ملخص المحتوى
القانون الدستوري، نشأته وتعريفه وفقًا لثلاثة معايير، حسب المعيار اللغوي والمعيار الشكلي وحسب المعيار الموضوعي، رأي المؤلف في التعريف.
المحتويات
نشأة القانون الدستوري
يمثل القانون الدستوري في الواقع أهمية بالغة لاعتباره الإطار القانوني العام لنظام الحكم في المجتمع وكيفية ممارسة السلطة. ومع ذلك، ورغم تلك الأهمية، فإنه لم يلق الاهتمام والعناية من جانب الباحثين القانونيين والفقهاء السياسيين إلاّ منذ وقت حديث نسبيًا.
ففي فرنسا مثلا بدأ استخدام هذا الاصطلاح: “القانون الدستوري”، لأول مرة منذ قرن ونصف من الزمان تقريبًا، وعلى وجه التحديد في عام 1834م، حينما قرر جويزو Guizot والذي كان يعمل وزيرًا للمعارف في عهد الملك لويس فيليب، إنشاء أول كرسي يحمل “كرسي القانون الدستوري” في كلية الحقوق بباريس وذلك بهدف كسب التأييد الشعبي للنظام السياسي الجديد الذي أتى به دستور سنة 1830م. وكان ذلك بمقتضى الأمر الصادر في 22 أغسطس سنة 1834م، والذي نص على أن الغرض من تدريس ذلك القانون شرح أحكام الوثيقة الدستورية (بالفرنسية: La Charte)، وضمانات الحقوق الفردية وكذلك النظام السياسي (بالفرنسية: Institutions Politiques) الذي تقرره الوثيقة المذكورة. أما قبل هذا التاريخ فكانت موضوعات القانون الأساسي تدرس ضمن مادة القانون الإداري وكان يطلق عليه حينئذِ “القانون العام” أو “القانون السياسي”، ثم أُلغي هذا الكرسي عام 1852م ولكنه أُعيد مرة أخرى عام 1882م في قسم الدكتوراه بالكلية ثم في قسم الليسانس عام 1889م.
ومنذ ذلك التاريخ استقر اصطلاح القانون الدستوري في فرنسا.
تعريف القانون الدستوري
رغم أن اصطلاح القانون الأساسي أو الدستوري أصبح في الوقت الحاضر شائع الاستعمال، إلاّ أن الفقهاء لم يتفقوا على تعريف محدد له، بل تعدد تعريفاتهم في هذا الخصوص بتعدد الزوايا التي ينظر من خلالها كل منهم إلى هذا الفرع من فروع القانون العام.
ويمكن رد مختلف هذه التعريفات إلى ثلاثة معايير تتمثل في:
- المعيار اللغوي
- المعيار الشكلي
- والمعيار الموضوعي
معايير تعريف القانون الدستوري
أولا: تعريف القانون الدستوري حسب المعيار اللغوي
يقوم هذا المعيار أساسًا على البحث في الأصل والاشتقاق اللغوي لكلمة “دستور” والتي يقابلها في اللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية اصطلاح (Constitution). وتعني هذه الكلمة في اللغة العربية الأساس أو القاعدة. وتعني في اللغتين الفرنسية والإنجليزية التأسيس (بالفرنسية: Establissement) أو النظام (بالفرنسية: Institution).
ولهذا فقد تم تعريف القانون الدستوري طبقًا لهذا المعيار بأنه:
“مجموعة القواعد القانونية التي تنظم أسس الدولة وتحدد طريقة تكوينها”.
تعريف القانون الدستوري
كذلك عرّف بأنه:
“فرع القانون العام الذي يحدد كيفية تكوين التنظيمات والهيئات السياسية وتنظيم سير نشاطها داخل الدولة”.
تعريف القانون الدستوري
وهكذا يربط هذان التعريفان بين القانون الأساسي والدولة على أساس أن الدستور يتضمن كافة القواعد التي تبين اركان الدولة وما يتصل بها من تنظيمات وهيئات سياسية، وكذلك نظام الحكم فيها.
وفي ذلك يقول لويس تروتاباس Louis Trotabas:
“أن موضوع القانون الدستوري ينصب على دراسة العناصر المكونة للدولة”
“وبصورة أكثر تحديدًا ينصب على بيان السلطات العامة في الدولة والوظائف الدستورية المسندة لكل منهم.”
لويس تروتاباس
نتائج التعريف حسب المعيار اللغوي
يتفرع عن ذلك أن دراسة القانون الدستوري تشتمل على الموضوعات المتعلقة بتنظيم كل من:
- السلطات العليا أو الحاكمة
- والسلطات التابعة أو التنفيذية
- وكذلك السلطات القضائية المختصة بحسم المنازعات وتطبيق القانون
- وأخيرًا تنظيم القواعد المتعلقة بتكوين الجماعة التي تتكون منها الدولة
إن المعيار اللغوي في تعريف القانون الدستوري إنما يُعطي لهذا القانون مفهومًا واسعًا، حيث يجعله غير مقتصر على بيان نظام الحكم في الدولة فقط وإنما يمتد ليشمل كل ما يتعلق بالإدارة والقضاء وقواعد الجنسية، وهذا ما يتنافى مع الاعتبارات الأكاديمية أو التقاليد الجامعية التي استقرت حتى قبل ظهور القانون الدستوري ذاته، ذلك أن كل موضوع من الموضوعات الثلاثة الأخيرة تدخل دراسته ضمن إطار فرع آخر من فروع القانون، فالإدارة تدخل ضمن إطار القانون الإداري، والقضاء يدخل ضمن إطار قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإجراءات الجنائية، أما قواعد الجنسية فإنها تدخل في كثير من الدول ضمن إطار القانون الدولي الخاص، ومن ثم فإن الأخذ بهذا التعريف يتعارض مع العُرف المستقر في كليات الحقوق، ويؤدي بالتالي إلى التعارض أو التضارب في مناهج الدراسة بها.
إضافة إلى ذلك، فقد ذهب البعض بحق إلى القول بأن:
“الاصطلاحات القانونية لا يجوز تفسيرها تفسيرًا لغويًا بحتًا أو حسب المعيار اللغوي. لأن لكل علم لغته كما أن للكلمات الحق في أن يكون لها المعنى الذي جرى على لسان العُرف. وفي لغة علم القانون لم يجرِ العُرف بل ولم يُعرف بتاتًا أن لاصطلاح “القانون الدستوري”.
ذلك المعنى الذي يحمّله إياه ذلك التفسير اللغوي.
من هنا، فقد هُجر المعيار اللغوي عند تعريف القانون الدستوري. وأصبح هذا التعريف مقتصرًا الآن على كل من المعيار الشكلي والمعيار الموضوعي.
وهو ما سوف يتم توضيحه فيما يلي.
ثانيًا: التعريف حسب المعيار الشكلي
يعتمد المعيار الشكلي في تعريف القانون الأساسي على الربط بين هذا القانون والوثيقة الدستورية ذاتها.
ومن ثم يصبح القانون الدستوري طبقًا لهذا المعيار هو:
“الدستور وما ورد به من أحكام ونصوص”
تعريف القانون الدستوري حسب المعيار الشكلي
وبمعنى آخر، فإن القانون الدستوري هو مجموعة القواعد القانونية المدونة في وثيقة رسمية يطلق عليها اصطلاحًا اسم: “الدستور”. والتي تكون مطبّقة فعلا في وقت معين وفي بلد معين. وعلى ذلك تُعد قاعدة دستورية كل قاعدة تضمنتها هذه الوثيقة أيًا كان موضوعها. كما أن كل قاعدة لا تشتمل عليها تلك الوثيقة لا تُعد قاعدة دستورية، حتى وإن كانت لها علاقة بالموضوعات الدستورية.
فالمعيار الشكلي في تعريف القانون الأساسي يعتمد إذن على مصدر القواعد القانونية أو الشكل الذي تصدر فيه وكذلك الإجراءات التي تتبع في وضعها وفي تعديلها والتي تختلف عن إجراءات وضع وتعديل القوانين العادية، إضافة إلى أن السلطة التي تباشر تلك الإجراءات والتي يطلق عليها: “السلطة التأسيسية” يجب أن تكون في وضع أسمى وأعلى من السلطة التشريعية. وتختلف عن هذه الأخيرة سواء من حيث التشكيل أو من حيث الإجراءات المتبعة أمامها.
نتائج على التعريف حسب المعيار الشكلي
يتفرع عن ذلك أن تكون دراسة القانون الدستوري عبارة عن دراسة وشرح قانون الدستور أي دراسة وشرح القواعد الوضعية المدونة في وثيقة الدستور.
ولقد كان ظهور المعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري نتيجة ظهور وانتشار حركة تدوين الدساتير في العالم والتي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1787 ومنها انتقلت إلى فرنسا عام 1791 ثم إلى العديد من دول العالم الأخرى، وهذا أمر منطقي وبديهي حيث لا يُتصور تعريف القانون الدستوري بأنه الوثيقة الدستورية المدونة أو المكتوبة في بلد لا توجد به هذه الوثيقة.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الدستور طبقًا للمعيار الشكلي قد يكون موجزًا، وهو يكون كذلك إذا أغفل ذكر بعض المسائل ذات الصبغة الدستورية، ومثال ذلك الدستور الفرنسي الصادر عام 1875 الذي أغفل النص على الحريات العامة، وكذلك الدساتير المصرية المتعاقبة التي أغفلت النص على قواعد وإجراءات الانتخابات الخاصة بأعضاء البرلمان، حيث أحالت في خصوصها إلى المشرع العادي.
كما قد يكون الدستور طبقًا للمعيار الشكلي مفصلا، وذلك إذا تناول موضوعات ليس بطبيعتها موضوعات دستورية، أي مصطبغة بالصبغة الدستورية، كالنص الذي ورد في الدستور الفرنسي لعام 1848 بإلغاء عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية، وكذلك النص الذي ورد في الدستور المصري لعام 1971 والخاص بتقسيم جمهورية مصر العربية إلى وحدات إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية (المادة 161)، فمثل هذه النصوص وإن كانت تُعد من حيث الشكل نصوصًا دستورية، إلا أنها ليست كذلك من حيث الطبيعة أو الموضوع كما سيظهر بعد قليل.
تقدير المعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري
يتميز المعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري بالوضوح وسهولة الفهم، فهو في الواقع معيار بسيط ومحدد إذ يحصر القانون الدستوري فقط في الوثيقة الدستورية التي يتم وضعها من قِبل سلطة مختصة وطبقًا لإجراءات معينة. وهذا هو ما تعتمد عليه فكرة جمود الدساتير. ومن ثم سموّها على غيرها من التشريعات العادية، الأمر الذي يترتب عليه نتيجة قانونية هامة وهي ضرورة خضوع تلك التشريعات العادية للقواعد الدستورية، بحيث لا يستطيع المشرع، فيما يصدره من تشريعات، أن يخالف قاعدة من هذه القواعد الأخيرة، ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أنه رغم وضوح وسهولة المعيار الشكلي وصلاحيته في التمييز بين القواعد الدستورية وما عداها من قواعد قانونية أخرى إلاّ أنه معيب من عدة وجوه:
(1)
فمن ناحية: لا يصلح في البلاد ذات الدساتير العرفية أي البلاد ذات الدساتير غير المكتوبة أو غير المدونة مثل إنجلترا، وذلك بداهة لعدم وجود وثيقة دستورية تُتخذ أساسًا لتعريف القانون الدستوري، والقول بغير ذلك يعني ببساطة إنكار وجود قانون دستوري في تلك البلاد وهو ما يجافي الواقع الفعلي أو العملي لهاـ إذ من المسلم به أن لكل دولة دستورًا سواء أكان عرفيًا أو مكتوبًا يبين كيفية ممارسة وظيفة الحكم فيها، أو كيفية ممارسة كل سلطة من السلطات العامة لوظائفها.
(2)
ومن ناحية أخرى: فإن المعيار الشكلي – حتى في الدول ذات الدساتير المكتوبة – لا يتسم بالدقة في تحديد قواعد القانون الدستوري، تلك القواعد التي تتعلق أساسًا بنظام الحكم في الدولة والتنظيم السياسي بها، ذلك أن مثل هذا المعيار قد يُخرج من نطاق هذه القواعد مسائل ذات صلة وثيقة بهذه المووضوعات، وقد يُدخل في نطاقها من جهة أخرى مسائل لا تُعد بطبيعتها دستورية. وبيان ذلك كما يلي:
أن المشرع الدستوري قد يضمن الوثيقة الدستورية أحكامًا تعالج عادة بتشريع عادي كالأحكام الخاصة بالتنظيم الإداري أو القضائي أو الاقتصادي، رغبة منه في إضفاء صفة الثبات والاستقرار على مثل هذه الأحكام، حيث تتمتع في هذه الحالة بما تتمتع به الدساتير من حصانة وقدسية فتخرج بالتالي عن نطاق الرقابة القضائية، كما لا يجوز للمشرع العادي أن يتناولها بالتعديل أو التبديل وهنا يُوصف الدستور كما ذكرنا بأنه دستور مُفصّل.
كما أن الوثيقة الدستورية قد لا تتضمن كثيرًا من القواعد التي تُعد بطبيعتها قواعد دستورية، وذلك كالقواعد الدستورية العرفية التي تتعلق بنظام الحكم في الدولة وسير السلطات العامة فيها، أو تلك المتضمَنة في قوانين أساسية كقوعد الانتخاب في مصر والتي صدرت كما ذكرنا في صورة قوانين عادية رغم تعلقها بمسائل سياسية، الأمر الذي يُظهر قصور المعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري، خاصة إذا لاحظنا أن هناك هيئات سياسية لها دور بارز في تحريك الحياة السياسية داخل الدولة ومع ذلك لا تتضمن الوثائق الدستورية لكثير من الدول أية إشارة لها، أو أنها تتضمن إشارة مقتضبة لا تعبر عن حقيقة تلك الهيئات. ومثال ذلك تلك المادة الخامسة ح من الدستور المصري الصادر عام 1971 والمعدلة عام 1980، حيث أحالت في خصوص تنظيم الأحزاب السياسية إلى تشريع عادي، فقد نصت على أن:
يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور، وينظم القانون الأحزاب السياسية”.
المادة الخامسة ح، القانون الدستوري المصري الصادر عام 1971 والمعدلة عام 1980.
المنطق العلمي
وأخيرًا، يؤخذ على المعيار الشكلي أنه يتنافى مع المنطق العلمي، ذلك أنه سيؤدي إلى اختلاف تعريف القانون الدستوري من دولة إلى أخرى، ومن وقت إلى آخر، لا لشيء إلاّ لاختلاف الوثيقة الدستورية الأمر الذي يتعارض مع طبيعة التعريف الذي يجب أن يتضمن طبيعة المُعرّف ومضمونه دون تأثر بالظروف المحيطة (المكان أو الزمان).
نخلص مما سبق إلى أنه يصعب الاعتماد على المعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري، ومن ثم في إعطاء صورة حقيقية ودقيقة لهذا القانون. لذلك فقد اتجهت غالبية رجال الفقه الدستوري إلى المعيار الموضوعي في هذا الشأن.
وهو ما نبينه فيما يلي.
ثالثًا: التعريف حسب المعيار الموضوعي
يعتد المعيار الموضوعي عند تعريف القانون الأساسي بالجوهر والمضمون لا بالشكل أو الإجراءات الواجبة الاتباع.
ومن ثم فهو لا يقيم وزنًا للوثيقة الدستورية في ذاتها، بل ينظر إلى جوهر وطبيعة القواعد القانونية أو إلى مضمون هذه القواعد لمعرفة ما إذا كانت تعد قواعد دستورية أو لا تعد كذلك، سواء كانت مدونة في وثيقة دستورية أم غير مدونة في هذه الوثيقة. وبذلك يتلافى هذا المعيار العيوب التي وُجهت إلى المعايير السابقة. وهو يتفق من ناحية مع الاعتبارات الأكاديمية أو التقاليد الجامعة في تقسيمها لفروع القانون المختلفة.
كما أنه يعطي من ناحة أخرى مضمونًا عامًا للقانون الأساسي يصلح في كل دولة دون أن يتوقف ذلك على النظر إلى الوثيقة الدستورية وما تحتويه من قواعد ومبادئ. كما أنه يتلائم كذلك مع الدول ذات الدساتير العرفية مثل إنجلترا.
بالإضافة إلى ذلك فإن هذا المعيار يعتبر في الواقع معيارًا دقيقًا. ذلك لأنه سيقصر معنى القواعد الدستورية على تلك القواعد التي تكون بطبيعتها وجوهرها دستورية. ومن ثم فهو يستبعد من نطاقه كافة القواعد التي لا تتسم بهذه الصفة حتى ولو كان منصوص عليها في الدستور أو الوثيقة الدستورية.
والسؤال الذي يمكن أن يُثار في هذا الصدد هو عن ماهية القواعد التي تكون بطبيعتها وجوهرها دستورية؟
أو بمعنى آخر ما هية المسائل أو الموضوعات التي تدخل في إطار القواعد الدستورية طبقًا للمعيار الموضوعي؟
لقد اختلف الفقه الدستوري في تحديد هذه الموضوعات مما كان له أثره أيضًا في اختلاف تعريفاتهم للقانون الدستوري من الناحية المادية أو الموضوعية. وقد تركز اختلافهم بصفة أساسية حول ثلاثة موضوعات وهي:
- الدولة
- الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يستند إليها نظام الحكم
- السلطة والحرية
رأي المؤلف في تعريف القانون الدستوري
بعد استعراض مختلف المعايير التي قيل بها لتعريف القانون الدستوري، يتضح لنا أن أفضل هذه المعايير هو المعيار الموضوعي. حيث يتجنب مختلف أوجه النقد التي وُجهت للمعايير الأخرى، كما أنه في ذاته معيارًا منطقيًا يقوم على أساس جوهر المسائل التي تعالجها القاعدة الدستورية. وذلك بصرف النظر عن الفلسفة السائدة في المجتمع أو عن نظام الحكم المتبع في هذا المجتمع. وسواء كانت هذه القاعدة صادرة عن المشرع الدستوري أو عن المشرع العادي، أم كان أساسها العُرف الدستوري.
وهذا هو ما يتفق وواقع الحال من حيث وجود قانون دستوري في سائر الدول. لا فرق في ذلك بين الدول ذات الأنظمة الديمقراطية عن الدول ذات الأنظمة الدكتاتورية أو الاستبدادية.
وفي كلمة واحدة يمكن القول أن هذا المعيار يتسم بكونه من ناحية معيارًا جامعًا حيث يجمع بين طياته كافة القواعد التي تكون بطبيعتها وجوهرها دستورية، كما أنه يتسم من ناحية أخرى بكونه معيارًا مانعًا، حيث لا يتضمن أية قاعدة لا تتوافر فيها هذه الطبيعة أو الجوهر حتى وإن كان منصوص عليها في صلب الوثيقة الدستورية.
ومن ثم، يمكن تعريف القانون الدستوري بأنه:
مجموعة القواعد القانونية ذات العلاقة بالدولة. أي القواعد التي تبين شكل هذه الدولة ونوعها. ومن ناحية أخرى ذات العلاقة بنظام الحكم فيها. وهي القواعد الخاصة بتنظيم السلطات العامة وبيان اختصاصات كل منها والعلاقة فيما بينها وكذلك الخاصة بضمان حقوق الأفراد وحرياتهم.
تعريف جامع مانع للقانون الدستوري – المؤلف
وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنه إذا كنا قد انتهينا إلى تفضيل المعيار الموضوعي في تعريف القانون الدستوري وذلك للاعتبارات السابقة، فإنه يجب أن نشير إلى أن هذا المصطلح (القانون الدستوري) يختلف عن مصطلح (الدستور)، ذلك أنه إذا كان المصطلح الأول وهو مصطلح القانون الدستوري يُطلق كما ذكرنا على مجموعة القواعد القانونية المتعلقة بكل من الدولة وبنظام الحكم فيها والتي قد تكون مدونة أو غير مدونة في وثيقة دستورية، فإن مصطلح الدستور يُطلق فقط على الوثيقة الدستورية ذاتها. الأمر الذي ينتج عنه فارقًا من ناحيتين:
الأولى:
أنه بينما توجد القواعد الدستورية في كل دولة وفي كل وقت أيًا كانت طبيعة هذه القواعد، نجد أن الوثيقة الدستورية قد لا توجد بشكل دائم في كثير من الدول. بل وقد لا توجد على الإطلاق كما هو الحال في الدول ذات الدساتير العرفية.
الثانية:
قد تكون الوثيقة الدستورية أوسع نطاقًا من القانون الدستوري. وذلك إذا تضمنت قواعد ليست من طبيعة دستورية طبقًا للتعريف الذي أوردناه لهذا القانون. كما قد تكون أضيق نطاقًا من القانون الدستوري وذلك إذا لم تتناول موضوعات أو قواعد تعتبر دستورية بطبيعتها أو جوهرها لاتصالها اتصالا وثيقًا بالنظام الدستوري في الدولة. وذلك على التفصيل السابق بيانه بمناسبة المعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري.
المصدر
- كتاب: النظرية العامة للقانون الدستوري وتطبيقاتها في مصر. الدكتور: رمضان محمد بطيخ
- أستاذ ورئيس قسم القانون العام
- كلية الحقوق، جامعة عين شمس
- المحامي بمحكمة النقض والإدارية العليا والدستورية العليا