الحلول السحرية لمشكلات البحث العلمي
(2) استحداث هوامش الإبداع
جرت العادة أن يتم تكريم الطلاب الأوائل والمتفوقين في المراحل الدراسية المتعددة، بدءاً من الصفوف الابتدائية، في الدول التي تهتم بتلك المرحلة، وانتهاء بالتعليم العالي، وذلك من خلال توفير المنح الدراسية أو فرص العمل الفورية في نفس الكليات التي يتفوقون فيها، ولكننا لم نسمع يوماً عن تكريم المبدعين في أية مرحلة من مراحل التعليم أو حتى ذكرهم في المحافل العلمية، والغريب في هذه المعضلة أنهم بالفعل لا يستحقون أي تكريم أو احتفاء بحكم أنهم خرجوا عن المألوف الذي يتم تدريسه في المدارس والجامعات ولم يلتزموا بمعايير التفوق وفشلوا في الحصول على الدرجات النهائية في جميع المقررات بطريقة تضعهم في مصاف المتفوقين وفق معايير المجموع العام التي تنتهجها المؤسسات التعليمية، والعجيب في هذه المسألة أن تفكير المبدعين، وبخاصة في المراحل المبكرة، عادة ما يكون أكثر تركيزاً على تخصص معين لدرجة الإبداع فيه ويستحيل التركيز بغيره من التخصصات بنفس القدر!!
وفي الوقت الذي قد تظهر فيه ملامح الإبداع في فرع من العلوم لدى الطالب في سنواته الأولى إلاّ أنه قد يُواجه بمعارضة مدرسيه، أو حتى الأهل في المنزل، ليس لأنه أبدع في أمرٍ ما ولكن لأنه خرج عن المألوف من وجهة نظرهم وتمرد على أسلوب معين يتبعه بقية التلاميذ كنوع من الالتزام بالمنهج، وفي هذه اللحظة تحديداً تبدأ مشكلة الطالب مع المجتمع التعليمي وقد تستمر لسنوات حتى التخرج وهو في صراع بين الممكن والمألوف وبين الإبداع والاختراع، وأكثر ما قد يجعله يميل لتصديق أساتذته ومن ثم التوقف عن التفكير الإبداعي هو نتائج اختباراته وامتحاناته التي يستحيل أن تكون بنفس مستوى زملائه المتفوقين في جميع المقررات وعادة ما تكون بمستوى أقل منهم في كثير منها باستثناء المقررات التي يُبدع فيها.
وكثيراً من المفكرين عرّفوا الإبداع على أنه حالة من التفكير غير المألوف الذي يكون خارج الصندوق وخارج حدود ما يتم تعلمه من مهارات، وأبسط صور الإبداع لتلميذ الابتدائي مثلاً أن يقوم بحل مسألة حسابية بطريقة جديدة غير التي تعلمها من مدرسيه أو من الأهل في المنزل، أو أن يقوم بتركيب لعبة ما بطريقة غير اعتيادية تشتمل على طرق محددة في التركيب موضحة في الكتيب المرفق مع اللعبة، وفي كل الأحوال سوف يكون لرد فعل المدرس أو الأهل في تلك اللحظة الأثر الأكبر في مستقبله العلمي، إما إيجاباً أو سلباً، بحيث تُعزز من توجيهه التوجيه الصحيح أو تفقده الثقة بإبداعاته، وبطبيعة الحال سيعمل مستواه الدراسي، الذي عادة لا يصل إلى حد التفوق، على تأكيد هذا الأمر له ويقتنع به وقد يستسلم ويفقد الثقة بإبداعه فعلاً!
وفي هذا العصر المليء بالمتغيرات والتشابكات تكثر الحاجة لاستحداث ما يمكن أن نطلق عليه “هامش” خاص بالإبداع في منظومة التعليم لكل التخصصات ولجميع المراحل، بحيث يكون وسيلة لاستكشافهم وتشجيعهم والاهتمام بهم مبكراً قبل أن ينزلقوا إلى أحد طريقين أولهما محاولة التفوق والتخلي عن الإبداع، الذي قد يكون المجتمع بأمسّ الحاجة إليه، وثانيهما الفشل والتسليم به وهو الأقرب لذوي الإرادة الضعيفة، بحيث يكون هذا الهامش متوفراً في المنزل والمدرسة والجامعة، في المقررات الدراسية والاختبارات الشهرية والفصلية والنهائية أو حتى تخصيص مقرر يُعبر عن الإبداع بكل المجالات وكأنه كتاب به أوراق فارغة يملأها الطالب بما لديه وبحسب ميوله كالمسابقات والأنشطة اللامنهجية، والمهارات والحرف، وأقرب تشبيه لهذا الأمر ما يحدث في المجالات الرياضية والفنون، فهناك دوماً هامش للمبدعين للخروج عن خطة اللعب أو الخروج عن النص في العروض المسرحية ومن ثم انطلاقتهم نحو النجاح والتميز، ونحن بحاجة للخروج عن الدرس أيضاً في الحصص المدرسية والمحاضرات والامتحانات وغيرها من الأنشطة التعليمية بطريقة ممنهجة وقابلة للتقييم والتكريم والتحفيز والمتابعة في جميع المراحل الدراسية.
الحلول السحرية لمشكلات البحث العلمي (2) استحداث هوامش الإبداع، بقلم: د. م. مصطفى عبيد