلاك أموال الشركة.
ثانيًا: الأسباب الإدارية لانقضاء الشركة
1. اتفاق الشركاء على حل الشركة
وكما يجوز للشركاء الاتفاق على مد أجل الشركة فإنه يجوز لهم أيضًا الاتفاق على حل الشركة قبل انتهاء المدة المحددة لانقضائها. وقد أحسن نظام الشركات السعودي حين اكتفى بالنص على أن الحل في هذه الحالة يكون باتفاق الشركاء ولم يشترط خلافًا لبعض التشريعات إجماع الشركاء. إذ الغالب أن ينص القانون أو عقد الشركة على الأغلبية اللازمة لحل الشركة، وهي دائمًا الأغلبية اللازمة لتعديل نظام الشركة. فقرار حل شركة المساهمة مثلاً تملكه الجمعية العامة غير العادية ويتم اتخاذه وفقًا للأغلبية المنصوص عليها في المادة ٩٢ من نظام الشركات.
إنما يشترط في جميع الأحوال لصحة حل الشركة باتفاق الشركاء أن تكون الشركة موسّرة قادرة على الوفاء بالتزاماتها. ومن ثم فلا يعتد بحل الشركة باتفاق الشركاء إذا كانت الشركة في حالة توقف عن الدفع. ومتى وقع حل الشركة صحيحًا فإنه لا يحتج به على الغير إلا بعد شهره بالطرق القانونية. ويترتب عليه دخول الشركة في دور التصفية.
2. انقضاء الشركة بسبب الاندماج
الاندماج هو تلاحم شركتين قائمتين، تلاحمًا يقتضي بالضرورة فناء كل منهما أو أحدهما ليكونا معًا شركة واحدة. واندماج المشروعات يعتبر ظاهرة عالمية في الوقت الحاضر وهو يهدف إلى تحقيق أهداف اقتصادية متعددة، منها البحث عن الحجم الأمثل للمشروع، وتخفيض نفقات الإنتاج، وإنشاء المشروعات الكبيرة القادرة على المنافسة على المستوى الإقليمي والدولي، إلخ.
وللاندماج صورتان: الأولى الاندماج بطريقة المزج (Par Combinaison) والثانية الاندماج بطريق الضم أو الابتلاع (Par annexion ou absorption).
ويترتب على الاندماج بطريق المزج فناء شخصية الشركتين ونشوء شركة. أما الاندماج بطريق الضم فلا يترتب عليه سوى فناء شخصية الشركة المندمجة في شخصية الشركة الدامجة. وفي الصورتين يجب إجراء تقويم لجميع أموال الشركة المندمجة ويحدد عقد الاندماج شروطه ويحدد بصفة خاصة طريقة تقويم ذمة الشركة المندمجة وعدد الحصص أو الأسهم التي تخصها في رأس مال الشركة الدامجة، أو أسهم الشركات المندمجة في الشركة الجديدة الناشئة من الاندماج (مادة ٢١٤ من نظام الشركات).
ولا يكون الاندماج صحيحًا إلا إذا صدر من كل شركة طرف فيه وفقًا للأوضاع المقررة لتعديل عقد الشركة أو نظامها، ويجب أن يتم شهر قرار الاندماج بطرق الشهر المقررة لما يطرأ على عقد الشركة المندمجة أو نظامها من تعديلات (مادة من نظام الشركات).
شروط نظام الشركات
والأصل أن جميع حقوق والتزامات الشركة أو الشركات المندمجة تنتقل إلى الشركة الدامجة أو الشركة الجديدة إلا إذا نص عقد الاندماج على خلاف ذلك. والغالب أن يؤدي الاندماج إلى تقوية مركز الشركة الدامجة ثم إلى تقوية ضمان الدائنين. إلا أنه قد يضر أحيانًا بدائني الشركة المندمجة، وذلك في حالة ما إذا كانت خصوم الشركة الدامجة تزيد عن أصولها. وحماية لهؤلاء الدائنين تقرر المادة 215 من نظام الشركات أن قرار الاندماج لا يُنفَّذ إلا بعد مضي تسعين يومًا من تاريخ شهره. ويكون لدائني الشركة المندمجة خلال الميعاد المذكور أن يعارضوا في الاندماج بخطاب مسجل إلى الشركة. ويترتب على اعتراض الدائنين عدم سريان الاندماج في حقهم، ومن ثم يكون لهم أن ينفذّوا على موجودات الشركة المندمجة وتكون لهم عليها الأفضلية. ولكن الاندماج يُنفَّذ في حق الدائنين رغم اعتراضهم إذا تنازلوا عن هذا الاعتراض، أو قضى ديوان المظالم بناء على طلب الشركة بعدم صحة الاعتراض أو قدمت الشركة ضمانًا كافيًا للوفاء بديونهم إذا كانت هذه الديون آجلة.
وبالرغم من اقتصار المادة 215 من نظام الشركات على الاعتراف بحق الاعتراض على قرار الاندماج لدائني الشركة المندمجة، فإنه يجب الاعتراف بنفس الحق وبذات الشروط لدائني الشركة الدامجة. وذلك لاتحاد العلة في الحالتين وهي حماية دائني الشركة من المزاحمة.
ثالثًا: حل الشركة بقرار من ديوان المظالم
يجوز لديوان المظالم طبقًا لنص المادة 7/15 أن يقضي بحل الشركة بناء على طلب أحد ذوي الشأن متى وجدت أسباب خطيرة تبرر ذلك.
والمقصود بذوي الشأن في هذا المقام الشركاء. وحق الشريك في طلب الحل لسبب خطير حق شخصي محض فلا يجوز لدائن الشركة أو لدائن الشريك أن يباشر هذا الحق. كما أنه حق يتعلق بالنظام العام. ومن ثم يقع باطلاً كل اتفاق يحرم الشريك منه.
ومن أمثلة الأسباب الخطيرة التي تبرر الحل وقوع أزمة اقتصادية حادة تؤدي إلى اضطراب أعمال الشركة أو تغيير الظروف الاقتصادية بشكل يجعل من العسير على الشركة الاستمرار في نشاطها، أو وقوع نزاع شديد بين الشركاء يعوق أعمال الشركة ويجعل التعاون والتفاهم بينهم مستحيلاً، أو مرض الشريك الذي قدم حصته عملاً مرضًا يعجزه عن الاستمرار في أداء عمله، أو مرض الشريك المدير غير القابل للعزل أو إهماله. كذلك من أمثلة هذه الأسباب أيضًا عدم قيام أحد الشركاء بتنفيذ ما تعهد به كعدم تقديمه حصته في رأس المال في الميعاد المحدد، أو قيامه بمنافسة الشركة أعمالها.
أسباب الانقضاء المبنية على الاعتبار الشخصي
تقوم بعض الشركات كما سبق أن رأينا على الاعتبار الشخصي والثقة المتبادلة بين الشركاء. كما يقوم بعضها الآخر على الاعتبار الشخصي والاعتبار المالي في نفس الوقت. ومن ثم تنحل هذه الفئة من الشركات متى حل بأحد الشركاء الذين كانت شخصيتهم محل اعتبار عند قيام الشركة حادث من شأنه زوال الاعتبار الشخصي.
وأسباب الانقضاء المبنية على الاعتبار الشخصي لنظام الشركات السعودي هي:
وفاة أحد الشركاء أو الحجر عليه أو إفلاسه أو إعساره، أو انسحابه من الشركة، وهذه الأسباب تنقضي بها كما سنرى شركة التضامن وشركة المحاصة وشركة التوصية بنوعيها. أما الشركة ذات المسئولية المحدودة فهي وإن كان الأصل فيها أنها لا تنقضي بأحد هذه الأسباب إلا أنه يجوز للشركاء أن يتفقوا في عقد الشركة على انقضائها بسبب واحد أو أكثر من هذه الأسباب.
1. انقضاء الشركة بسبب وفاة أحد الشركاء
يترتب على وفاة أحد الشركاء انقضاء الشركة سواء كانت مدتها معينة أو غير معينة. فلا يحل الورثة محل مورثهم كشركاء في الشركة لأن الثقة شخصية. ومن ثم لا يجوز إجبار الشركاء على الاستمرار في الشركة مع ورثة قد لا يثقون فيهم.
وتنقضي الشركة بقوة القانون من تاريخ وفاة الشريك. غير أن هذه القاعدة لا تتعلق بالنظام العام. ولهذا يجوز للشركاء أن يتفقوا في عقد الشركة على استمرار الشركة رغم وفاة أحد الشركاء. ويتخذ هذا الاتفاق في العادة صورًا متعددة أهمها:
صور الاتفاق
أ. قد ينص في عقد الشركة على أنه إذا توفي أحد الشركاء تستمر الشركة مع ورثته. وهذا الاتفاق كثير الوقوع في العمل. إذ يحرص الشركاء في العادة على إحلال ورثتهم محلهم في الشركة للإفادة من أعمالها. ويثير هذا الاتفاق صعوبة في حالة ما إذا كان الشريك المتوفي متضامنًا وورثته قصرًا. لأن الشريك المتضامن تاجر حتمًا والقاصر لا يكتسب هذه الصفة. كما أن إحلال القاصر محل مورثه الشريك المتضامن من شأنه أن يجعله مسئولاً عن ديون الشركة مسئولية شخصية وتضامنية وفي هذا ضرر واضح للقاصر. ومع ذلك تجيز المادة 35 من نظام الشركات السعودي الاتفاق على حلول الورثة محل مورثهم في الشركة ولو كانوا قصرًا. وكان الأجدى في مثل هذه الحالة النص على تحويل الشركة إلى شركة توصية بسيطة ليصبح القاصر شريكًا موصيًا لا يكتسب صفة التاجر ولا يُسأل عن التزامات الشركة إلا في حدود الحصة التي ورثها. وإزاء هذا النص الصريح فلا مناص من اعتبار القاصر شريكاً متضامنًا يجوز شهر إفلاسه كبقية الشركاء متى توقفت الشركة عن دفع ديونها التجارية. غير أن آثار الإفلاس ينبغي وفقًا للرأي الراجح أن تقتصر في مثل هذه الحالة على أموال القاصر دون شخصه.
ب. قد ينص في عقد الشركة على استمرار الشركة فيما بين الباقين من الشركاء. وفي هذه الحالة لا يكون لورثة الشريك المتوفي إلا نصيبه في أموال الشركة. ويُقدّر هذا النصيب وفقًا لآخر جرد أجرته الشركة، ما لم ينص عقد الشركة على طريقة أخرى للتقدير. ويُدفع نصيب الورثة نقدًا ولا يكون لهم نصيب فيما يُستجد بعد ذلك من الحقوق إلا بقدر ما تكون هذه الحقوق ناتجة عن عمليات سابقة على الوفاة (مادة ٢/٣٥).
2. الحجر على أحد الشركاء أو إعساره أو إفلاسه
تنقضي الشركة بقوة القانون بالحجر على أحد الشركاء لسفه أو عته أو جنون أو إعسار أحد الشركاء الموصين أو إفلاس أحد الشركاء المتضامنين. إذ يترتب على ذلك زوال الثقة في هذا الشريك الذي فقد أهليته أو ملاءمته وقدرته المالية.
غير أن سبب الانقضاء في هذه الحالة أيضًا لا يتعلق بالنظام العام ومن ثم يجوز النص في عقد الشركة على أنه إذا حُجر على أحد الشركاء أو أعسر أو أفلس تستمر الشركة فيما بين الباقين. وفي هذه الحالة لا يكون للشريك إلا نصيبه في أموال الشركة. ويُقدَّر هذا النصيب وفقًا للأحكام الموضحة أعلاه بشأن الوفاة.
3. انقضاء الشركة بسبب انسحاب أحد الشركاء
تنقضي الشركة طبقًا لنص المادة 35 من نظام الشركات بانسحاب أحد الشركاء متى كانت مدتها غير معينة. وحق الشريك في الانسحاب من الشركات غير محددة المدة يتعلق بالنظام العام نظرًا لتعلّقه بالحرية الشخصية. ومن ثم فلا يجوز حرمان الشريك منه أو التنازل عنه.
ويُشترط لصحة انسحاب الشريك في هذه الحالة الشرطان التاليان:
- الأول: أن يعلن الشريك رغبته في الانسحاب إلى سائر الشركاء قبل حصوله
- الثاني: ألا يكون انسحاب الشريك عن غش أو في وقت غير لائق. ويعتبر الشريك سيء النية إذا انسحب ليستأثر بصفقة كانت الشركة بصدد عقد صفقة تدر عليها أرباحًا كثيرة، أو في خلال أزمة اقتصادية عامة.
وإذا لم يتوافر في الانسحاب هذان الشرطان كان الانسحاب غير صحيح. وتعيّن على ديوان المظالم أن تقضي ببطلان الانسحاب.
وإذا وقع الانسحاب صحيحًا انقضت الشركة. غير أنه يجوز الاتفاق في عقد الشركة على أنه إذا انسحب أحد الشركاء تستمر الشركة فيما بين الباقين. وفي هذه الحالة لا يكون للشريك المنسحب إلا نصيب في أموال الشركة. ويُقدَّر هذا النصيب وفقًا لنفس القواعد التي تُتبع في حالة الوفاة أو العجز أو الإعسار أو الإفلاس.
هذا وإذا كانت الشركة محددة المدة فالأصل أنه لا يجوز للشريك الانسحاب قبل حلول الأجل المتفق عليه. ومع ذلك تجيز معظم التشريعات للشريك أن يطلب من القضاء إخراجه من الشركة متى استند في ذلك إلى أسباب معقولة. وفي حالة اقتناع القضاء بوجاهة الأسباب التي يثيرها الشريك تنقضي الشركة ما لم يتفق باقي الشركاء على استمرارها. ومعنى ذلك أن الانسحاب في حالة الشركة محددة المدة لا يقع بإرادة الشريك المنفردة كما في حالة الشركة غير المحددة المدة وإنما بحكم من القضاء.
وحق الشريك في الانسحاب من الشركة في الحالتين من الحقوق الشخصية البحتة. فلا يجوز لدائني الشريك استعمال هذا الحق نيابة عنه.
أحكام التصفيـة والقسمة
سنقسم دراستنا لهذا المبحث إلى ثلاثة فروع. نتكلم في الأول منها عن التصفية وفي الثاني عن القسمة ونخصص الثالث لتقادم الدعاوي التي تنشأ عن أعمال الشركة المنحلة.
تصفية الشركة
بعد حل الشركة وانقضائها تدخل في دور التصفية. والمقصود من التصفية إنهاء عمليات الشركة وحصر موجوداتها واستيفاء حقوقها وسداد ديونها تمهيدًا لوضع الأموال الصافية بين يدي الشركاء لاقتسامها وتوزيعها إذا أرادوا، أو لاستمرار احتفاظهم بملكيتها على الشيوع بعد أن انتهت شخصية الشركة بانتهاء التصفية.
وينص عقد الشركة عادة على الطريقة التي تتم بها تصفية أموال الشركة وقسمتها. وإذا لم ينظم عقد الشركة طريقة التصفية وجب اتباع الأحكام الواردة في الباب الحادي عشر من نظام الشركات (المواد ٢١٦ إلى ٢٢٦).
احتفاظ الشركة بشخصيتها المعنوية في فترة التصفية
الأصل أن الشخصية المعنوية للشركة تزول بمجرد انقضائها. غير أن هذا الأصل لا يمكن الأخذ به على إطلاقه نظرًا لما يؤدي إليه من نتائج تستحيل معها التصفية. إذ سيترتب عليه اعتبار أموال الشركة ملكاً شائعًا بين الشركاء. وإلحاق الضرر بدائني الشركة نتيجة لمزاحمة دائني الشركاء الشخصيين لهم. فضلاً عن استحالة التصرف في أموال الشركة أو إنهاء الأعمال الجارية إلا بموافقة جميع الشركاء. ولهذا فقد أجمع الرأي على وجوب احتفاظ الشركة بالشخصية المعنوية طيلة فترة التصفية وهو حل أخذ به صراحة نظام الشركات السعودي في المادة ٢١٦ منه. وتترتب عليه نتائج بالغة الأهمية نوجزها فيما يلي:
- تظل الشركة محتفظة بذمتها المستقلة عن الشركاء. وتُعتبر أموالها ضمانًا عامًا لدائني الشركة وحدهم دون دائني الشركاء الشخصيين.
- تظل الشركة محتفظة بموطنها القانوني في مركزها الرئيسي. وتُرفع الدعاوى على الشركة في هذا الموطن. كما تعلن إليها الأوراق القضائية فيه.
- يعتبر المصفي ممثلاً قانونيًا للشركة ينوب عنها في التقاضي ويطالب بحقوقها ويتصرف في أموالها في حدود سلطته دون حاجة إلى الحصول على موافقة كل شريك على حدة.
- يجوز شهر إفلاس الشركة متى توقّفت عن دفع ديونها التجارية في فترة التصفية.
غير أن الشخصية المعنوية لا تثبت للشركة في فترة التصفية إلا بالقدر اللازم لإتمام عمليات التصفية (مادة ٢١٦) فهي والحال كذلك شخصية غير كاملة محدودة بما تقتضيه التصفية من أعمال. ويترتب على ذلك أنه لا يجوز البدء بأعمال جديدة لحساب الشركة ما لم تكن هذه الأعمال لازمة لإتمام أعمال سابقة.
تعيين المصفي وعزله
إذا لم ينص عقد الشركة على طريقة تعيين المصفي، قام بالتصفية مصفٍ واحد أو أكثر من الشركاء أو غيرهم يعيّنهم الشركاء أو الجمعية العمومية إن وجدت (مادة ١/١٢٨).
وإذا لم يتفق الشركاء على تعيين المصفي، قام ديوان المظالم بتعيينه بناء على طلب أحدهم. كما يتم تعيين المصفين وتحديد سلطاتهم ومكافآتهم بواسطة ديوان المظالم في حالة حكمه ببطلان الشركة أو حلها (۲/۲۱۸). وحتى يتم تعيين المصفي يعتبر المديرون أو أعضاء مجلس الإدارة بالنسبة للغير في حكم المصفين (المادة ٢١٧).
ويتم عزل المصفي بنفس الطريقة التي تم بها تعيينه. لأن القاعدة أن من يملك التعيين يملك العزل. واستثناء من هذه القاعدة يجوز أن يطلب أحد الشركاء عزل المصفي المعين بالاتفاق إذا قامت أسباب مشروعة تبرر ذلك.
سلطات المصفي وواجباته
يعتبر المصفي ممثلاً عن الشركة التي تظل قائمة كما رأينا طوال فترة التصفيةـ أيًا كانت طريقة تعيينه. ولا يعتبر وكيلاً عن الشركاء ولا عن دائني الشركة. ونيابته محدودة بحدود الغرض منها وهو تصفية الشركة.
والغالب أن يحدد عقد الشركة أو قرار تعيين المصفي السلطات الممنوحة له. وعلى المصفي في مثل هذه الحالة أن يعمل في حدود هذه السلطات. وكل ما يعمله في هذا النطاق من أعمال وتصرفات يقع صحيحًا وملزمًا للشركة. أما الأعمال التي تجاوز حدود سلطته فلا تلتزم بها الشركة. ولذلك يجب على الغير أن يتأكد من سلطات المصفي قبل التعامل معه. وإذا لم تحدد سلطات المصفي كان له القيام بجميع الأعمال التي تقتضيها التصفية، وأهم هذه الأعمال هي:
- استيفاء حقوق الشركة قِبل الغير أو الشركاء.
- الوفاء بديون الشركة الحالية واحتجاز المبالغ اللازمة لسداد الديون الآجلة أو المتنازع عليها (المادة ١/٢٢٢).
- تحويل موجودات الشركة إلى نقود بما في ذلك بيع المنقولات والعقارات بالممارسة أو المزاد.
ولكن ليس للمصفي أن يبيع أموال الشركة جملة ولا يقدم هذه الأموال كحصة أخرى في شركة أخرى إلا إذا صرّحت له بذلك الجهة التي عينته (مادة ۱/۲۲۰).
كذلك ليس للمصفي أن يبدأ أعمالاً جديدة للشركة إلا أن تكون لازمة لإتمام أعمال سابقة (مادة ٢/٢٢٠).
وعلى المصفي أن يشهر القرار الصادر بتعيينه والقيود المفروضة على سلطاته بطرق الشهر المقررة لتعديل عقد الشركة أو نظامها. وأن يجري خلال ثلاثة شهور من مباشرته عمله جردًا لكافة أصول الشركة وخصومها. كما أن عليه أن يعدّ في نهاية كل سنة مالية ميزانية وحساب أرباح وخسائر وتقريرًا عن أعمال التصفية فضلاً عن تقديم حساب ختامي عند انتهاء التصفية (مادة ٢٢١ و٢٢٣). وتنتهي التصفية بتصديق الشركاء أو الجمعية العامة على الحساب الختامي. ويجب أن يشهر المصفي انتهاء التصفية بطرق الشهر المقررة لتعديل عقد الشركة أو نظامها.
قسمة أموال الشركة
متى تمت أعمال التصفية وتحوّلت موجودات الشركة إلى نقود انتهت مهمة المصفي وزالت الشخصية المعنوية نهائيًا عن الشركة. ومن ثم تحتّم إجراء القسمة. فالقسمة هي العملية التي تلي التصفية، وهي تجري وفقًا للقواعد الآتية:
- يحصل كل شريك على مبلغ يعادل قيمة الحصة التي قدمها للشركة عند تأسيسها. فإذا كانت هذه الحصة نقدية استرد الشريك المبلغ الذي دفعه. وإذا كانت الحصة عينية حصل الشريك على قيمتها التي قُوّمت بها في العقد التأسيسي. فإذا لم تكن مقوّمة، وجب تقويمها عند القسمة بحسب قيمتها يوم تسليمها للشركة. أما الشريك بالعمل فإنه لا يسترد شيئًا من رأس المال لأن حصته لا تدخل في تركيب رأس المال وإن كان يسترد حريته في توجيه نشاطه لأعمال أخرى.
- إذا بقي بعد استرداد قيمة الحصص شيء تحتّم قسمته بين الشركاء وفقًا لنصوص عقد الشركة. فإذا لم يتضمّن العقد نصوصًا في هذا الشأن وُزع الفائض على الشركاء بنسبة نصيب كل منهم في الأرباح.
- إذا لم يكفِ صافي موجودات الشركة للوفاء بحصص الشركاء وُزعت الخسارة بينهم بحسب النسبة المقررة في توزيع الخسائر (مادة ٣/٢٢٢).
تقادم الدعاوى الناشئة عن الشركة
الأصل أن تصفية الشركة وزوال شخصيتها المعنوية لا يبرئ ذمة الشركاء وورثتهم قِبل دائني الشركة. بل تظل مسئولية الشركاء قائمة، ويكون للدائنين الذين لم يستوفوا حقوقهم أن يطالبوا الشركاء بها. غير أن المشرّع قد رأى ضرورة الخروج على هذا الأصل في الميدان التجاري فقرر – بغية حث الدائنين على المطالبة بحقوقهم في الوقت المناسب وحماية الشركاء من الطلبات المتأخرة – مدة معينة لا تسمع بعدها الدعاوى الناشئة عن أعمال الشركة. ومعنى ذلك أن المشرع قد أخذ بمبدأ التقادم المانع.
والفقه الإسلامي قد قبل قاعدة التقادم. لا على أساس أنه مكسب للملكية بل على أنه مانع من سماع الدعوى بالحق الذي مر عليه الزمن المعين تدبيرًا تنظيميًا للقضاء واجتنابًا لعراقيل الإثبات ومشكلاته بعد التقادم وللشك في الحق الذي تقادم عليه الزمن دون مطالبة به. أما أصل الحق، إن كان فباقٍ في ذمة الإنسان لصاحبه ويجب وفاؤه في حكم الديانة. ولذلك لو أقر الخصم بالحق انهدم مرور الزمن، لزوال الشك وظهور الحق بإقراره فتسمع الدعوى وهذا من أثر التفريق في الشرع الإسلامي بين حكم القضاء والديانة.
التقادم الذي قرره نظام الشركات السعودي
والتقادم الذي قرره نظام الشركات السعودي هو التقادم الثلاثي لجميع الدعاوى الناشئة عن أعمال الشركة. وفي ذلك تقول المادة ٢٢٦: “لا تُسمع الدعوى ضد المصفين بسبب أعمال التصفية بعد انقضاء ثلاث سنوات على شهر انتهاء التصفية وفقًا لأحكام المادة ٢٢٣ ولا تسمع الدعوى بعد انقضاء المدة المذكورة ضد الشركاء بسبب أعمال الشركة أو ضد المديرين أو أعضاء مجلس الإدارة أو مراقبي الحسابات بسبب أعمال وظائفهم”.
ويشترط لإمكان الاحتجاج بالتقادم الثلاثي طبقاً لهذا النص أن تكون التصفية قد تم شهرها بالطرق المقررة قانونًا لشهر تعديل عقد الشركة أو نظامها. فالتقادم الثلاثي لا يبدأ إلا من تاريخ شهر انتهاء التصفية. والغاية من ذلك هي تمكين الدائنين من العلم بانتهاء تصفية الشركة وبدء سريان مدة التقادم في مواجهتهم. وتخضع لهذا التقادم جميع الدعاوى الناشئة عن نشاط الشركة السابق على التصفية.
ومن أمثلة هذه الدعاوى:
- الدعاوى التي يرفعها الشركاء أو الغير ضد المصفين بسبب أعمال التصفية.
- الدعاوي التي يرفعها الدائنون على الشركاء لمطالبتهم بديون الشركة.
- الدعاوى التي يرفعها الشركاء أو الغير على مديري الشركة أو أعضاء مجلس إدارتها أو مراقبي الحسابات بسبب أعمال وظائفهم.
ويلاحظ أن التقادم الثلاثي لا يسري على شركات المحاصة لأنها شركات مستترة لا تتمتع بالشخصية المعنوية. وتبعًا لذلك فإن الدعاوى التي يقيمها الدائن على مدير المحاصة إنما تقام عليه بصفته الشخصية لا باعتباره مديرًا لشركة ولا بصفته مصفيًا.
المصدر
- كتاب القانون التجاري السعودي للدكتور محمد حسن الجبر، الرياض، المملكة العربية السعودية.