التخطيط الأمني الذكي! Intelligent Security Planning
بالرغم من أن التخطيط الجيد يعتبر من أهم العوامل التي تساعد على نجاح المؤسسة الأمنية في تحقيق أهدافها، في حال تم تطبيق الخطط، إلاّ أنه بالمقابل قد يكون أيضاً أهم الأسباب المؤدية للفشل في حال لم يكن مناسباً ولم يحقق الأهداف المنشودة، ويصبح التخطيط في تلك الحالة، وكما هو معروف، وكأنه كان تخطيطاً للفشل وليس لشيء آخر. وقد تكون المسئولية مضاعفة على من قام بعملية التخطيط التي أفضت إلى تلك النتيجة، الأمر الذي عادة ما يؤدي إلى نشوء ضغوطات على المخططين بحيث تجعلهم يحاولون البحث عن أفضل الخطط المؤدية للنجاح المنشود.
ومن أكثر الأخطاء شيوعاً عندئذٍ، وأخطرها على الإطلاق، والتي يقع فيها أولئك القائمون على التخطيط، هو أن يتم بناء الخطة وفق أسس ومواصفات “مثالية” و”مُحكمة” بدلاً من بنائها وفق أسس ومواصفات “ذكية”. والفرق الخفي بين الأسلوبين هو أن الخطة المثالية المحكمة هي تلك التي يمكن تطبيقها وقطف ثمار نجاحها في المجتمع الأقرب لأن يكون مثالي، في حين تبقى الخطط الذكية، وبخاصة الأمنية منها، هي الحل الأمثل الذي يتوجب اتباعه ليكون مناسباً على أرض الواقع المليء بالتغيرات، والتناقضات أحياناً، وغالباً ما يتصف هذا النوع من التخطيط بأنه مرن بالقدر الكافي، والضروري، لمراعاة خصوصية هذا الواقع وكل ما فيه، والذي بالتأكيد يختلف كثيراً عن الوضع الأشبه بالمثالي الذي قد يكون سائداً في مجتمعات أكثر استقراراً.
وبالرغم من أن التطور الحادث الآن أثّر بشكل ملحوظ في استكشاف المزيد من الأساليب والأدوات الحديثة لوضع الخطط الأمنية الجيدة والمبنية وفق أسس علمية ومعلوماتية، إلاّ أنه ساهم، وبشكل أكثر، في نشوء الأسباب التي تؤدي لفشل تلك الخطط عند تطبيقها، فالعصر الذي نعيشه اليوم يتصف بشكل دقيق، باعتقادي، بكل من “التشابك والتغير”، بحكم أن كل شيء فيه أصبح متشابكاً ويتغير باستمرار أيضاً وبشكل سريع وبدون توقف، حتى أنه يمكن القول وبدون مبالغة بأن ما يصلح تطبيقه اليوم قد لا يصلح غداً.
وفي ظل مواصفات هذا العصر الحديث، فإن من أهم ما يجب أن يميّز الخطة الأمنية الذكية حتى تكون فعّالة وناجحة وتحقق أهدافها هو تضمنها، كخطة كاملة من أعلى مستوى وكمجموعة من الخطط التفصيلية لكافة المستويات الأخرى، لما يمكن أن يطلق عليه “البرمجة الذكية” التي قد يلزم وجودها بحسب الاحتياج كنوع من الإنسجام مع حالة “التغير” التي يتصف بها العصر الحالي وكل ما يمكن أن يُستجد من أوضاع وتقلبات وتغيرات معلومة أو حتى مجهولة يمكن التنبؤ بها في المستقبل.
كذلك ينبغي أن تكون الخطة الأمنية الذكية منسجمة وتحقق حالة من التكامل الحقيقي الذي يناسب، ويتناسب مع، سائر الخطط في المجالات الأخرى غير الأمنية، والتي من المؤكد أنها ستكون مؤثرة، ومتأثرة، بالوضع الأمني بشكل عام بحكم حالة “التشابك” التي وفرها العصر الحديث بين كل المجالات بلا استثناء، ويتطلب الأمر بشكل أساسي وجود حالة من التنسيق والتعاون اللازم والضروري بين كافة الجهات الأمنية وغير الأمنية والمعنية بإنجاح تنفيذ الخطة وتحقيق أهدافها.