الإحصاء الديناميكي العصري
لقد أصبح “التغيَر” هو السمة الأساسية لهذا العصر، حتى أننا نستطيع أن نقول بدون مبالغة أن سمة التغيَر نفسها هي الأمر الثابت الوحيد الذي تبقى في هذا العصر وما عدا ذلك يكون متغيراً بشكل ما، سواء كان ملحوظاً أو غير ملحوظ، وفي جميع المجالات وبشكل لم يسبق له مثيل، ولكن الغريب في هذا الأمر أننا لم نمسك حتى الآن بالأدوات المناسبة لقياس هذا التغير بشكل علمي مناسب، بحيث أصبح المشهد مشابه تماماً لمحاولة معرفة وزن كتلة من المعدن أثقل بكثير مما يحتمله الميزان الذي نستخدمه بالرغم من سهولة مثل هذا المثال مقارنة بما نحن عليه الآن.
وبالرغم من أن الأمر الشائع عبر العصور كان دوماً أن يكون التطور يسير بشكل متلازم ومتوازن بين أي علم وأساليب قياسه وتقويمه، سواء كان نظرياً أو تطبيقياً، إلاّ أننا أهملنا هذا الأمر في العصر الحديث “كثير التغير” بحيث تراكم التحديث في أحد الكفتين ولم نعط الاهتمام الكافي، والضروري، لتحديث الكفة الأخرى التي تهتم بأدوات القياس والتقييم الخاصة به.
وإذا خصصنا الحديث هنا عن علم الإحصاء، فمن المعروف أنه كان له دوراً علمياً مزدوجاً على مر العصور ولا يشبهه في ذلك أي علم آخر، فمن جهة كان من أهم الوسائل المستخدمة في دراسة فروع العلوم المختلفة، النظرية والتطبيقية، وتطويرها وتحديثها وتحليل واستنباط نظرياتها الحديثة، ومن جهة أخرى كان يتأثر بتلك العلوم ونظرياتها المستحدثة والمتجددة وتشابكها الخفي ويتجدد معها ليكون دائما الأداة المناسبة للقياس في مختلف العلوم ولكنه بدأ يفقد هذه السمة في عصر “التغيَر” شيئاً فشيئاً ومن المنتظر أن تزداد الفجوة بمرور الزمن الأمر الذي سوف يتسبب بظهور حالة يمكن أن نطلق عليها “التخبط الإحصائي” الذي لا تُحمد عقباه علمياً.
تحليل الأسباب
ومن أهم أسباب تلك الفجوة هو إهمالنا لمسألة التغير تلك وعدم تطوير علم الإحصاء ليتناسب معها من خلال استحداث أساليب وأدوات الإحصاء الديناميكي والشبكي المناسبة لتكون وسيلة فعّالة ومثلى للقياس في هذا العصر المليء بالتغيرات والتشابكات، وما لم نستدرك هذا الأمر مبكراً من خلال تطوير هذا العلم وتحديثه وتطعيمه بالخوارزميات الخاصة بسمة التغير الديناميكي والتشابك وبكافة الأشكال فإننا سنكون أمام مرحلة ما بعد التخبط الإحصائي والتي باعتقادي أنها سوف تكون مرحلة التخبط العلمي في جميع المجالات وبكافة الأشكال مع عدم القدرة على تحليل الظواهر أو الاستنباط المبني على أسس علمية، كما أنه من الممكن أن نصل إلى مرحلة تُستبدل فيها سمة “التغيَر” التي يتسم بها هذا العصر بسمة أخرى يمكن أن يطلق عليها “اللّامنطقية” بحكم عدم قدرتنا على القياس الصحيح وتخلف أدواتنا الإحصائية وافتقارها للبعد الديناميكي العصري.