القرآن الكريم – تعريفه وخصائصه وإعجازه ودلالة ألفاظه

الملخص

القرآن الكريم – تعريف القرآن الكريم وبيان خصائصه المختلفة وأوجه الإعجاز فيه من ناحية اللفظ ومن ناحية المحتوى – وبيان دلالة ألفاظه.

تعريف القرآن الكريم

القرآن الكريم أشهر من أن يعرّف.

ومع ذلك فقد اهتم علماء أصول الفقه بمسألة تعريف القرآن الكريم وذلك ليتضح من التعريف أهم خصائصه التي تميزه عن غيره من الكتب السماوية الأخرى أو من كتب البشر.

وله أسماء كثيرة منها القرآن والكتاب.

وقد جاء في الآيات:

“ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم”

وجاء كذلك:

“ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء”.

ويمكننا بعد ذلك تعريف القرآن الكريم بأنه:

القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المنزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بطريقة الوحي باللفظ العربي والمنقول إلينا بالتواتر حفظًا وكتابةً والمتعبد بتلاوته والمكتوب في المصاحف والمبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس.

تعريف القرآن الكريم

خصائص القرآن الكريم

1. نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي

من أهم خصائص القرآن الكريم أنه إن هذا الكتاب نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي ليخاطب به العرب وغيرهم.

وبالتالي فالكتب السماوية الأخرى مثل التوراة والإنجيل لا تعتبر من القرآن الكريم لأنها انزلت على غير الرسول (ص).

2. إن ألفاظ هذا القرآن ومعانيه من عند الله تعالى

إن ألفاظ هذا القرآن ومعانيه من عند الله تعالى، وبالتالي فما أوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينزل عليه بلفظه لا بكونه قرآنًا فإذا عبر عن ذلك الرسول بلفظه ولم يسند ذلك إلى الله تعالى فذلك الحديث النبوي. وإذا أسند الرسول ما عبر عنه بلفظه إلى الله تعالى فهذا هو الحديث القدسي. وهذه الأحاديث التي قالها الرسول فيما يرويه عن ربه وهي لا تُعد قرآنًا.

فالكلام المسند إلى الله تعالى أنواعه ثلاثة:

أولها وأعظمها القرآن الكريم.

ثانيها: الكتب التي نزلت على بعض الأنبياء السابقين قبل تغييرها وتحريفها.

ثالثها: الأحاديث القدسية، وهي التي نقلت إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إسنادها لله عز وجل وتروى بطريقتين:

  • الأولى أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه.
  • والثانية أن يقول: قال الله تعالى فيما رواه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3. نزل هذا القرآن باللفظ العربي

ومن خصائص القرآن الكريم هو أنه نزل باللفظ العربي لقوله تعالى:

“نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين”.

ويترتب على ذلك أن ترجمة هذا القرآن إلى اللغات الأخرى لا تسمى قرآنًا مهما كانت دقة هذه الترجمة، وبالتالي فلا تصح الصلاة بترجمة القرآن. كما يترتب على ذلك أن تفسير القرآن لا يعتبر قرآنًا مهما كان التفسير مطابقًا للألفاظ المفسرة في دلالتها، لأن فهم المرء من تفسير يحتمل الخطأ كما أن ألفاظ القرآن أنزلت من عند الله تعالى فلا يقوم غيرها مقامها.

4. أن هذا القرآن قطعي الثبوت

أن هذا القرآن قطعي الثبوت لأنه قد نقل إلينا وإلى من قبلنا بالتواتر لفظًا (مشافهة) وكتابة من وقت نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا، ثم إلى بعدنا، وهذا التواتر جعله قطعي السند.

ويترتب على ذلك أن القراءة غير المتواترة لا تعتبر قرآنًا فلا تصح الصلاة بها ولا يُتعبد بتلاوتها.

وقد مثل لها الفقهاء بما قرأه عبد الله بن مسعود من قوله تعالى: “فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام”..”متتابعات” بزيادة كلمة “متتابعات”، وقد حملت هذه القراءة على أنها تفسير للثلاثة أيام على رأي ابن مسعود، وكذلك ورد في قوله تعالى في سورة البقرة:

“وعلى الوارث مثل ذلك”.

فقد زاد عبد الله بن مسعود في قراءته “ذي الرحم المحرم” بعد قوله تعالى “الوارث”.

5. أن هذا القرآن قد تكفل الله بحفظه

ومن خصائص القرآن الكريم أيضًا أن هذا القرآن قد تكفل الله بحفظه من وقت نزوله إلى يوم الدين لقوله تعالى:

“إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.

إعجاز القران الكريم

القرآن الكريم يمثل المعجزة الكبرى التي دلت على صدق الرسول فيما بلغ به عن الله تعالى وفي رسالته.

وهذه المعجزة تخاطب العقل البشري وهو القاسم المشترك بين جميع البشر في كل الأزمنة ليتحقق التسليم برسالته إلى يوم الدين لكونه خاتم الأنبياء والمرسلين.

وفي هذا تختلف معجزة القرآن عن غيرها من المعجزات الحسية للأنبياء السابقين وهذا يرجع في تقدير الفقهاء إلى أمرين:

الأمر الأول:

أن العقل البشري قد وصل إلى مرحلة الرشد ومن ثم فإن المناسب أن يخاطب بما يحفزه ويستثيره ويؤكد على عجزه أمام المعجزة الإلهية.

الأمر الثاني:

أن رسالة الرسول لجميع الأمم في جميع الأزمنة والأمكنة وهي مستمرة إلى يوم الدين ومن ثم فإن البشر يشتركون في قدرة التفكير. فإذا تحقق عجز العقل البشري على الإتيان بمثل هذا القرآن فإن ذلك يمثل إقرار البشرية بنبوءة هذا الرسول وصدقه فيما بلغ به عن الله تعالى.

ولا يقتصر على هذا البشر بل يمتد ليشمل الجن منفردًا ومجتمعًا مع البشر، فقد وردت آيات تدل على ما سبق في قوله تعالى:

“أم يقولون افتراه قل فآتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين”.

وقوله تعالى:

“وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فإتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين”.

وقوله تعالى:

“قل لإن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا”.

وجوه إعجاز القرآن الكريم

يمكن الإشارة إلى بعض وجوه إعجاز القرآن الكريم في النقاط الآتية:

1. إعجاز القرآن الكريم من ناحية اللفظ

ويشمل ذلك بلاغته وفصاحته ودقة تراكيبه وتناسق عبارته وقوة جرسه.

فالقرآن في أعلى طبقات الكلام من ناحية جزالة ألفاظه ودلالتها على المعنى.

وهو في صورته اللفظية مع روعتها لا تعتبر من الشعر الموزون المقفي ولا من النشر المسجوع ولا من الخطابة المرسلة وإنما هو صورة منفردة لم يألفها العرب ولا غيرهم.

وهو على طول آياته وسوره لا يختف بعضه عن بعض في ذلك الإعجاز.

كما أن عبارته مطابقة لمقتضى الحال.

ولقد أقر بذلك بلغاء قريش وفصحاؤها مع بقاءهم على كفرهم وعنادهم.

كما أن القرآن الكريم يتناول الموضوع بأساليب متعددة ويتجلى ذلك في بعض قصص الأنبياء السابقين مثل موسى وعيسى وإبراهيم عليهم السلام، ومع ذلك نجد المعاني تتجدد في كل مرة، وليست تكرارًا لما سبق ذكره، وهذه القدرة على التنوع لا تأتي إلا للقرآن الكريم.

2. إعجاز القرآن الكريم من ناحية المحتوى

فإذا كان الإعجاز من ناحية اللفظ والتعبير فإن الإعجاز من ناحية المحتوى لا يمكننا الإحاطة به.

إلاّ أنه يمكن الإشارة إلى بعض جوانبه فيما يلي:

أ. إخباره بالغيب

ويشمل ذلك إخباره بأحوال الأمم السابقة ومواقفهم وما حدث مع الأنبياء والمرسلين السابقين على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك إخباره بقصة خلق الإنسان وخلق السموات والأرض وغير ذلك، وقد أشار القرآن لذلك في قوله تعالى:

“تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا”.

مع الأخذ بالاعتبار أن الرسول الذي نزل عليه هذا القرآن كان أميًا ولم يتلق العلم عن أحد، وإلى هذا يشير قوله تعالى:

“وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك”.

كما أن الإخبار بالغيب يشمل كذلك إخباره بأحداث ستقع وقد وقعت كما أخبر بها، مثل قوله تعالى:

“ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين”.

وقوله تعالى:

“ادخلوا المسجد الحرام إن شاء الله آمنين”.

وقوله تعالى بشأن موقعة بدر:

“سيهزم الجمع ويولون الدبر”.

ب. اشتماله على الحقائق العلمية

اشتماله على الحقائق العلمية التي تكشف بعض أسرار الخلق، سواء في الجماد أو النبات أو الحيوان أو الإنسان.

وهذه الحقائق يتجلى بعضها في اكتشافات العلم وتقدمه على مر العصور والأجيال تحقيقًا لقوله تعالى:

“سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق”.

ومن هذه الآيات قوله تعالى:

“ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلنا نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فقخلقنا ملضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثم أنشأناه خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين”.

وقوله تعالى:

“وأرسلنا الريح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه”.

وقوله تعالى:

“وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل على بعض في الأكل”.

وقوله تعالى:

“إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولأن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليمًا غفورًا”.

وغير ذلك من الآيات.

وهذا الإعجاز العلمي ينبغي أن يدفع المسلمين إلى الرقي والتقدم العلمي ومبارزة الأمم الأخرى في هذا المجال لأن كتابهم يحثهم على ذلك.

ج. الإعجاز التشريعي

يتجلى في هذا الجانب بوضوح عظمة القرآن الكريم وخلوده في ناحية التشريع وسن الأنظمة والقواعد التي تنظم علاقة الإنسان بالإنسان وبالمجتمع الذي يعيش فيه وبيان حقوقه وواجباته وهذا الجانب الإعجازي يتمثل فيما يلي:

الشمولية

شمول القرآن لكل جوانب حياة الإنسان سواء ما يتصل بعقيدته أو بأخلاقه أو بمعاملاته بكل أبعادها وأنواعها، ولا يوجد تشريع بشري يحتوي على ذلك.

الصلاحية

صلاحية هذه الأنظمة لجميع العصور ومختلف البيانات، وهذا لا يتأتى إلا للخالق العليم بما يصلح خلقه.

التنوع

تنوع أساليب هذا التشريع مع دقته وإحكامه، فاجتمع إعجاز المبنى مع إعجاز المعنى.

الملائمة

الملائمة بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة دون أن يطغى أحد الجانبين على الآخر، وقد حقق القرآن في ذلك ما لم تحققه مختلف الأنظمة البشرية، سواء الغربية منها أو الشرقية.

المزاوجة

المزاوجة بين أفعال القلوب وأعمال الجوارح في مجال الخطاب التشريعي، وذلك يتضمن الأوامر والنواهي وقواعد السلوك، وقد أعطى القرآن الكريم بذلك بعدًا أخلاقيًا مما يعتبر خاصية لهذا التشريع فميزه عن غيره من النظم والتشريعات والقوانين.

التدرج

تنوع درجات الخطاب التشريعي بين الترغيب والترهيب وبين درجات الإلزام وبين الفرض والواجب والمندوب وغير ذلك.

التغطية

النص على القواعد الأساسية لمختلف الأنظمة القانونية والتشريعية التي لا تختلف باختلاف الزمان أو المكان أو الأشخاص، وبذلك أمكن تثبيت دعائم المجتمع البشري من ناحية التشريع، حتى لا يكون هناك مجال لاختراقها أو إخضاعها للأهواء والمصالح الذاتية.

كذلك يمكن للقضاء والعلماء اشتقاق الفروع والجزئيات من هذه القواعد، وإعجاز العبارة القرآنية في هذا الأمر يسمح بذلك. ومن ثم كان على الأجيال أن تهتم بذلك وهذا بُعد آخر للإعجاز التشريعي لا يتأتى إلا بالقرآن.

قابلية التطبيق

كان التشريع القرآني في جانب منه يتنزل بمناسبة حوادث فردية أو جماعية، ومن ثم كان يمثل تطبيقًا حيًا لواقع الحياة الإنسانية ويستجيب لمتطلباتها، وكانت أحكامه تنطبق على هذه الحوادث وفي نفس الوقت تنطلق منها لتشمل الحوادث المتجددة بعد ذلك ولا تفقد عنصر الصلاحية وهذا لا يتأتى إلاّ بالقرآن كذلك.

الأسس العقائدية

ارتكاز التشريع القرآني على قواعد العقيدة، كالربط بين التشريع وقضية الإيمان أمر ظاهر في القرآن، وهذا بحد ذاته مصلحة للمجتمع البشري لكي تتوحد فيه الأهداف والغايات.

احترام العقل البشري

احترام العقل البشري وجعل التفكير فريضة قرآنية يجعل حقائق التشريع لا تصطدم مع منطق العقل البشري بل ويدعوه إلى التأمل والتدبر ومن ثم تطوير كثير من أحكام الفروع وبما يناسب مقاصد الشارع.

دلالة ألفاظ القرآن الكريم

القرآن الكريم كما عرفنا قد نقل إلينا بالتواتر فهو قطعي السند والثبوت، وهو ما تم الإشارة إليه في بند خصائص القرآن الكريم.

أما دلالة ألفاظ القرآن الكريم على الأحكام التي تضمنتها قد تكون دلالة قطعية وقد تكون دلالة ظنية.

وفيما يلي شرحًا مفصلا لكلا النوعين من الألفاظ:

النوع الأول:

النوع الأول من الألفاظ ما لا يحتمل إلا مدلول واحد بتعيين فهمهه منه ولا يحتمل تأويلا وذلك مثل الآيات التي بها ألفاظ خاصة مثل ألفاظ العدد في مثل قوله تعالى: “الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة”، ومثلما جاء بآيات المواريث “ولكم نصف ما ترك أزواجكم” وقوله “ولهن الربع مما تركتم”، إلى غير ذلك من ألفاظ العدد. فإذا كان اللفظ خاصًا لا يحتمل إلى معنى واحدًا لا يقبل التأويل كانت دلالته على الحكم قطعية فلا تكون موضع خلاف بين المجتهدين لأنها تفيد القطع واليقين.

النوع الثاني:

النوع الثاني من الألفاظ ما كان محتملا لأكثر من معنى، فهو يقبل التأويل، ودلالة هذا النوع على الحكم المستفاد منه دلالة ظنية مثل اللفظ المشترك في قوله تعالى: “والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء” فالقرء قد يحتمل معنى الطهر أو معنى الحيض ولهذا اختلف الفقهاء في ذلك. ومثل كلمة اللغو الورادة في قوله تعالى: “لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم”، فقد اختلف العلماء في المعنى المقصود منها، فبعضهم حملها على معنى الحلف الذي لا يقصد به توكيد الكلام وحملها بعضهم على حلف الإنسان على شيء يظنه كما وقع فيه فيتبين خلافه. وكذلك كلمة سلطانًا الورادة في قوله تعالى: “فقد جعلنا لوليه سلطانًا فلا يسرف في القتل”، فقد يكون المعنى المراد منها هو التسلط في القتل خاصة، وقد يكون المعنى هو التسليط في القتل أو العفو أو أخذ الدية، وهكذا.

القرآن الكريم - تعريفه وخصائصه وإعجازه ودلالة ألفاظه
القرآن الكريم – تعريف القرآن الكريم – خصائص القرآن الكريم – إعجازه – دلالة ألفاظه
error:
Scroll to Top