الشخصية المعنوية للشركة ونتائجها
الشخص في لغة الفلسفة والأخلاق هو الإنسان. أما الشخص في نظر القانون فهو كائن صالح لأن تكون له حقوق وعليه واجبات. فهو يشمل الإنسان، ويقال له الشخص الطبيعي، كما يشمل جماعة الأفراد أو مجموعة من الأموال يسبغ عليها القانون الشخصية القانونية فتصبح شخصًا اعتباريًا أو معنويًا Personne morale. وعليه فإن الشخص المعنوي أو الاعتباري ليس سوى جماعة من الأشخاص يضمهم تكوين يرمي إلى هدف معين أو مجموعة من الأموال تُرصد لتحقيق غرض معين يخلع عليها القانون الشخصية، فتكون شخصًا مستقلاً ومتميزًا عن الأشخاص الذين يساهمون في نشاطها أو يفيدون منها، كالدولة، والجمعية، والشركة والمؤسسة. وقد اعترف نظام الشركات السعودي بالشخصية المعنوية للشركة – لجميع أنواع الشركات التي نظمها – باستثناء شركة المحاصة وذلك نظرًا لكونها شركة مستترة لا وجود لها أمام الغير.
وليس من شأننا هنا أن ندخل في دراسة النظريات التي قال بها الفقه لتحديد طبيعة الشخصية المعنوية وهل هي حقيقة (Realite) أم خيال (Fiction)، إذ أن ذلك يتجاوز موضوع دراستنا ويدخل ضمن موضوعات مدخل العلوم القانونية. والذي يهم دراستنا هو فقط كيفية اكتساب الشركة الشخصية المعنوية والنتائج المترتبة على اكتساب الشركة لهذه الشخصية. هذا هو ما سنبحثه على التوالي في المبحثين القادمين.
المحتويات
اكتساب الشخصية المعنوية وانقضاؤها
تكتسب الشركة الشخصية المعنوية كقاعدة عامة بمجرد تكوينها. وقد نصّت على ذلك صراحة المادة الثالثة عشرة من نظام الشركات بقولها: “فيما عدا شركة المحاصة تعتبر الشركة من وقت تأسيسها شخصًا اعتباريًا”. وعلى ذلك فإن اكتساب الشخصية المعنوية لا يتوقف في المملكة على القيام بإجراءات الشهر التي نص عليها النظام. فالشركة تكتسب الشخصية المعنوية ولو كانت غير مشهرة.
وموقف نظام الشركات السعودي هذا وإن كان يتفق مع موقف معظم التشريعات العربية كالقانون المصري والقانون الكويتي إلا أنه يخالف اتجاه التشريعات الحديثة والتي تجعل من القيد في السجل التجاري شرطًا لاكتساب الشركة الشخصية المعنوية كالتشريع الفرنسي والتشريع الألماني.
وإذا كان الأصل أن الشركة تكتسب الشخصية المعنوية من تاريخ تكوينها فإنه لا يجوز الاحتجاج بهذه الشخصية على الغير إلا بعد استيفاء إجراءات الشهر (المادة 13). غير أنه لما كان الشهر مقصودًا به إعلام الغير بوجود الشركة ومن ثم رعاية مصلحته، فإنه يجوز للغير أن يتمسك بالآثار المترتبة على الشخصية المعنوية للشركة ولو لم تتم إجراءات الشهر.
وتظل الشركة محتفظة بشخصيتها المعنوية طوال فترة قيامها بنشاطها وحتى تنقضي بأي سبب من أسباب الانقضاء التي سنتناولها بالدراسة في الفصل الرابع من هذا الباب.
بيد أن انقضاء الشركة لا يعني زوال شخصيتها في الحال. بل تظل الشركة طبقًا لما تقضي به المادة 216 محتفظة بشخصيتها المعنوية في فترة التصفية. ومن ثم يكون للشركة في هذه الفترة الحق في استيفاء حقوقها لدى الغير. وعليها الوفاء بالتزاماتها قِبل الغير. كما يجوز إشهار إفلاسها متى توقفت عن دفع ديونها التجارية. وسنعود إلى هذا الموضوع عند بحث موضوع التصفية.
الشخصية المعنوية للشركة بعد التحوّل
ويلاحظ أنه يجوز للشركة أثناء حياتها أن تتحول من شكل إلى آخر. كأن تتحول شركة تضامن إلى شركة توصية بسيطة أو أن تتحول شركة توصية بالأسهم إلى شركة مساهمة. وعندئذ يثور التساؤل عن مدى أثر هذا التحول على الشخصية المعنوية. وهل يترتب عليه فناء الشخصية المعنوية القديمة للشركة واكتساب شخصية معنوية جديدة. أم أن الشخصية المعنوية تستمر في ظل الشكل الجديد. ولا شك أن لهذا التساؤل ما يبرره حيث يتعلق به مصير التزامات الشركة السابقة على التحول.
لقد تباينت التشريعات واختلف الفقه والقضاء إزاء هذه المسألة لذلك فقد أحسن نظام الشركات السعودي حين قضى صراحة في المادة 211 بأنه: “لا يترتب على تحوّل الشركة نشوء شخص اعتباري جديد وتظل الشركة محتفظة بحقوقها والتزاماتها السابقة على التحول”. وحين استخلص بالنص الصريح النتيجة المترتبة على ذلك فيما يتعلق بتحوّل شركة التضامن أو التوصية إلى شركة أموال فقرر أن التحول في مثل هذه الحالة لا يؤدي إلى إبراء ذمة الشركاء المتضامنين من مسئوليتهم عن ديون الشركة إلا إذا قبل ذلك الدائنون وإن كان قد افترض هذا القبول إذا لم يعترض أحدهم على قرار التحوّل خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إخطاره بخطاب مسجل (المادة 212).
موقف نظام الشركات السعودي
وموقف نظام الشركات السعودي هذا يتفق في الحقيقة مع موقف قانون الشركات الفرنسي الجديد الصادر في 24 يوليو 1966 والذي تنص الفقرة الأولى من المادة الخامسة منه على أن: “التحوّل النظامي للشركة لا يترتب عليه إنشاء شخص معنوي جديد”.
ولكن احتفاظ الشركة بشخصيتها المعنوية رغم تحوّلها لا يعني إعفاء الشركة من القيام بإجراءات التأسيس والشهر المقررة للشكل الذي تحوّلت إليه (المادة 210). فإذا تحوّلت شركة تضامن أو شركة ذات مسئولية محدودة إلى شركة مساهمة فلا بدّ من مراعاة جميع إجراءات تأسيس شركات المساهمة.
ومن أمثلة الشركات التي تحوّلت من شركات ذات مسئولية محدودة إلى شركات مساهمة شركة الكابلات السعودية التي وُوفق على تحوّلها بموجب القرار الوزاري رقم 74 وتاريخ ١٤٠٩/١/٢٢ه. كما وُوفق على تحوّل شركة بنده المتحدة للتجارة والأغذية بموجب القرار الوزاري رقم 109 وتاريخ ١٤١٠/١/٢٩ه. وشركة أميانتيت السعودية التي وُوفق على تحوّلها بموجب القرار الوزاري رقم 886 وتاريخ 1414/8/6ه.
نتائج اكتساب الشركة للشخصية المعنوية
يترتب على الاعتراف للشركة بالشخصية المعنوية تمتّعها بكافة الحقوق التي يتمتع بها الشخص الطبيعي إلا ما كان منها ملازمًا لصفة الإنسان الطبيعية (كحقوق الأسرة مثلاً). ومن ثم يكون للشركة ذمّة مالية مستقلة، وأهلية في حدود الغرض أنشئت أجله، واسم وموطن وممثل يعبر عن إرادتها وجنسية تربطها بدولة معينة. وسنتحدث عن هذه النتائج كل على حدة بشيء من التفصيل فيما يلي.
ذمة الشركة
للشركة باعتبارها شخصًا معنويًا ذمّة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء. تتكوّن من مجموع ما للشركة وما عليها من حقوق والتزامات مالية. وتتركب ذمّة الشركة في جانبها الإيجابي من مجموع الحصص التي يقدمها الشركاء وكافة الأموال والمنقولات التي تكتسبها نتيجة مباشرتها لنشاطها. وفي جانبها السلبي من الديون الناشئة عن معاملاتها.
ويترتب على تمتع الشركة بالذمّة المالية المستقلة النتائج الآتية:
1. انتقال ملكية الحصص إلى الشركة
تخرج الحصص المقدمة على سبيل التمليك من ذمم الشركاء وتنتقل إلى ذمة الشركة. ولا يكون للشركاء بعد ذلك إلا مجرّد نصيب في الأرباح الاحتمالية أو في الأموال التي تبقى بعد تصفية الشركة. وهذا النصيب لا يعدو أن يكون دينًا في ذمة الشركة. وحق الشريك هذا قِبل الشركة يعتبر ككل دين من طبيعة منقولة ولو كانت الحصة التي قدمها الشريك عقارًا. وعليه فلو أوصى شخص بجميع منقولاته لشخص آخر دخلت حصص الموصي في الشركات ضمن الوصية.
2. ذمة الشركة تشكل الضمان العام لدائني الشركة وحدهم دون دائني الشركاء الشخصيين
ومن ثم فلا يجوز لدائني الشريك أن يطالبوا بالحجز على أموال الشركة أو على الحصة التي قدمها الشريك في رأس المال. ويقتصر حقهم فقط على الحجز تحت يد الشركة على نصيب ذلك الشريك في الأرباح وذلك طالما أن الشركة قائمة. أما إذا انحلت الشركة وتمت التصفية فتزول عندئذ شخصيتها المعنوية. ولا يكون لدائني الشركة سوى الحجز على نصيب ذلك الشريك في فائض التصفية (المادة 1/6). وإذا كانت حصة الشريك ممثلة في أسهم فإنه يجوز لدائني الشريك فضلاً عما سبق، أن يطالبوا ببيع هذه الأسهم ليتقاضوا حقهم من حصيلة البيع. غير أن هذا الحكم لا يسري على أسهم الشركات التعاونية (المادة 2/6).
3. امتناع المقاصة بين ديون الشركة وديون الشركاء
فلا يجوز لأحد مديني الشركة أن يمتنع عن الوفاء بدينه لها بحجة أنه أصبح دائنًا لأحد الشركاء. كما لا يجوز لمدين أحد الشركاء أن يمتنع عن الوفاء بدينه له بحجة أنه أصبح دائنًا للشركة. وهذا نتيجة لاستقلال ذمة الشركة عن ذمة الشركاء فيها.
4. تعدد واستغلال التفليسات
الأصل أن إفلاس الشركة لا يستتبع إفلاس الشركاء. كما أن إفلاس أحد الشركاء لا يستتبع إفلاس الشركة، وذلك لاستقلال الذمم. غير أن إفلاس شركة التضامن وشركة التوصية بنوعيها يستتبع إفلاس الشركاء المتضامنين في الشركة نظرًا لمسئوليتهم التضامنية والمطلقة عن ديون الشركة. وعندئذ تتعدد التفليسات فتكون هناك تفليسة خاصة بالشركة وتفليسة خاصة بكل شريك على حدة.
أهلية الشركة
للشركة أهلية قانونية كاملة بالنسبة إلى الحقوق المالية وذلك في الحدود التي يعيّنها سند إنشائها أو التي يقررها القانون. فأهلية الشركة كشخص معنوي محدودة بحدود الغرض الذي قامت من أجله كما رسمه عقد الشركة أو نظامها. فإذا نص عقد الشركة أو نظامها على قيامها بنوع معين من التجارة فلا يجوز لها مباشرة نوع آخر إلا بعد تعديل العقد أو النظام. أما داخل حدود الغرض الذي قامت الشركة لتحقيقه فيكون لها أن تبرم كافة التصرفات القانونية من بيع وشراء، وإيجار واستئجار، وقرض واستقراض ورهن وارتهان. كما يكون لها أن توكل وتصالح وتقاضي. ويمثلها في كل ذلك مديرها أو ممثلها القانوني. كما يجوز للشركة أن تساهم في شركة أخرى.
وإذا كان الأصل أن للشركة أهلية ممارسة أي نوع من أنواع النشاط مادام مشروعًا، فإن القانون يحدّ أحيانًا من أهلية بعض الشركات التي تتخذ شكلاً معينًا، ويعتبرها “قاصرة” دون ممارسة بعض الأنشطة. ومثال ذلك ما نص عليه نظام الشركات السعودي في المادة 159 الذي يحظر على الشركات ذات المسئولية المحدودة القيام بأعمال التأمين أو الادخار أو البنوك.
أهلية التبرع
ولا تمتد أهلية الشركة كقاعدة عامة إلى التبرع. وذلك نظرًا لمنافاة ذلك لغرض الشركة وهو السعي لتحقيق الأرباح. ومع ذلك يجوز للشركة أن تتبرع في حدود ما يقضي به العرف والعادة، للأعمال الاجتماعية والخيرية. وبالمقابل يجوز للشركة قبول التبرعات التي لا تكون مقرونة بشروط تتنافى مع غرضها.
وتعتبر الشركة مسئولة مدنيًا عن الأفعال الضارة التي تقع من مديرها أو موظفيها أو الحيوانات أو الأشياء التي في حراستها. كما تعتبر مسئولة بداهة عن تنفيذ التزاماتها التعاقدية.
وإذا كان غرض الشركة القيام بالأعمال التجارية، فإنها تكتسب صفة التاجر وتتحمّل بالتزامات التجار كإمساك الدفاتر التجارية والقيد في السجل التجاري.
المسئولية الجنائية
أما فيما يتعلق بالمسئولية الجنائية، فقد استقر الفقه والقضاء على القول بعدم قيامها بالنسبة للشركة والأشخاص المعنوية بوجه عام. وذلك لأن العقوبة شخصية لا توقع إلا على الشخص الذي ارتكب الفعل الإجرامي. كما أنه من غير الممكن عملاً إيقاع العقوبات الجسمانية كالحبس والسجن على شخص معنوي ليس له وجود محسوس كالشركة. والذي يُسأل دائمًا في مثل هذا الغرض هو مرتكب الجريمة نفسه من ممثلي الشركة القانونيين.
ومع ذلك يجوز مساءلة الشركة عن الجرائم التي لا تتعدى عقوبتها الغرامات المالية. لأن الغرامة عمومًا لا تحمل معنى العقوبة البحتة بل بمثابة التعويض المدني وإصلاح الضرر الذي لحق بالخزانة العامة. أمثلة ذلك الغرامات التي تحكم بها اللجان الجمركية في مواد التهريب. والغرامات التي يحكم بها ديوان المظالم نتيجة مخالفة نظام الشركات. والغرامات التي يحكم بها نتيجة مخالفة أحكام نظام السجل التجاري.
اسم الشركة
يجب أن يكون لكل شركة اسم خاص بها يميّزها عن غيرها من الشركات. ويتم التوقيع به على سائر معاملاتها والتزاماتها.
ويختلف اسم الشركة باختلاف شكل الشركة. ففي شركات التضامن وشركات التوصية بنوعيها، يسمى الاسم عنوان الشركة (Raison sociale) وهو يتكون من أسماء الشركاء المتضامنين والذين يُسألون عن ديون الشركة في أموالهم الخاصة. وغالبًا ما يقتصر عنوان الشركة في مثل هذه الشركات على ذكر اسم أحد الشركاء المتضامنين مع إضافة عبارة “وشركاه”. أما في شركات المساهمة فليس للشركة سوى اسم تجاري (Une denomination commerciale) مُستمد كقاعدة عامة من الغرض الذي أنشئت من أجله الشركة. وسنرى فيما بعد أن الشركات ذات المسئولية المحدودة يجوز أن يكون لها عنوان أو اسم تجاري حسب رغبة الشركاء.
الموطن
لكل شركة أيضًا موطن خاص بها. ويُقصد بموطن الشركة المكان الذي يوجد فيه مركز إدارة الشركة الرئيسي (Siege social). أي المكان الذي توجد فيه “أجهزة الإدارة والرقابة” الخاصة بالشركة. وهو بالنسبة إلى شركات الأشخاص المكان الذي يباشر فيه المدير عمله. وبالنسبة إلى شركات الأموال المكان الذي تُعقد فيه اجتماعات مجلس الإدارة والجمعية العمومية.
وللشركة كامل الحرية في تحديد موطنها. فقد تختاره في نفس المكان الذي تباشر فيه نشاطها المادي، أي في مركز الاستغلال. وقد تختاره في مكان آخر. وغالبًا ما تثبت الشركات مراكز إداراتها في العواصم وتباشر نشاطها المادي في المناطق النائية والأقاليم.
ويعيّن نظام الشركة أو عقدها التأسيسي موطن الشركة. ولذلك فإن تغيير موطن الشركة يقتضي تعديل عقد الشركة أو نظامها وشهر التعديل بالطرق المقررة قانونًا لإمكان الاحتجاج به على الغير.
ولتحديد الموطن بالنسبة للشركة أهمية خاصة. إذ تُرفع الدعاوى على الشركة ويُطلب شهر إفلاسها أمام المحكمة التي يقع في دائرتها هذا الموطن. كما تُعلن إليها فيه جميع الأوراق القانونية. بل أن أهمية الموطن بالنسبة للشركة تفوق أهمية الموطن بالنسبة للشخص الطبيعي. إذ تتحدد جنسيتها ونظامها القانوني بالمكان الذي يوجد فيه هذا الموطن.
تمثيل الشركة
الشركة كشخص معنوي لا يمكنها أن تتعامل بذاتها. ومن ثم كان لا بدّ من وجود شخص طبيعي واحد أو أكثر لكي يعبّر عن إرادة الشركة ويدير شئونها ويمثلها في علاقاتها مع الغير وأمام القضاء.
ويمثل شركة المساهمة مجلس الإدارة ورئيسه وعضوه المنتدب. ويمثل الشركات الأخرى مدير أو أكثر وذلك وفقًا للقواعد والتفاصيل التي سيأتي ذكرها عند الحديث عن كل نوع من أنواع الشركات التجارية.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن الأشخاص الطبيعيين الذين أُنيط بهم التعبير عن إرادة الشركة وإدارتها لا يعتبرون كما يرى الفقه التقليدي وكلاء عن الشركة أو الشركاء وذلك نظرًا لاختلاف مركزهم عن مركز الوكيل كما تنظّمه القواعد العامة في الوكالة. فهم يعيّنون بموافقة أغلبية الشركاء في حين تقتضي قواعد الوكالة الإجماع. كما أنهم يملكون سلطات خاصة حددها القانون لا يملكها الشركاء نفسهم. لذا يذهب الفقه الجديد إلى اعتبار هؤلاء الأشخاص بمثابة أعضاء في جسم الشركة وممثلين قانونيين عنها.
جنسية الشركة
لكل شركة بالضرورة جنسية تثبت انتسابها لدولة معينة فلا توجد شركة “عديمة” الجنسية أي بلا جنسية. إذ متى فقدت الشركة جنسيتها دون أن تكتسب جنسية أخرى تحتم حلّها وتصفيتها. كما أنه لا توجد شركة “مزدوجة أو متعددة” الجنسية أي تحمل أكثر من جنسية. وإذا كانت هناك شركات توصف “بالدولية” كشركات الطيران والملاحة البحرية والبنوك والتأمين، فإن هذا الوصف يصدق فقط على نشاط هذه الشركات من حيث امتداده إلى إقليم أكثر من دولة، وليس على جنسية هذه الشركات.
وقد اختلفت التشريعات وتباينت آراء الفقه إزاء المعيار الذي ينبغي الأخذ به لتحديد جنسية الشركة. فنادى رأي بمعيار مكان تأسيس الشركة. وقال رأي ثانٍ بمعيار موطن الشركة. وأخذ رأي ثالث بمعيار مكان الاستغلال الرئيسي. وذهب رأي رابع إلى أن العبرة بمعيار الرقابة أو المصالح المسيطرة على الشركة والذي يستدل عليه من جنسية الشركاء أو جنسية مديري الشركة أو من مصدر الأموال فيها.
وتظهر أهمية تحديد جنسية الشركة في نواح كثيرة. منها معرفة النظام القانوني الذي تخضع له الشركة من حيث تكوينها وإدارتها وحلها وتصفيتها. ومنها معرفة الدولة التي تتمتع الشركة بحمايتها في المجال الدولي. ومنها معرفة الحقوق التي تتمتع بها الشركة. إذ أن كثيرًا من الدول يقرّر بعض الحقوق للشركات الوطنية دون الأجنبية كحق ممارسة التجارة، وحق التمتع ببعض الإعفاءات الضريبية وحق الحصول على بعض الإعانات المالية.
معيار جنسية الشركة في السعودية
أما نظام الشركات السعودي، فقد نص في مادته الرابعة عشرة على أنه وباستثناء شركة المحاصة تتخذ كل شركة تؤسس وفقًا لأحكام هذا النظام مركزها الرئيسي في المملكة، وتعتبر هذه الشركة سعودية الجنسية. ولكن لا تستتبع الجنسية بالضرورة تمتع الشركة بالحقوق المقصورة على السعوديين. واستنادًا إلى هذا النص يرى البعض أنه يُشترط لكي تكتسب الشركة الجنسية السعودية أن تؤسَّس وفقًا لأحكام نظام الشركات السعودي وأن تتخذ مركز إدارتها الرئيسي في المملكة.
غير أننا نعتقد أن نص المادة السابقة لا يضع معيارًا عامًا لاكتساب الشركات الجنسية السعودية. بل يقتصر فقط على إلزام جميع الشركات التي تؤسَّس في المملكة بأن تتخذ مركز إدارتها الرئيسي في المملكة. ويستتبع ذلك الاعتراف لمثل هذه الشركات بالجنسية السعودية. وهو ما يعني بعبارة أخرى أن نظام الشركات السعودي يأخذ فيما يتعلق بتحديد جنسية الشركة بمعيار الموطن. أي اتخاذ الشركة المملكة مركزًا رئيسياً لها. وعليه فلو تأسست شركة في الخارج واتخذت من المملكة موطنًا لها فإنها تكتسب الجنسية السعودية. كما أن الشركة التي تتخذ مركزها الرئيسي في المملكة تعتبر سعودية ولو كانت تباشر نشاطها في الخارج. والعبرة دائمًا بالمركز الحقيقي لا المركز الصوري.
الحقوق المكتسبة بالجنسية
ولكن اكتساب الشركة للجنسية السعودية بسبب تأسيسها أو اتخاذ مركز إدارتها في المملكة لا يعني الاعتراف لها بكافة الحقوق المعترف بها للسعوديين. ولقد أحسن المشرّع السعودي حين نص صراحة على هذا المبدأ العام في المادة السابقة. والذي تسلِّم به في الواقع جميع الدول. إذ لا شك أن مسألة تمتّع الشركة بالحقوق المعترف بها للوطنيين من الأفضل أن تُترك للمشرّع ينظمها في كل حالة على حسب مقتضيات المصلحة العامة وهدفه من كل تشريع يصدره. فقد تؤسَّس شركة وتتخذ موطنها في المملكة ولكن تكون تحت سيطرة أجنبية، وحينئذٍ تكون جنسيتها السعودية مجرد واجهة وستار تختفي وراءه مصالح أجنبية قد تكون معادية للمملكة. ومن ثم يكون من الطبيعي ألا تتمتع مثل هذه الشركة بالحقوق المقصورة على السعوديين وحدهم. أما الشركة السعودية الجنسية التي تسيطر عليها مصالح وطنية فلا بأس من تمتعها بهذه الحقوق.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك ما تقضي به المادة الأولى من الوكالات التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم 11 وتاريخ ۱۳۸۲/۲/۲۰هـ من أن ممارسة أعمال الوكالات التجارية مقصورة على السعوديين وأن الشركات السعودية التي تقوم بهذه الأعمال يجب أن يكون رأس مالها بالكامل سعوديًا وأن يكون أعضاء مجالس إدارتها ومن لهم حق التوقيع باسمها سعوديين.
ففي هذا النظام لم يكتفِ المشرع بكون الشركة سعودية الجنسية، بل تطلّب فوق ذلك أن يكون جميع رأس المال سعوديًا وأن تكون الإدارة سعودية.
استثمار رأس المال الأجنبي
هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن نظام استثمار رأس المال الأجنبي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/4 وتاريخ ١٣٩٩/٢/٢هـ يعتبر الأموال المملوكة للشركة التي لا يتمتع فيها “جميع مالكي” حصص رأس مالها بجنسية المملكة العربية السعودية “بمثابة رأس مال أجنبي” لا يتمتع بالمزايا التي يتمتع بها رأس المال الوطني بموجب نظام حماية وتشجيع الصناعات الوطنية الصادر به المرسوم الملكي رقم 50 وتاريخ ۱۳۸۱/۱۲/۲۳هـ. ومن ثم فإنه يجب على هذه الشركة متى كانت تقوم بمشروعات صناعية وأرادت الاستفادة من مزايا هذا النظام الأخير، أن تخضع للإجراءات المنصوص عليها في نظام استثمار رأس المال الأجنبي وأهمها الحصول على ترخيص يصدر به قرار من وزير الصناعة والكهرباء بناء على توصية لجنة الاستثمار.
كذلك فإن نظام استثمار رأس المال الأجنبي الجديد يشترط لإعفاء الشركات بوجه عام من ضرائب الدخل والشركات في الحدود التي ينص عليها “أن يمتلك” رأس المال الوطني نسبة لا تقل عن خمسة وعشرين بالمائة من رأس مال المشروع وأن تبقى هذه النسبة طوال مدة الإعفاء.
وهكذا يظهر بوضوح أن الشركات ذات الجنسية السعودية تنقسم إلى فئتين. فئة تتمتع بكافة الحقوق المعترف بها للسعوديين نظرًا لتمثيلها لمصالح وطنية بحتة. وفئة لا تتمتع بكافة هذه الحقوق نظرًا لتخلّف هذا الشرط. وهذا يعني أن المشرّع السعودي قد أخذ بمعيار الرقابة أو المصالح المسيطرة على الشركة لتحديد مدى ما تتمتع به الشركة من الحقوق المعترف بها للسعوديين.
المصدر
- كتاب القانون التجاري السعودي للدكتور محمد حسن الجبر، الرياض، المملكة العربية السعودية.