الملخص
مفهوم المساهمة الجنائية – صور المساهمة الجنائية – أركان المساهمة الجنائية – وقوع جريمة بالفعل، تعدد المساهمين في الجريمة، وحدة الجريمة من الناحية المادية ومن الناحية المعنوية.
المحتويات
مفهوم المساهمة الجنائية
المساهمة الجنائية في القانون الجنائي هي حالة تعدد الجناة الذين يرتكبوا نفس الجريمة ثمرة لنشاط واحد ولم تكن وليدة إرادة واحدة، وإنما كانت نتاج تعاون بين أشخاص عديدين لكل منهم دوره المادي وإرادته الإجرامية.
وتقابل حالة المساهمة الجنائية بذلك حالة ما إذا انفرد شخص واحد بارتكاب الجريمة فتجمعت في نشاطه وإرادته كل العناصر القانونية المتطلبة لقيامها.
صور المساهمة الجنائية
قد يقوم فرد واحد بارتكاب الجريمة، فيتحمل مسئوليتها وحده.
وقد يتعاون في الجريمة عدة أشخاص فيساهم كل منهم فيها بقدر.
وتختلف صور التعاون في الجريمة بين الجناة المتعددين باختلاف ظروف الواقعة وما يقوم به كل منهم في سبيلها.
فقد يقتصر بعضهم على الدعوى إلى ارتكابها وتدبيرها، ويُعد البعض الآخر الوسائل المعاونة وهي كثيرة.
ويُقال لهؤلاء جميعًا أنهم مساهمين في الجريمة مهما اختلفت أعمالهم ومهما كان وجه اتصالها بالفعل المكون للجريمة.
على أن الأعمال المختلفة التي يقوم بها الجناة المتعددون في سبيل الجريمة إذا ما نُظر إليها من حيث اتصالها بالفعل المكون للجريمة أو بعدها عنه تنقسم إلى نوعين يمثلان صور المساهمة الجنائية المختلفة:
النوع الأول من المساهمة الجنائية
أعمال تدخل في الفعل المكون للجريمة التي وقعت.
وبذلك يكون مقارفها قد ساهم في هذه الجريمة بطريق مباشر ويُسمى:
- فاعل الجريمة (بالفرنسية: Auteur): إذا انفرد بهذا الوصف
- أو فاعلا مع غيره (بالفرنسية: Co Auteur): إذا ما تعدد المقارفون لأفعال من هذا القبيل
النوع الثاني من المساهمة الجنائية
أعمال لا تدخل في الفعل المكون للجريمة بل تكون خارجة عنه، وإنما تتصل به بطريق غير مباشر.
من أمثلتها:
- الدعوى إلى ارتكاب جريمة
- تسهيل ارتكاب جريمة بالمساعدة في الأعمال المجهزة لها
ويكون مقارف هذه الأعمال قد اشترك في الجريمة اشتراكًا ثانويًا.
ويسمى الجاني في هذه الحالة “شريكًا” (بالفرنسية: Complice).
وقد يكون دور المساهم لاحقًا على تمام الجريمة وإن ارتبط بها برباط وثيق.
ويسمى هذا المساهم الجنائي بالمخبئ أو المُخفي (بالفرنسية: Receleur).
وتقوم خطة القانون على التمييز بين نوعين من صور المساهمة الجنائية:
- المساهمة الأصلية في الجريمة، وهي تعني حالة تعدد الفاعلين للجريمة
- المساهمة التبعية في الجريمة وتعني الاشتراك فيها
أركان المساهمة الجنائية
لا تقوم المساهمة الجنائية إلاّ إذا توافر لها أركان ثلاثة، وهي:
- الركن الأول: أن تقع بالفعل جريمة
- الركن الثاني: أن يتعدد المساهمون في هذه الجريمة
- والركن الثالث: أن يكون ما وقع بفعل هؤلاء المساهمين المتعددين جريمة واحدة
الركن الأول: وقوع جريمة بالفعل
لا بد لوجود حالة المساهمة الجنائية من وقوع جريمة بالفعل.
ولكن يستوي عندئذٍ أن تقع الجريمة التامة، أو أن تقف عند حد الشروع.
فالمهم هو ارتكاب الركن المادي للجريمة بمعرفة الفاعل، وذلك بصرف النظر عن المركز الشخصي لهذا الفاعل من ناحية المسئولية الجنائية والعقاب.
كما يستوي أن تكون الجريمة جناية أو جنحة أو مخالفة.
أما إذا كان الفعل الذي وقع لا يُعاقب عليه القانون فإن الاشتراك فيه لا يُعاقب عليه، كما في حالة الانتحار، فإن الشريك الذي يساعد المنتحر لا يُعاقب لأن الانتحار ليس بجريمة معاقب عليها. وكذلك إذا كان الفعل الذي وقع يُشكل شروعًا في جنحة لم ينص المشرع على عقاب الشروع فيها. وينبني على ذلك أنه في جرائم الاعتياد، التي تتكون من تكرار الفعل مرتين على الأقل، لا يُعد كل واحد منها جريمة في ذاته، مثل جريمة الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش وجريمة الاعتياد على ممارسة الدعارة، ولا يكون الاشتراك في فعل واحد منها معاقبًا عليه، لأن الفعل الذي وقع فيه الاشتراك لا عقاب عليه في ذاته. وبالتالي فلا بد – لوجود الاشتراك قانونًا في هذه الجرائم – أن يكون قد وقع في عدد من الأفعال يكفي لتكوين ركن الاعتياد.
ويترتب على ذلك أيضًا أنه إذا مُحيت جريمة الفاعل الأصلي وزال أثرها، بأن صدر عنها عفو شامل، فإن ذلك يستتبع أيضًا حتمًا سقوط هذه الجريمة عن الشريك، لأن:
إجرام الشريك فرع من إجرام الفاعل الأصلي، والفرع يتبع الأصل.
وكذلك الحكم لو سقطت جريمة الفاعل الأصلي بمضي المدة، فإن الشريك يستفيد من ذلك فلا تجوز محاكمته عن نفس الفعل.
العبرة بوصف الفعل وليست مسئولية الفاعل
العبرة بوصف الفعل وليست مسئولية الفاعل.
إذ يكفي أن يكون الفعل الذي حصل الاشتراك فيه معاقبًا عليه في حد ذاته، ولو كان الفاعل الأصلي غير معاقب لسبب يرجع إلى شخصه، كم لو كان غير مسئول عن عمله كالمجنون، أو كان حسن النية كما لو دعي كاتب لتحرير عقد مزور وهو لا يعلم بأن ما يكتبه يشكل تزويرًا، فإنه لا عقوبة عليه لعدم القصد الجنائي، لكن الذي دعاه وأحضر له أدوات الكتابة وذكر له الأسماء المزورة يعد شريكًا تناله العقوبة. وكذلك إذا قام بالفاعل سبب يمنع من عقابه قانونًا، كالزوجة التي تعين زوجها على الفرار من وجه القضاء. ففي جميع هذه الحالات لا يُعاقب الفاعل، ولكن ذلك لا يمنع من معاقبة الشريك بالعقوبة المقررة قانونًا، لأن الفعل الذي حصل الاشتراك فيه مُعاقب عليه في ذاته بغض النظر عن صفة مرتكبه.
لا يشترط أن يكون الفاعل معلومًا
وليس بشرط أن يكون فاعل الجريمة معلومًا، بل يعاقب الشريك ولو كان الفاعل الأصلي مجهولا، أو إذا كان قد توفي.
وإذا برئ الفاعل الأصلي لسبب يتعلق بشخصه، كعدم ثبوت التهمة قِبله، أو لأن غيره هو الذي ارتكب الجريمة، فلا يمنع ذلك من معاقبة الشريك، بخلاف لو كانت البراءة قد بُنيت على أن الفعل المسند للمتهمين لم يقع، أو أن أركان الجريمة لم تتوافر، أو أن الدعوى العمومية قد سقطت بمضي المدة.
وليس هناك ما يمنع من أن يكون الشخص شريكًا في جريمة تستلزم في فاعلها صفة خاصة ليست في الشريك بحيث لا يمكن أن تقع هذه الجريمة من الشريك، مثال ذلك:
- اشتراك امرأة في جريمة اغتصاب أنثى.
- أو اشتراك غير موظف في جريمة لا تقع إلاّ من موظف، فيعاقب الشريك في هذه الحالة.
عدول الفاعل عن ارتكاب الجريمة
يترتب على اشتراط وقوع فعل أصلي معاقب عليه أنه إذا عدل الفاعل عن ارتكاب الجريمة بعد أن اتفق مع الشريك وأعد العدة لارتكابها فإن الشريك يستفيد من هذا العدول ولو تم بالرغم منه، ومن أجل ذلك لا يمكن أن يكون هناك شروع في الاشتراك، أما عدول الشريك نفسه فلا يفيده إذا وقعت الجريمة، بل يؤاخذ عليها بصفته شريكًا، ذلك لأن عمله في الجريمة يتم بمجرد قيامه بالأفعال المكونة للاشتراك، فإذا عدل بعد ذلك فلا يفيده هذا العدول، اللهم إلاّ إذا استطاع أن يزيل كل أثر لتدخله في ارتكاب الجريمة قبل وقوعها.
وهذا لا يتأتى في كل صور الاشتراك..
فمن يحرض على ارتكاب جريمة لا يمكنه بعد ذلك أن يتحلل من اشتراكه بعد أن بث فكرة الجريمة في الفاعل، أما إذا كان قد وعد الجاني بجعل مقابل ارتكاب الجريمة ولكنه عدل وسحب وعده قبل ارتكابها، أو كان قد قدم للجاني سلاحه يستعمله في ارتكابها – بغير أن يكون قد حرضه عليها – ثم استرده منه وعدل عن مسايرة الفاعل في عمله، فإن عدوله في هذه الصور وأمثالها يقيه العقاب.
الاتفاق الجنائي (صورة استثنائية من صور المساهمة الجنائية)
نظم المشرع صورة خاصة من المساهمة الجنائية لا يلزم فيها شرط وقوع جريمة وهي “الاتفاق الجنائي”.
الركن الثاني: تعدد المساهمين في الجريمة
لا تتصور المساهمة في الجريمة بغير تعدد المساهمين، أي وجود أكثر من شخص واحد.
وقد تختلف الأدوار التي يلعبها المساهمون في الجريمة: فمنهم من يساهم بصفة أصلية فيكون فاعلا فيها، ومنهم من لا يساهم إلا بصفة ثانوية فلا يكون إلاّ شريكًا، غير أنه لا بد في كل حالة مساهمة جنائية من وجود فاعل واحد على الأقل، وهذا مفهوم من ضرورة أن تقع الجريمة تامة أو ناقصة، ولا تقع الجريمة إلاّ بمعرفة فاعل. ويتفرع عن هذا كله أن حالة المساهمة الجنائية لا تخرج عن أحد وضعين:
- فإما أن يكون المساهمون كلهم فاعلين
- وإما أن يكونوا فاعلين وشركاء
ولكن لا يتصور بداهة أن يكون المساهمون جميعهم من الشركاء.
أما إذا كان الجاني واحدًا فلا يتوافر أحد ركنين المساهمة الجنائية.
ولا تثور بطبيعة الحال المشاكل التي تودع قواعد المساهمة الجنائية لحسمها. ذلك لأن ارتكاب شخص واحد لجريمة يعني أن يطبق عليه نص القانون الخاص بهذه الجريمة وتوقع عليه القوبة المحددة في هذا النص.
التمييز بين تعدد الجناة والأوضاع التي تقترب منه:
تعدد الجرائم ووحدة الجاني
إذا كان الجاني واحدًا ولكن تعددت جرائمه، فلا تعد حالته حالة مساهمة جنائية، وإنما تُعد حالة “تعدد الجرائم” (بالفرنسية: Concours d’infractions)، أي ارتكاب شخص عددًا من الجرائم دون أن يفصل بينها حكم بات. فحالة تعدد الجرائم تفترض إذن وحدة المجرم وتعدد الجرائم، وهي تقابل بذلك المساهمة الجنائية التي تفترض تعدد الجناة ووحدة الجريمة.
ومن المعلوم أن لتعدد الجرائم أحكامه الخاصة التي تختلف عن الأحكام المتعلقة بالمساهمة الجنائية.
تعدد الجناة وتعدد الجرائم
ويختلف تعدد الجناة كركن في المساهمة الجنائية عن حالة “جرائم الجماهير” (بالفرنسية: Crimes de foules) التي تفترض أنه تعدد الجناة، ولكن تعددت بقدر عددهم الجرائم المرتكبة، بحيث كان كل واحد منهم مرتكبًا جريمة قائمة بذاتها مستقلة بأركانها عن الجرائم الأخرى. وإذا كانت هذه الحالة تتفق مع المساهمة الجنائية في افتراضها تعدد الجناة فإنها تختلف عنها في تعدد الجرائم. ولا يجوز الخلط بين هذه الحالة وبين المساهمة الجنائية، ولو ارتكبت هذه الجرائم في مكان واحد أو في وقت واحد، أو جمعت بينها وحدة الباعث. ومن أمثلة جرائم الجماهير تلك التي يرتكبها جموع من الناس استجابة لانفعال سيطر عليهم، كما لو اعتدى متظاهرون على رجال الأمن الذين أرادوا تفريقهم.
الاشتراك الضروري والمساهمة الجنائية
يختلف تعدد الجناة كركن للمساهمة الجنائية عن تعدد الجناة كركن في بعض الجرائم.
ذلك أن بعض الجرائم لا يتصور أن يرتكبها شخص واحد وإنما يتعين أن يرتكبها عدد من الأشخاص يتقاسمون تحقيق الماديات التي تفترضها الجريمة. مثال ذلك إضراب الموظفين عن العمل الذي يفترض صدور الامتناع عن ثلاثة موظفين على الأقل، والرشوة التي تفترض وجود راشي ومرتشي، والزنا الذي يفترض وجود الزوج الزاني وشريكته.
والفرق واضح بين الاشتراك الضروري والمساهمة الجنائية على الرغم من افتراض كل من الوضعين تعدد الجناة، ذلك أن المساهمة الجنائية هي أسلوب لارتكاب الجريمة، وهذه الجريمة كان يمكن أن يرتكبها شخص واحد، فالقتل مثلا جريمة لا يتطلب نموذجها القانوني اجتماع عدة أشخاص لارتكابها، لأنها بطبيعتها يمكن أن يرتكبها شخص واحد، كما تقبل الوقوع من جانب عدد من الأشخاص وبالتالي إذا ساهم شخصان أو أكثر في ارتكاب جريمة القاتل فإننا نكون بصدد حالة مساهمة جنائية، أما الاشتراك الضروري فهو ركن في الجريمة بحيث لو انتفى لا يمكن أن تقع الجريمة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن المساهمة التبعية تتصور حتى في الجريمة التي تفترض الاشتراك الضروري، فيتصور التحريض على إضراب الموظفين، وتتصور المساعدة على الزنا.
وعلى ذلك إذا كان “الاشتراك الضروري” يمثل وصفًا متميزًا عن “المساهمة الجنائية” فإنه لا تطبق عليه بالضرورة أحكامها.
الركن الثالث: وحدة الجريمة
لا تتحقق حالة المساهمة الجنائية إلاّ إذا تعدد الجناة في ارتكابهم لجريمة واحدة.
لأنه إذا تعدد الجناة وتعددت جرائمهم تبعًا له لا نكون بصدد مساهمة جنائية، وإنما نكون بصدد عدد من الجرائم المستقلة. ولا تتحقق وحدة الجريمة إلاّ إذا جمعت بين عناصرها وحدة مادية ووحدة معنوية، أي جمعت بينها وحدة تضم ركنها المادي من جهة وركنها المعنوي من جهة أخرى.
وحدة الجريمة من الناحية المادية
لا تقوم وحدة الجريمة من الناحية المادية إلا إذا تحققت لها وحدة النتيجة الإجرامية من ناحية، وارتباط كل فعل من أفعال المساهمين بتلك النتيجة بعلاقة السببية من ناحية أخرى. فالمساهمة الجنائية في جريمة القتل مثلا تفترض “تعدد” الأفعال الصادرة من مساهمين وتفترض في نفس الوقت أن هذه الأفعال جمعيعًا قد أفضت إلى “نتيجة إجرامية واحدة” هي “وفاة المجني عليه”. كما يلزم أن تتوافر علاقة السببية بين كل فعل صدر من المساهمين وبين النتيجة الإجرامية التي أفضت إليها تلك الأفعال.
ففي جريمة السرقة مثلا قد تتعدد الأفعال التي يرتكبها الجناة:
- فأحدهم يقلد المفاتيح التي سوف تستعمل في فتح باب الشقة،
- والثاني يجمع معلومات عن مكان الجريمة ويحدد لزملائه المكان الذي يخفي فيه المجني عليه ماله،
- والثالث يراقب الطريق،
- والرابع يحطم الخزانة،
- والخامس يضع المال في حقيبة أعدها لذلك وينصرف بها مع زملائه.
فالأفعال عديدة ومتنوعة، ولكن النتيجة الإجرامية واحدة، وهي انتزاع المال من حيازة المجني عليه ونقله إلى حيازة الجناة.
انتفاء رابطة السببية
إذا ثبت انتفاء رابطة السببية بين النشاط الذي بذله الجاني في سبيل ارتكاب الجريمة وبين نتيجة هذه الجريمة، فإن ذلك يعني أنه لم يقم بدور في ارتكابها، وأن تحقق نتيجتها على النحو الذي تحققت به كان مرجعه إلى عوامل ليس من بينها نشاطه.
ولا يكون في هذه الحالة محل البحث في المساهمة الجنائية، وإنما يكون متعينًا القول بوجود جريمتين متميزتين، إذا كان المشرع يجرم تحت وصف خاص النشاط الذي أرد به صاحبه المساهمة في الجريمة، ولكن لم يتح له ذلك.
وتطبيقًا لذلك:
فإنه إذا أعطى شخص سلاحه لمن عقد العزم على ارتكاب قتل، ولكن الأخير عدل عن تنفيذ قصده ورد السلاح إلى صاحبه ثم ثار بعد ذلك شجار بين من كان عازمًا على القتل ومن كان يريد قتله، وأفضى الشجار إلى تنفيذ هذا القتل، فإن علاقة السببية لا تعد متوافرة بين إعطاء السلاح وموت المجني عليه. وبالتالي لا محل للقول بأن معطي السلاح قد ساهم في جريمة القتل، وإنما يتصور أن يكون مرتكبًا لجريمة قائمة بذاتها مستقلة عن القتل، كحيازة سلاح بدون ترخيص.
وعلى ذلك فإن علاقة السببية لها أهميتها في رسم حدود المساهمة الجنائية وتوضيح المجال الذي تدور بداخله مشاكلها.
وحدة الجريمة من الناحية المعنوية
كما لا تقوم وحدة الجريمة من الناحية المعنوية إلاّ إذا توافر لدى المساهمين كافة “رابطة ذهنية أو معنوية” تجمع بينهم في الجريمة تحت لواء مشروع إجرامي واحد. ومظهر هذه الرابطة هو إدراك كل من الجناة أنه متضامن مع الآخرين لبلوغ هدف واحد وهو المشروع الإجرامي وأنه لا يستقل به لحسابه الخاص.
فالرابطة الذهنية أو رابطة التضامن لا تتطلب إذن لتحقيقها أن يقوم بين الجناة حتمًا معنى التدبير الإجرامي أو الاتفاق الجنائي.
أي أنها لا تتطلب حتمًا أن يكون الجناة قد قاموا جميعًا وسويًا بتدبير ارتكاب الجريمة والاتفاق على تفاصيلها قبل وقوعها بزمن طال أو قصر.
وإنما يكفي أن يكون بينهم مجرد تفاهم أو تقابل إرادة ولو كان ذلك حال ارتكاب الجريمة.
مثال ذلك:
أن يشاهد زيد بكرًا وهو على وشك أن يمسك بخناق عمر والاعتداء عليه، فيسارع بإعطاء عصاه لبكر ليضربه بها.
التفاهم الضمني
كذلك لا يشترط في هذا التفاهم أن يكون صريحًا، بل تقوم رابطة التضامن ولو كان التفاهم بين الجناة ضمنيًا.
مثال ذلك أن يقتحم لص منزلا لسرقته فيفاجأ بخادم المنزل يقدم إليه مساعدته على السرقة فتتم الجريمة بمساهمتهما معًا، والتي قامت على التفاهم الضمني فيما بينهما. بل إن الرابطة الذهنية أو المعنوية تتوافر إذا انصرف علم المساهم إلى الأفعال التي تصدر من غيره وإلى أن هذه الأفعال، بالإضافة إلى الأعمال الصادرة منه، من شأنها أن تُحدث ذات النتيجة التي وقعت.
مثال ذلك:
- إذا أرد (أ) أن يقتل عدوًا له فوضع سمًا في قارورة دوائه
- ولما علم (ب)، وهو عدو لنفس المجني عليه، بوجود السم في قارورة الدواء أضاف إليه كمية أخرى من مادة سامة لأنه قدّر عدم كفاية الكمية الأولى، وذلك دون اتفاق سابق أو تفاهم بينه وبين الجاني الأول
- فلما تناول المجني عليه الدواء حدثت وفاته بتأثير السم الذي وضعه الجانيان.
ذلك أنه مما يناقض المنطق القانوني أن ننكر المساهمة الجنائية في حالات يثبت فيها التعاون بين الجناة واتحاد نواياهم الإجرامية.
انتفاء الرابطة الذهنية
إذا انتفت الرابطة الذهنية فقدت الجريمة وحدتها المعنوية وتعددت الجرائم بتعدد الأنشطة الصادرة من الجناة.
ذلك لأن كل نشاط في هذه الحالة يكون صادرًا لحساب من صدر عنه، ولو كان هذا النشاط قد سهل نشاط غيره.
فإذا كسر شخص باب مسكن لسرقته ثم سمع وقع أقدام ففر هاربًا تاركًا الباب مفتوحًا فأقدم شخص ثانِ لا صلة له بالأول ودخل المسكن وسرق محتوياته، فإن:
الأول لا يُسأل إلاّ عن شروع في سرقة
بينما يُسأل الثاني عن جريمة أخرى مستقلة عنها في المسئولية والعقاب هي السرقة التامة.
المصدر
كتاب: النظرية العامة للجريمة، (الشرعية الجنائية، سريان القانون من حيث الزمان والمكان، تقسيمات الجرائم، أركان الجريمة، المساهمة الجنائية)
- تأليف الدكتور: جميل عبد الباقي الصغير
- أستاذ القانون الجنائي، كلية الحقوق، جامعة عين شمس
- عميد الكلية سابقًا، المحامي لدى محكمة النقض