الأسرار الخفية المسببة للثغرات الأمنية

الأسرار الخفية المسببة للثغرات الأمنية

(1) الخلل في مفاصل تدفق المعلومات

كثيراً ما تبدو الثغرات الأمنية وكأنها كانت غير متوقعة، وهذا الأمر يحدث عادة إذا ما كان الاستعداد لها قائماً من خلال تخطيط وتنفيذ جيد يتناسب مع الوضع القائم والمعطيات المتوفرة من جهة وطبيعة وحجم المخاطر التي تعمل المؤسسة الأمنية على منع وقوعها من جهة أخرى. وفي الوقت الذي تعددت فيه أساليب معالجة الثغرات الأمنية وبُذلت الكثير من الجهود المتميزة والهادفة لتخطيها ومنع تكرارها إلاّ أن معظم تلك الجهود كانت تهدف، وبشكل أساسي، لمعالجة الثغرات بشكل ظاهري أكثر من معالجتها للمسببات الخفية التي أدت إلى نشوءها أصلاً والتي عادة ما تكون متمثلة في خلل قد لا يكون منظوراً.

ويعتبر الخلل في مفاصل تدفق المعلومات تحديداً من أهم الأسباب المؤدية للثغرات الأمنية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، تلك المفاصل التي يتم من خلالها تمرير “التعليمات” من القيادة العليا إلى الإدارات التنفيذية وما يليها أو تلك التي يتم من خلالها رفع “التقارير” والتقديرات الخاصة بالوضع الأمني على الأرض. وقد ينشأ مثل هذا الخلل كنتيجة طبيعية لسوء التركيب الهيكلي لتلك المفاصل واعتماد سمة “الفردية” في طريقة عملها، وينشأ الخلل في تلك الحالة عند تدني إمكانيات الفرد من حيث القدرة على توفير الوصف الدقيق، والصحيح، للمعلومات المتدفقة في الاتجاهين، سواء كان ذلك بالتقصير المؤدي لعدم وضوح الرؤية أو بالمبالغة التي تعمل عمل الإشاعة وتثير البلبلة، أو في أسوأ الأحوال أن يكون هذا الخلل مقصوداً!

وإذا صح لنا، كغير متخصصين في علم المحاسبة، أن نستعير الأسلوب المتبع في علاج مثل هذا الخلل فإنه يتوجب إعادة هيكلة تلك المفاصل لتصبح ذات شقّين، تماماً بنفس الطريقة المتبعة في الشأن المحاسبي، والتي يتوفر في شقّيها كل من العمليات المحاسبية الاعتيادية والتدقيق كإدارتين تنفيذيتين تعمل كل منها بشكل تكاملي، ورقابي، مع الأخرى، كذلك فإن المتخصصون في علم الحاسوب والمطلعون على آخر مستجدات أساليب تطوير نظم المعلومات الحديثة يعلمون أنه أصبح من الضروري الآن وجود كل من المبرمج والمُدقق جنباً إلى جنب يعملون بشكل تكاملي أثناء تنفيذ أعمال البرمجة وتطوير النظم لتحقيق أفضل النتائج.

إن تطبيق مبدأ وجود “كتفين متكاملين” للأعمال الخاضعة للتوثيق، أو حتى للتمرير ومن ثم الاستخدام وبناء القرارات وفقاً لما تتضمنه تلك الأعمال، واعتماده ضمن آلية العمل بشكل تطبيقي ليقوم به شخصين معاً أصبح لا غنى عنه في الوقت الراهن وفي كافة المجالات، وبخاصة في المجتمع الأمني، بحيث نستطيع أن نوفر من خلال تطبيق هذا المبدأ أقصى درجات الدقة والصحة والابتعاد عن التقصير والمبالغة كلما أمكن ذلك، الأمر الذي سيمكّن القيادة العليا من التأكيد على الالتزام بتعليماتها ووضوح تلك التعليمات من جهة، بالإضافة للتأكّد من دقة، وصحة، التقارير الواردة لها من جهة أخرى، تماماً مثلما يحدث في الإجراءات المتبعة لتنفيذ الكثير من الأوامر العسكرية ذات الأهمية الإستراتيجية.

بالطبع لن نهمل في هذا السياق أن نذكر كيف أن حكمة الله عز وجل وفّرت لنا الأساس القوي الذي يجعلنا نعتقد بصحة مثل هذا التصوّر، حتى وإن كان مبني على أسس علمية، ونطرحه كأحد الحلول الممكنة للخلل المذكور، وذلك من خلال معرفتنا للأحكام التي تُلزم وجود شاهدين اثنين في الكثير من المسائل الشرعية والقضائية وحتى المعاملات القانونية المختلفة، وباعتقادي أن الحكمة في ذلك، بالتأكيد، تتخطى مسألة الشك بمصداقية أحد الشاهدين، وإنما قد يكون لوجودهما سوية سراً يعزز من دقتهما وصحة تقديراتهما معاً ولا يعلمه إلاّ الله سبحانه وتعالى.

error:
Scroll to Top