ملخص المحتوى
شرح مفهوم إدارة الخطر والمقصود به. وظائف مدير الأخطار. سياسات إدارة الخطر: سياسة افتراض الخطر، وسياسة نقل الخطر، وسياسة تخفيض الخط.، والطرق المختلفة لتطبيق هذه السياسات. شرح الطرق الكمية في إدارة الخطر مع التوضيح بمثال تطبيقي عملي.
المحتويات
مقدمة إدارة الخطر
يسعى الإنسان منذ بداية الخليقة بحثًا عن السبل التي تكفل له ولأسرته الأمان في حياته وبعدها. ويظهر تاريخ المدنيات المتعاقبة مدى اهتمام الأفراد والجماعات والأمم بوسائل الأمن ومدى ما قدموا من تضحيات مادية واجتماعية في سبيل الوصول إلى هذه الغاية. كما يدلنا نفس التاريخ على أن الوسائل والخطط والسياسات التي حاول المجتمع الاستفادة منها وتطبيقها، وصل بعضها إلى أعلى مراتب النجاح، بينما لم تثمر الأخرى عن نتائج ذات قيمه ترجي بالرغم من التضحيات المادية وغير المادية التي أنفقت عليها والسعي في سبيل الأمان – مهما كانت تكلفة ذلك – يعتبر من أعلى مراتب الرقى الفردي والجماعي بل والعالمي. حيث أنه يعمل على الحفاظ على التراث الإنساني الذي هو ناتج الثقافات والجهود المتعاقبة.
وقد تعاقبت النظم الاجتماعية والاقتصادية المختلفة على الشعوب والأمم، ولكن لم تختلف أي منها عن الأخرى في الحكم على نجاح الأفراد والجماعات والأمم بناتج أعمالهم من ربح أو خسارة، وكان مؤدى هذا أن حاول النظام البشرى بما أوتي من فكر وثقافة وتقدير للمستقبل أن تكون القرارات التي تتخذ في حياة البشر وبمعرفتهم ولفائدتهم دائما في أحسن وأدق حالاتها، بمعنى أن يتجنب الشخص القرار غير الحكيم ويتخذ لنفسه قرارًا حكيمًا، فإذا أضطر لسبب أو لآخر أن يتخذ قرارا مع علمه السابق بخطورته، فانه يكون عليه دائما أن يجد سبيلا علميا سليما لإدارة الخطر المغلف لقراره حتى يدرأ عن نفسه وعمله ما يترتب على ذلك من حوادث وخسائر مالية.
التطور العصري لإدارة الخطر
تهتم غالبية الحكومات في عصرنا هذا بخلق مجتمعات يتمتع فيها الفرد بحرية مناسبة. وفي نفس الوقت يتحمل مسئولية كبيرة في اتخاذ قرارات اقتصادية واجتماعية وسياسية. كل ذلك للوصول إلى أقصى درجات الأمان له ولمجتمعه. ونتيجة هذه السياسة الواقعية بصبح عامل ضمان الربح واستمراره الحكم السليم على نجاح الأفراد والمشروعات في ممارسة أعمالهم.
ويتحتم على مديري المشروعات البحث المستمر عن السياسات المستحدثة لضمان سلامة قراراتهم الاقتصادية التي يتخذونها بين الحين والآخر، ومستخدمين في ذلك جميع الوسائل العلمية من مادية وإنسانية لكي يصلوا بالمشروعات إلى الهدف النهائي وهو ضمان الربح.
المقصود بإدارة الخطر
يُقصد بإدارة الخطر (بالإنجليزية: Risk Management) في مجال هذه الدراسة التوصل إلى وسائل محددة للتحكم في الخطر Risk Control والحد من تكرار تحقق حوادثه والتقليل من حجم الخسائر التي تترتب على ذلك مما يترتب عليه تخفيض درجة الخطر عند صاحب الخطر أو مديره. كل ذلك بأقل تكاليف ممكنة.
ويتم التحكم في الخطر عن طريق التقليل أو الحد من ظاهرة عدم التأ كد عن طريق تقدير ناتج تحقق الظواهر الطبيعية والعامة مقدما. ثم اتخاذ الوسائل التي تفي بمجابهة الخسائر المتوقعة منها.
وتهدف إدارة الخطر عامة إلى الحد من آثاره التي تهدد نشاط الأفراد والمشروعات عن طريق خوفهم على ضياع رؤوس أموالهم أو دخولهم أو الاثنين معًا، وتهدف إدارة الأخطار أساسًا إلى وضع سياسة مثلى ذات أهداف محددة لمجابهة الخسائر المتوقعة أو الحد منها بأقل تكاليف ممكنة في حدود الظروف والملابسات والإمكانيات والنتائج المتوقعة والمتعلقة بموضوع الخطر من ناحية وبالقائم بإدارة الخطر من ناحية أخرى. ويطلق على القائم بإدارة الخطر عادة لفظ مدير الأخطار أو بالإنجليزية Risk Manager.
وظائف مدير الأخطار
يُقصد بمدير الأخطار الشخص أو الهيئة التي تأخذ على عاتقها التفكير في إدارة الأخطار أو إبداء النصيحة في الطريقة المثلى لإدارتها ومجابهتها. فرب الأسرة يمكن أن ينصب نفسه مديرًا للخطر، ويمكن أن يلجأ إلى مدير أخطار فني متخصص يسأله النصيحة نظير أجر. والمدير المالي في المشروع التجاري، وهو والمدير الفني في المشروع الصناعي، يمكن أن يمارسا وظيفة مدير الأخطار كل في مجال قراراته واختصاصاته، كما يمكن أن يلجأ كل منهما إلى شخص أو هيئة متخصصة في إدارة الإخطار المالية والصناعية للقيام بإدارة أخطار المشروع، وفي البلاد المتقدمة اقتصاديًا أصبحت وظيفة مدير الأخطار متبلورة ومتخصصة لدرجة أن الأفراد والمشروعات أصبحت تلجأ إلى فنيين متخصصين في مهنة إدارة الأخطار، وفي المشروعات التجارية والصناعية ذات الحجم الكبير نسبيًا، أصبحت وظيفة مدير الأخطار لا تقل أهمية عن وظيفة المدير المالي وبذلك أصبحت إدارة الأخطار إحدى الوظائف الإدارية الهامة.
وتنحصر أهم وظائف مدير الأخطار في الخطوات التالية:
- اكتشاف الأخطار الخاصة بكل حالة وبكل عملية على حدة. وذلك عن طريق دراسة النشاط الاقتصادي الخاص بالفرد أو المشروع. وكذلك دراسة القرارات الواجب على أيهما اتخاذه من حين لآخر بغرض الاستمرار في النشاط.
- تحليل كل خطر من الأخطار التي تم اكتشافها ومعرفة طبيعته ومسبباته وعلاقته بالأخطار الأخرى.
- قياس درجة الخطورة، واحتمال حدوث الحادث، وتقدير حجم أقصى خسارة متوقعة. وتوقع الخسارة سواء الحاضر منها أو المؤجل. وعمل المقارنات اللازمة بكل خطر على حدة. ثم ترتيب الأخطار الموجودة لدى الفرد أو المشروع ترتيبًا علميًا سليمًا.
- اختيار أنسب وسيلة لإداره كل من الأخطار الموجودة لدى الفرد أو المشروع حسب درجات الأمان والتكلفة اللازمة.
سياسات إدارة الخطر
تتعدد أساليب أو سياسات إدارة الخطر (بالإنجليزية: Policies of Risk Management) بتعدد أنواع الخطر ومواصفاته والظروف التي تحيط به. ويصعب وضع سياسة مُثلى لإدارة خطر بعينه يمكن تطبيقها في جميع الحالات بدون استثناء. فهناك من عوامل البيئة المحيطة بالخطر ومتخذ القرار والقائم على إدارة الخطر ما يستدعي تعدد الأساليب التي تستعمل في إدارة الخطر. مهما تشابهت أوصافه أو ظروفه. وبالرغم من هذا التعميم فإنه توجد دائمًا طريقة مُثلى لإدارة كل نوع من الأخطار. ولكن هناك عدة طرق فرعية بديلة يمكن استخدام أي منها في حدود الطريقة المثلى هذه.
كما يصعب حصر جميع السياسات التي يمكن استخدامها في إدارة الأخطار وذلك لتعددها واختلاطها مع بعضها البعض. ولكن يسهل وضع هذه السياسات في مجموعات تشتمل كل مجموعة منها على السياسات المتشابهة. وبالرغم من ذلك فإنه لا بد من الإشارة إلى أن سياسات إدارة الخطر لا تقف عند حد محدود. بل تتطور وتتغير وتتجدد من وقت لآخر ومن مجتمع لآخر.
ومن الواضح أنه يبدأ الاهتمام بالخطر وتحليله والبحث عن سياسة مُثلى لإدارته عندما يقرر الفرد اتخاذ القرار الموجب. أي عندما يقرر ممارسة الخطر. وعلى هذا الأساس نستبعد من هذه الدراسة طريقة كثيرًا ما يذكرها الكتاب في هذا المجال يطلق عليها “تجنب الخطر”. (أو بالإنجليزية: Risk Avoidance). بمعنى اتخاذ القرار السالب أي إيقاف النشاط كلية. فسياسة تجنب الخطر هذه ليست إحدى سياسات إدارة الخطر، بل هي قرار سالب أي عدم اتخاذ القرار الذي يؤدي إلى وجود الخطر. ولذلك يمكن أن يطلق عليها مجازا سياسة “عدم إدارة الخطر”.
أما سياسات إدارة الخطر فهي تلك الأساليب العلمية التي يتقرر إتباعها بعد دراسة وتحليل القرارات وما ينتج عنها من أخطار وبعد أن يتأكد متخذ القرار من مقدرته على ممارسة تلك القرارات وهذه الأخطار.
وللتبسيط نضع سياسات إدارة الخطر في ثلاث مجموعات هي كما يلي:
- سياسة افتراض الخطر
- وسياسة نقل الخطر
- وسياسة تخفيض الخطر
وفيما يلي شرحًا مفصلاً لكل منها:
سياسة افتراض الخطر
يُقصد بسياسة افتراض الخطر أن على متخذ القرار أن يقبل الخطر وما يترتب عليه من تحقق حوادث وما يترتب عليها من خسائر قبولاً تامًا متحملاً جميع الأعباء المترتبة على كل ذلك، وتعتمد هذه السياسة على فلسفة انعزالية تقرر أن على كل فرد أن يتحمل نتيجة قراراته بنفسه وبدون إشراك غيره في تلك النتائج، وتستعمل سياسة افتراض الخطر قسرًا في بعض الأحيان – كما يحدث بالنسبة للأخطار المعنوية وأخطار المقامرة – وطواعية في بعض الأحيان الأخرى وخاصة في حالة ما إذا كانت الخسائر المتوقعة صغيرة الحجم أو محتملة.
وتطبق سياسة افتراض الأخطار هذه بطريقتين مختلفتين، إحداهما بدون تخطيط سابق، والأخرى حسب خطة مدروسة لمجابهة الخسائر المتوقعة. كما توجد سياسات مساعدة لسياسة افتراض الخطر أهمها سياسة الوقاية والتحكم في قيمة الخطر. وفيما يلي تفصايل كل منها:
سياسة افتراض الخطر بدون تخطيط سابق
سياسة افتراض الخطر بدون تخطيط سابق، والتي يُطلق عليها باللغة الإنجليزية Un planned Risk Asumption تصلح عادة – بل تكون هي السياسة الوحيدة التي يمكن إتباعها – في حالة القرارات المتعلقة بالأخطار غير الاقتصادية أي الأخطار المعنوية.
فالخوف على حياة صديق عزيز أو رجل مصلح أو جد طاعن في السن أو طفل رضيع يعتبر خطر غير اقتصادي إذا لم يكن لمتخذ القرار مصلحة مادية في حياة أي منهم، فإذا قرر الفرد قرارًا يتعلق بحياة أحد هؤلاء فإن عليه أن يتحمل عبء قراره بنفسه، ولا يمكن له أن يحتاط لنفسه من وفاة أيهم، والخسارة التي تترتب على تحقق مثل هذا الخطر تكون عادة خسارة معنوية أي في صورة حزن أو قنوط وتقاعس أو عدم الرضا، حتى إذا وجدت خسارة مادية إلى جانب الخسارة المعنوية – مثل حياة الطفل الرضيع مثلاً – فإنها عادة ما تكون محدودة القيمة لدرجة يسهل معها تجاهلها أو عدم التخطيط لها.
ومع ذلك، فإنه في مثل حالات الاختلاط بين الأخطار المعنوية والأخطار الاقتصادية هذه يستحسن دائمًا فصل كل خطر على حدة. وإدارة كل منهم حسب السياسة المثلى له.
مزايا سياسة افتراض الخطر
كما تصلح هذه السياسة أيضا في إدارة الأخطار التي يكون ناتج تحقق حوادثها خسارة اقتصادية صغيرة من ناحية وغير متكررة من ناحية أخرى. مثال ذلك الخسارة التي تنتج للمباني من هطول الأمطار في بعض الدول وما يستدعيه ذلك من طلاء المنزل أو نوافذه. فالملاحظ أن خسارة الأمطار بالنسبة للمباني تكون محدودة من ناحية وغير متكررة خلال السنة من ناحية أخرى مما يؤدي إلى إمكان افتراض الخطر والخسارة الناتجة عن تحقق حوادثه وإعادة طلاء المنزل سنويا أو كل سنتين والصرف على ذلك من إيراد المنزل السنوي أو من إيراد صاحبه.
وتصلح هذه السياسة أخيرًا في حالة كون تحقق الظواهر الطبيعية أو العامة غير متوقع أصلاً. مثال ذلك عدم التخطيط للخسارة الناتجة عن الفيضانات في بلاد ليس بها أنهار ولا تسقط بها أمطار. أو عن الحريق في مكان لا تستعمل فيه النيران ولا الكهرباء ولا أية مواد مشتعلة. أو عن البراكين والزلازل في مناطق لا تعرف مثل هذه الظواهر الطبيعية.
ومن المزايا الرئيسية في اتباع سياسة افتراض الخطر بدون تخطيط سابق عدم إنفاق أية تكاليف أو حجز أية أموال. أو حتى مجرد ضياع وقت المسئولين في التخطيط لسياسة ثابتة معينة. ويترتب على ذلك أن يكون الفرد أو المشروع دائمًا على استعداد لتحمل الخسارة المعنوية والمادية التي تترتب على تحقق الحوادث السابق افتراضها. وهذا يستدعي ضرورة وجود دخل كاف لمواجهة وعمل الخيارات المعنوية والاقتصادية عند وقوعها.
ومن الملاحظ على هذه السياسة أنها لا تؤثر في الخطر ولا في عوامله. كما أنها لا تأثير لها على ناتجه من خسارة.
سياسة افتراض الخطر حسب خطة موضوعة
سياسة افتراض الخطر حسب خطة موضوعة والتي يطلق عليها بالإنجليزية Planned Risk Assumption هي سياسة تُستعمل عادة لمجابهة عبء الأخطار الاقتصادية – وخاصة أخطار المضاربة منها – التي يترتب عن تحقق حوادثها خسائر متكررة ويمكن حساب قيمتها مقدمًا وبدقة. وأهم الطرق المتبعة في تطبيق هذه السياسة طريقتان تعتمدان على فكرة تكوين احتياطي لمجابهة الخسائر التي تنشأ عن تحقق الظاهرة العامة المتوقعة وهما:
- طريقة تكوين احتياطي عارض (بالإنجليزية: Contingency Resorces) لمجابهة الخيارات المالية الناشئة عن أخطار وحوادث متداخلة يصعب فصل بعضها عن البعض وتكوين احتياطي خاص بكل منها من ناحية. ويصعب توقعها من ناحية الزمن والقيمة من ناحية أخرى. فمثل هذه الخسارات الطارئة وغير المحسوبة مقدمًا بكوّن لها الفرد أو المشروع احتياطيًا عارضًا بودع فيه مبالغ دورية تُحتسب على ضوء ما سبق إنفاقه أو تحمله في السنوات السابقة وذلك لمقابلة الخسائر التي تحدث خلال العام أو تقليل عبء مثل هذه الخسائر ما أمكن، ومهما قيل عن عدم الدقة وعدم ملاحظة التحديد التام في تكوين الاحتياطي العارض إلا أن وجوده لدى الفرد أو المشروع يقلل إلى درجة كبيرة من الاعتماد على الإيراد ودفع الخسارة منه رأسًا. وهو ما يحدث دائما بالنسبة للأخبار الاقتصادية التي يتبع بخصوصها سياسة افتراض الخطر السابق الإشارة إليها.
- طريقة عمل احتياطي خاص أو مخصص لمقابلة احدى الخيارات المالية المتكررة والتي يسهل فرزها وتقدير قيمتها بدقة تامة في معظم الأحيان. مثال ذلك احتياطي الديون المعدومة واحتياطي استهلاك الآلات والأدوات والمباني والأثاث. وعادة ما تكون قيمة مثل هذه الخيارات متوسطة القيمة واحتمال تحققها معروف مقدمًا وليس من السهل دفع قيمتها أولاً بأول من إيراد الفرد أو المشروع وإلا كان لذلك تأثير على المركز المالي لهما وعلى مركز السيولة لديهما. ويتم تكوين الاحتياطي الخاص عادة عن طريق إضافة أموال دورية تحسب بطريقة أكثر دقة من مثيلتها في الاحتياطي العارض. وتستثمر الأموال المخصصة في استثمارات مضمونة يمكن تحويلها بسهولة إلى نقدية لمجابهة الخسائر في أي وقت تتحقق فيه الحوادث المعمول عنها الاحتياطي.
ملاحظة
تظهر تكلفة هذه السياسة في أن الأموال المحتجزة في صورة احتياطي يصعب في بعض الأحيان استثمارها في استثمارات لها نفس عائد أموال الفرد أو المشروع، والفرق بين عائد الاحتياطي المستثمر المنخفض وعائد المال العادي المرتفع يمثل تكلفه السياسة المتبع فيها الاحتياطي العارض أكبر من تكلفة مثيلتها المتبع فيها الاحتياطي المخصص حيث أن الأخير يمكن استثمار أمواله بطريق أكثر دقة ولمدد أطول. كما أن هذه السياسة لا تؤثر في الخطر ولا في العوامل المكونة له. ولكن تأثيرها يظهر بوضوح على ناتجه من خسارة وطريقة التعويض عنها كلية أو جزئية.
سياسة الوقاية والتحكم في قيمه الخسارة
سياسة الوقاية والتحكم في قيمه الخسارة، والتي يطلق عليها Risk Prevention and Control كثيرًا ما تدخل ضمن سياسات افتراض الخطر. كما أنها تعمل عادة كسياسة مساعدة ضمن أية سياسة أخرى متبعة في إدارة الخطر عن طريق استخدام وسائل الوقاية والحد من الخسارة لتقليل عبء الحظر.
ويقصد بوسائل الوقاية والحد من الخسارة تلك الطرق التي تنصرف إلى اتخاذ إجراءات ووسائل تتكون من تركيبات واحتياطيات وتعليمات تؤدي إلى تخفيض احتمال حدوت الحادث من ناحية والتحكم في حجم أقصى خسارة متوقعة من ناحية أخرى.
وبتطبيق هذا التعريف على كل من مجموعات العوامل الأساسية والمساعدة المسببة للخطر يظهر تأثير وسائل الوقاية والمنع على تلك العوامل كالآتي:
- بالنسبة للعوامل الطبيعية الأساسية المسببة للخطر مثل ظاهرة الحريق والظواهر البحرية الطبيعية من غرق وبلل، بصعب على وسائل الوقاية والمنع التدخل بأي جهد فيها، فمهما تقدمت الوسائل الفنية التي تعاون في الحد من الخسارة الناتجة عنها، إلا أن احتمال تحقق حوادث تلك العوامل سوف يبقى أمام مدير الأخطار لمعالجتها بطرق أخرى.
- بالنسبة لمجموعتي العوامل المادية والشخصية غير الإرادية التي تعمل مع ارتفاع معدلات حدوث الحادث وكبر حجم الخسارة المتوقعة. فهي مجال كبير لطرق الوقاية والمنع سواء من جانب أصحاب الأخطار أو من جانب المجتمع.
- بالنسبة للعوامل الشخصية الإرادية التي تتدخل في تحقق الحادث فإن مجموعة القوانين المدنية والجنائية وما تحتويه من عقوبات رادعة تعتبر من أبرز طرق الوقاية وتحديد الخسائر في هذا المجال.
تاثير سياسة الوقاية والتحكم في قيمه الخسارة
والأساليب المستعملة للوقاية والتحكم في قيمة الخسارة متعددة ولها تأثيرها في أكثر من ناحية من نواحي الخطر وعوامله وناتجه. فبعض تلك الأساليب توجه وجهة خاصة لتقلل من احتمال وقوع الحادث كما هو الحال بالنسبة لمانعات الصواعق. وبعضها يوجه وجهة أخرى لتقلل من حجم الخسارة المحتملة كما هو الحال بالنسبة للرشاشات التلقائية sprinkle التي تركب في مخازن البضاعة السريعة الاشتعال والتي توقف الحريق أو تحد من امتداده من مكان إلى آخر فتقلل من خسائره. والبعض الآخر يخدم الغرضين معًا من تخفيض احتمال وقوع الحادث وتخفيض قيمة الخسارة المحتملة. مثل وضع مانعات الصواعق في أعلى مكان بالمخازن مع تزويدها بالرشاشات التلقائية. فالأسلوب الأول يخفض من تكرار حادث الحريق الناتج عن الصواعق. والأسلوب الثاني يقلل من الخسارة المادية التي تصيب المخزن والمخزون إذا ما تحقق فعلا بالرغم من الاحتياطيات المعمولة عن طريق مانعات الصواعق.
وسياسة الوقاية والتحكم في قيمة الخسارة هذه ضرورية ولازمة في حالة اتباع سياسة افتراض الخطر بدون خطة سابقة. إذ أنه يترتب على اتباع السياسة الأخيرة تحمل الفرد أو المشروع بقيمة الخسارة التي تتحقق عن تحقق الحوادث فيفضل دائمًا أن تكون هناك وسيلة للتحكم في قيمة الخسارة حتى لا تقع كبيرة لدرجة لا يمكن تحملها، كما أن سياسة الوقاية والتحكم في قيمة الخسارة ذات فائدة كبرى أيضًا في حالة اتباع سياسة افتراض الخطر حسب خطة موضوعة، إذ أنه كلما نقص احتمال حدوث الحادث وكلما قل حجم الخسارات كلما كان الاحتياطي السابق عمله كافيًا وربما كان أكثر من الكفاية، ما يترتب عليه مكسب للفرد أو المشروع.
وتظهر تكلفة سياسة الوقاية والمنع هذه في قيمة التكاليف التي تتكلفها وسائل الوقاية والتحكم من تركيبات هندسية واختراعات فنية كمصروفات ثابتة. كما أنها تحتاج عادة إلى تكاليف تشغيل ومراقبة مستمرين.
اعتبارات اجتماعية واقتصادية
وهناك من الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية ما يستدعي ضرورة الاهتمام بتطوير وسائل الوقاية والمنع بالنسبة للحوادث والتحكم بالنسبة للخسائر. وقد اهتمت الدول المتقدمة في صورة حكوماتها بالمعاونة في استخدام وسائل الوقاية والمنع. وخاصة من ناحية إنشاء شبكات متكاملة من وحدات إطفاء الحريق ومعدات منع الصواعق واستكشاف أماكن البراكين والزلازل. كما اهتمت المشروعات الصناعية والتجارية ومشروعات الخدمات بمثل هذه الوسائل. وخاصة المتعلقة منها بالعاملين لديها والمحافظة على حياتهم وأجسامهم. فأنشأت إدارات خاصة بالأمن الصناعي لهذا الغرض. وكثيرًا ما تشترك الدولة مع الجماعات والمشروعات والأفراد في الصرف على وسائل الوقاية والمنع والتحكم في الخسارة وذلك لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع ولأعضائه.
وقد ظهرت بعض البوادر الاقتصادية والاجتماعية التي تُنبئ بأن طبيعة الخطر أخذت تتعدى حدود الدولة الواحدة إلى عدة دول. وقد أدى هذا إلى أن أخذت معظم الدول تفكر في اتخاذ إجراءات وقائية جماعية ضد تلك الأخطار. ويظهر ذلك في المعاونات الفنية التي تقدمها بعض المشروعات الاقتصادية العالمية في ذلك المجال مثل هيئات إعادة التأمين. كذلك بالنسبة للمقاييس الفنية للوقاية والمنع التي تظهر نتيجة البحوث التي تقوم بها اتحادات هيئات التأمين العالمية. وأخيرًا فإن الأمم المتحدة اهتمت اهتمامًا بالغًا بالوقاية والمنع بالنسبة للعمل والعمال كأحد عوامل الإنتاج الرئيسية. فأنشأت تنظيمًا خاصًا يتابع ذلك وينميه في صورة منظمة العمل الدولية.
وفي الأفق علامات تشير إلى ضرورة الاهتمام بوسائل الوقاية والحد من الخسائر عالميًا من الناحيتين التشريعية والتنفيذية. وما يصاحب ذلك من مسئولية الإنفاق الجماعي على كل منهما. وعلى سبيل المثال فقد تأكد للجميع أن أخطار التلوث التي تصيب البحار أو الجو تضار منها اقتصاديات كثير من دول العالم. وليس اقتصاديات الدولة التي يتحقق فيها حادث التلوث فقط.
سياسة نقل الخطر
يُقصد بسياسة نقل الخطر التعاقد على أن يتحمل طرف آخر غير الطرف صاحب الخطر، والذي يتخذ القرار، الخسارات التي تنتج عن تحقق حوادث معينة في نظير أن يقوم متخذ القرار بدفع أجر أو تكلفة الخطر إلى الطرف الآخر، ويترتب على عملية نقل عبء الخطر هذه أن يتخلص الفرد أو المشروع من التأكد أو الشك أو الخوف الذي يغلف القرارات التي يتخذها، أو على الأقل يتخلص من الجزء الذي لا يمكنه افتراضه أو الاحتياط من خسارته.
وتختلف وسيلة نقل الخطر اختلافًا تامًا عن وسيلة افتراض الخطر السابق الإشارة إليها. ففي حالة افتراض الخطر يكون الفرد أو المشروع عادة في موقف يسمح له بمجابهة الخسارة المترتبة على تحقق الخطر. ولذلك يرسم سياسته على أساس تحمل هذه الخسارة سواء كان ذلك بخطة موضوعة أو بدون خطة. أما في حالة نقل الخطر فإن الفرد أو المشروع يجد أنه من الأفيد له ألا يتحمل ناتج الخطر من خسارة، ولذلك يجد نفسه مستعدًا لدفع تكلفة نقل عبء الخطر مقدمًا إلى طرف آخر، سواء تحقق الحادث في المستقبل ووقعت الخسارة أو لم يتحقق ولم تقع الخسارة.
وتتدخل سياسة نقل الخطر تدخلاً كبيرًا لتحد من اتخاذ قرارات سلبية في حياة الأفراد والمشروعات. فمن المعلوم أن القرارات التي يترتب عليها درجات خطورة عالية يهرب عادة الأفراد من اتخاذها عن طريق تجنبها. فإذا ما وجدوا أمامهم طرق مناسبة لنقل عبء الخطر بتكلفة معقولة، فإنهم يقبلون على اتخاذ قراراتهم بدون تردد أو خوف.
طرق نقل الخطر
ويتم نقل الخطر من طرف إلى آخر عادة عن طريق تعاقد بينهما يترتب عليه تعهدات معينة بين صاحب الخطر الأصلي بدفع تكلفة الخطر إلى الطرف المنقول إليه الخطر الذي يتعهد هو الآخر بتحمل عبء الخسارة التي تحدث عند تحقق الحادث أو الحوادث المنصوص عليها في العقد.
وتختص سياسة نقل الخطر عادة بالأخطار الاقتصادية الطبيعية في معظم الأحوال وأخطار المضاربة – وخاصة أعمال التجارة والصناعة منها – في بعض الأحيان.
فيما يلي بعض العقود التي يتم بمقتضاها نقل الخطر:
نقل الخطر من خلال عقود التشييد
عقود التشييد (أو بالإنجليزية: Construction Contracts). حيث تحتل عمليات التشييد جانبًا من القرارات التي يتخذها الأفراد والمشروعات في الحياة الاقتصادية. ومن الملاحظ أن عمليات التشييد تستلزم متسعًا من الوقت يحدث أن تتجمع خلاله أخطار عدة يتحقق عنها حوادث مختلفة يكون ناتجها دائمًا خسارة مالية. فالفرد أو المشروع الذي يتخذ قرارًا بتشييد مبنى بغرض الكني أو التأجير، أو بتشييد مصنعًا أو متجرًا أو سفينة، يتجمع لديه عادة عدة أخطار ناتجة عن احتمال احتراق المبني أو المصنع أو المتجر أو السفينة خلال مدة التشييد، واحتمال التأخير في الانتهاء من عملية التشييد حسب الجدول الزمني الموضوع، واحتمال وقوع مخالفات أو حوادث معينة يترتب عليها مسئولية الشخص نحو الغير أو نحو أولئك الذين يعاونون في عملية التشييد. ويترتب على كل هذا – وغيره كثير – خسائر مالية بعضها يمكن تحملها والبعض الآخر يصعب تحملها.
فإذا أراد الفرد أو المشروع الذي يتخذ قرارًا يختص بعملية التشييد هذه يمكنه أن ينقل الخطر إلى مقاول التشييد ليتحمل نيابة عنه جميع الأخطار التي يتفق على نقلها إلى جانب قيامه بعملية البناء نفسها، وهكذا يتجنب متخذ قرار التشييد أية خسارة مالية يخشى وقوعها نتيجة هذه العملية. ويترتب على هذا التعاقد أن يقوم صاحب أو ناقل الخطر Transferor بدفع تكاليف الخطر Cost of Risk إلى مقاول التشييد المنقول إليه الخطر Transferee. وتظهر تكلفة أو قسط الخطر في عقود التشييد بوضوح في ارتفاع تكاليف عقد التشييد من حالة إلى أخرى كلما زادت أعباء الأخطار على مقاول التشييد.
الفرق بين تكاليف عقد التشييد العادي وتكاليف عقد التشييد المحمل بعبء الخطر
والفرق بين تكاليف عقد التشييد العادي وتكاليف عقد التشييد المحمل بعبء الخطر – وهي دائما مرتفعة عن الأولى – تعتبر تكلفة الخطر المنقول لمقاول التشييد. فإذا فرض وإن كانت تكلفة بناء المتر المكعب في عقد التشييد لعمارة سكنية اثني عشر دولارًا، وأن تكلفته بعد تحميل مقاول التشييد بعبء بعض الأخطار ثلاثة عشر دولارًا، فإن تكلفة الخطر في هذا العقد تبلغ دولارًا واحدًا بالنسبة للمتر المكعب. هذا ويمكن استعمال عقد التشييد في نقل بعض الأخطار التي كان يجب أن يتحمل بها مقاول التشييد إلى صاحب العقار في نظير أن يتحمل الأول بقسط الخطر، ما يؤدي إلى انخفاض التكلفة الصافية لعقد التشييد.
نقل الخطر من خلال عقود الإيجار
تكمل عقود الإيجار Leagee عقود التشييد في حياة الأفراد والمشروعات الاقتصادية فأولئك الذين لا يقدرون على دفع تكلفة التشييد يقررون الاستئجار عن طريق عقود الإيجار.
ويستفيد كل من المستأجر والمؤجر من عقود الإيجار في نقل الأخطار الخاصة بأحدهما إلى الآخر. فمن ناحية المستأجر Lessee يمكنه أن ينقل إلى المالك المؤجر Lessor الأخطار التي ينتج عنها حوادث حريق الأصل المستأجَر أو فناؤه، وما إلى ذلك من حوادث ينتج عنها خسارة مالية كان يجب أن يتحملها المستأجر لكونه قد تسبب في تحققها أو أمل عن عمد في منعها. وفي مثل هذه الحالات يكون على المستأجر أن يقوم بدفع تكاليف نقل تلك الأخطار في صورة إضافات على الإيجار الصافي للعقار.
ومن ناحية أخرى يمكن للمالك أن ينقل للمستأجر بعض الأخطار التي كان يجب عليه تحملها عن طريق عقد الإيجار ذاته. مثال ذلك الأخطار التي تنشا عن حوادث تهدم الأصل أو احتراقه أو المسئولية المدنية تجاه الغير، والمترتبة على وجود الأصل نفسه. كل هذه الحوادث وما شابهها يترتب عليها خسارة مالية تقع أصلا على صاحب الأصل، ولكن يمكنه أن ينقلها حسب اتفاق صريح في عقد الإيجار إلى المستأجِر، وذلك في نظير دفع تكاليف الخطر عن طريق خصومات من إيجار العقار العادي.
مثال توضيحي
ففي حالة استئجار سفينة إيجارها السنوي العادي عشرة آلاف دولار في العام فإنه يحدث أن يطلب صاحب السفينة من مستأجرها أن ينص عقد الإيجار على مسئولية الأخير عن الحريق والغرق والتصادم وما إلى ذلك من حوادث لا دخل للمستأجر فيها أصلا. يترتب على ذلك أن يتفق على تخفيض الأجر السنوي للسفينة بمقدار تكلفة الأخطار التي يتحملها المستأجر فيصبح تسعة آلاف دولار مثلا. أما إذا أراد المستأجر أن ينقل إلى صاحب السفينة مسئوليته عن بعض الأخطار الناتجة عن تشغيل السفينة والتي يقع هو أصلا مسئولا عنها، مثل أخطاء القبطان والبحارة والشحن والتفريغ وما يترتب عليها من خسائر تصيب السفينة، فإنه يتحتم عليه تحمل تكلفة الخطر المنقول وذلك في صورة زيادة في أجر السفينة، فربما يرتفع إلى عشرة آلاف وخمسمائة دولار مثلا.
نقل الخطر من خلال عقود النقل
عقود النقل Carriers Contract، من المفروض أن صاحب الشحنة الذي يرغب في نقلها من مكان إلى آخر يقع مسئولا عن الخسارة المالية التي تنتج لها من جراء حوادث النقل ذاتها، ومن جراء الحوادث الأخرى التي تصيها وهي في حال النقل. فإذا أراد مثل هذا الشخص أن يتحلل من الخسائر المترتبة عن هذه الحوادث فيمكن له أن يقوم بعمل اتفاق مع الناقل Carrier ينص فيه على مسئولية الأخير عن الحوادث التي يريد أن ينقلها إليه. ويتم مثل هذا التعاقد على أساس إضافات إلى أجر النقل الصافي تتناسب مع مسئولية الناقل عن الأخطار والحوادث والخسائر المالية المتوقعة الحدوث للبضائع المنقولة. وأهم هذه الحوادث تنحصر في الضياع والحريق والغرق والبلل والسرقة وما إلى ذلك من حوادث تصيب البضائع المنقولة برًا أو بحرًا أوجوًا.
وقد يحدث أن يريد الناقل أن يتحلل من مسئوليته عن الأخطار التي تقع للشحنة الموجودة في حيازته والخيارات التي تصيبها نتيجة إهماله أو إهمال تابعيه في عملية النقل، وفي هذه الأحوال ينص في عقد النقل على عدم مسئولية الناقل عن هذه الخسارات مما يترتب عليه تحمله بقسط الخطر والذي يخصم عادة من أجر النقل العادي.
مثال توضيحي
وعلى سبيل المثال يوضح عقد النقل بالسكك الحديدية في معظم الدول عدم مسئولية الناقل عن عدة أخطار هي بطبيعتها مسئوليته الحقيقية – مثل الكسر والضياع وعدم التسليم – ولكن يرغب في نقل عبء الخسارة المالية الناتجة عنها إلى صاحب الشحنة. وقد ترتب على هذه الظاهرة أن أصبحت أجور النقل بالسكك الحديدية رخيصة نسبيًا إذا ما قورنت بمثيلاتها في حالة النقل بالسيارات. ففي حالة النقل الداخلي بالسيارات ينص عقد النقل عادة على مسئولية الناقل عن جميع الأخطار التي تقع من اختصاصه بالإضافة إلى بعض الأخطار التي تقع من اختصاص صاحب الشحنة والتي يطمع عادة في نقلها إلى الناقل بالسيارات مع استعداده دائما لدفع تكلفة نقل الخطر والتي تظهر بوضوح في الأسعار المرتفعة التي تتطلبها عقود النقل بالسيارات.
نقل الخطر من خلال عقود الأمانة
عقود الأمانة (بالإنجليزية: Bailment Contracts)، حيث يحدث أن يودع الفرد أو المشروع ممتلكاته لدى آخر، إما بقصد البيع أو بقصد الحفظ والتخزين، أو بقصد التصنيع أو بقصد أي خدمة عائلية أخرى، نظير أن يدفع الأول للأخير أجرًا أو عمولة مناسبة. والعقد الذي يتم بين المودع Bilor والمودع لديه Baielee يطلق عليه عقد الأمانة. وبموجب هذا العقد يتمكن المودع عادة من نقل عبء بعض الأخطار التي لا يريد أن يتحملها إلى المودع لديه نظير تحمل تكاليف الخطر التي تدفع في صورة إضافة إلى عمولة أو أجر الأمانة الذي يدفع للمودع إليه. ومن أمثلة الحوادث التي تقع لبضاعة الأمانة هذه الضياع والسرقة والحريق والسطو، والتي يتعهد المودع لديه تحمل الخسارة المالية الناتجة عنها والتي تصيب البضاعة المودعة لديه بدلا من أن يتحملها صاحبها الأصلي وهو المودع.
ومن ناحية أخرى فإن المودع لديه الذي يكون لديه بضاعة أمانة يمكنه أن يتعاقد مع صاحب البضاعة بطريقة تنقل عن كاهله عبء الخسارة المالية التي تصيب البضاعة من جراء أخطار الحريق أو السرقة أو الضياع – بالرغم من وجودها في حوزته – والتي تقع نتيجة إهماله أو إهمال تابعيه. وفي نظير ذلك عليه أن يتقبل الخصومات المناسبة من العمولة المستحقة له نظير نقل عبء الخطر إلى صاحب البضاعة. وكثيرا ما يحدث أن ينص في عقود الأمانة على تحويل بعض أخطار صاحب الممتلكات إلى الأمين، وفي نفس الوقت تحويل بعض أخطار الأمين إلى صاحب الممتلكات. وفي مثل هذه الحالات يضاف إلى العمولة التي يستحقها الأمين تكلفة الخطر المنقول إليه، كما يخصم منها تكلفة الخطر المنقول منه إلى صاحب بضاعة الأمانة.
عقود تكوين الشركات
عقود تكوين الشركات Forming Organizations: بالرغم من أن تكوين الشركات في أي من صورها المختلفة لا بد وأن يكون نتيجة تعاقد، إلا أن عقد تكوين الشركة يختلف كثيرًا عن العقود السابق ذكرها. فعقد تكوين الشركة وما يترتب عليه من نقل الخطر من الأعضاء المكونين لها إلى الشركة نفسها يتميز بميزات خاصة وبحدود معينة يجب معرفتها والتميز بين طبيعتها وطبيعة مثيلاتها في العقود الأخرى. ففي شركات الأشخاص يلاحظ أن مسئولية بعض الشركاء تكون غير محدودة، مما يترتب عليه أن عبء معظم الأخطار يلاحق هؤلاء الشركاء حتى مع وجود الشركة نفسها. أما في الشركات غير شركات الأشخاص، وخاصة المساهمة منها، وسواء كانت ملكيتها خاصة أو عامة فإن كثيرًا من الأخطار وما يترتب عليها من خسائر مالية تتحملها الشركة نيابة عن الشركاء.
ومن أمثلة الحوادث التي ينقل عبء خسارتها من الأفراد الشركاء إلى الشركة دائمًا حوادث المسئولية المدنية بجميع أنواعها، والاختلاس، والإفلاس، أي عدم سداد الديون التي تزيد عن رأس المال، وتكلفة الخطر التي يقوم الشركاء بتحملها في هذه الحالات تتمثل في خصومات نحدث في نصيب كل منهم في العائد على رأس المال. فمن الواضح أن عائد المتاجرة كان لا بد وأن يعود بالكامل إلى الأفراد الشركاء لولا أنه يخصم منه كل الخيارات التي تقع أولا بأول نتيجة تحمل الشركة أعباء هذه الحوادث نيابة عن الشركاء. وكذلك تخصم احتياطيات كافية من الأرباح لمقابلة مثل تلك الخسائر عند وقوعها.
ملاحظة
يلاحظ أن جميع السياسات المذكورة عن نقل الخطر لا تؤثر في قليل أو كثير في الخطر نفسه أو عوامله، ولكنها وسائل للمقابلة الخسائر المالية المترتبة على وجوده، وعلى وجه التحديد نقل عبء هذه الخسارة من طرف إلى طرف آخر بدون تغيير في قيمتها بأي حال من الأحوال. وتظهر الأهمية الفنية لسياسات إدارة الخطر في أن الشخص الذي يوجد لديه خطر وحيد أو أخطار قليلة يمكنه نقلها إلى طرف آخر يتجمع لديه عدة أخطار متشابهة تمكنه الصرف على إدارتها إدارة علمية سليمة.
سياسة تخفيض الخطر
سياسة تخفيض الخطر Risk Reduction. ويقصد بسياسة تخفيض الخطر تقليل الشعور بظاهرة عدم التأكد والشك الناتج عن اتخاذ القرارات. ويمكن الوصول إلى هذه النتيجة عادة عن طريق التنبؤ بدقة كافية باحتمال تحقق الظواهر الطبيعية المختلفة من ناحية، والتنبؤ بدقة كافية أيضًا بحجم الخسارة التي تنتج كل مرة عن تحقق الحوادث المشار إليها. وعلى ذلك فإن سياسة تخفيض الخطر يتوقف نجاحها على الوصول إلى طرق دقيقة للتنبؤ Accurate Prediction.
وينتج عن سياسة تخفيض الخطر عن طريق التنبؤ الدقيق إحدى نتيجتين: فإما أنه يؤدي إلى الاعتقاد بأن الخسارة المالية المتوقعة كبيرة وتكرار حدوثها مرتفع مما يؤدي بدوره إلى تجنب الخطر Risk Aversion عن طريق عدم اتخاذ القرار، وإما أنه يؤدي إلى الاعتقاد بأن الخسارة المالية المتوقعة وتكرار حدوثها محتملين ويمكن التعامل فيهما في حدود الإمكانيات المالية والنفسية والاجتماعية.
تستعمل سياسة تخفيض الخطر عادة في معالجة الأخطار الاقتصادية الطبيعية البحتة. كما أن بعض السياسات الفرعية فيها تعالج الأخطار الاقتصادية الخاصة بالمضاربة (الأرباح أو المكاسب المتوقعة، وخاصة بالنسبة للاستثمارات).
مثال توضيحي
ويمكن توضيح سياسة تخفيض الخطر من الناحية العملية على أحد الأفراد الذي يملك منزلاً قيمته عشرة آلاف دولار. إذا بقي هذا الشخص بمفرده وبمعزل عن أمثاله وكان احتمال حدوث الحريق في المنازل المشابهة لمنزله واحد في الألف (أو 0.1%) مثلا لكانت درجة الخطورة لديه من ظاهرة الحريق مرتفعة حيث أنه لا يمكن له التنبؤ بدقة عن مستقبل منزله. فاذا وقع الحريق في المنزل كانت خسارته تتراوح بين خسارة بسيطة جدًا أو كبيرة جدًا تصل إلى قيمة المنزل بأكمله، وهذا شيء لا يمكن أن يتحمله بسهولة. أما إذا انضم إلى الأشخاص الكثيرين الذين هم في نفس مركزه فإنه يسهل عليهم مجتمعين التنبؤ بدقة أكثر. فإذا فرض أن عددهم ألف شخص وكل منهم يملك منزلاً من نفس النوع وكان احتمال الحريق واحدًا في الألف كما سبق أن ذكرنا فإنه من المنتظر أن يحترق منزل واحد من الألف منزل وتكون أقصى خسارة هي قيمة المنزل بالكامل وهي عشرة آلاف دولار حيث أن:
المعادلة الرياضية المستخدمة في حساب الخسارة المتوقعة:
إجمالي الخسارة المتوقعة (التوقع الرياضي) = قيمة المنزل x عدد المنازل x احتمال الحريق
أي أن:
إجمالي الخسارة المتوقعة (التوقع الرياضي) = ۱۰0۰۰ × 1000 × 0.1 % = 10000 دولار
ويكون نصيب كل مالك من الخسارة = الخسارة المتوقعة ÷ عدد الملاك = 10000 ÷ 1000 = 10 دولارات.
وبذلك تكون الخسارة المتوقعة بالنسبة للمالك الواحد عشرة دولارات. وهو مبلغ يمكن تحمله إذا ما قورن بخسارته المتوقعة في حالته الانفرادية.
وهذا يؤدي إلى القول بأن درجة الخطورة قد انخفضت انخفاضًا ملحوظًا عن حالة بقاء المالك منفردًا، حيث أنه لا يمكن أن يتنبأ بدقة عن ناتج الخطر إلى حالة وجود الأعداد الكبيرة حيث أنه تمكن من التنبؤ بدقة من ناحية ومن تخفيض الخطر من ناحية أخرى.
وهناك عدة طرق تتبع في تخفيض الخطر نضع أهمها في مجموعات ثلاث كالآتي:
طريقة الفرز والتوزيع
طريقة الفرز والتوزيع (أو بالإنجليزية: Segregation & Diversification). وهي طريقة فرز الأصول المملوكة للفرد أو للمشروع عن بعضها البعض. وتعتبر أحد الطرق الرئيسية الخاصة بتخفيض الخطر وما يترتب على ذلك من التحكم في الخسارة المالية.
والفرز يحدث بطريقتين مختلفتين. إما عن طريق تجزئة الأصول المملوكة للفرد الواحد على عدة أمكنة، أو عن طريق تجزئة ملكية الأصل الواحد على عدة أفراد مختلفة. ومن أمثلة الطريقة الأولى ما يحدث بالنسبة لصنع وتخزن مواد قابلة للاشتعال أو الانفجار بتوزيع هذه المنتجات على عدة مخازن يفصل بين كل منها فراغ كاف، بحيث لا يؤثر ما يحدث لمحتويات أحد المخازن على محتويات الآخر تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر. ومن أمثلة الطريقة الثانية القيام بتوزيع ملكية الأصل الواحد على عدة شركاء أو على أفراد العائلة حتى يكون نصيب كل واحد منهم محدودًا في أية خسارة تصيب الأصل، وتكرار هذه العملية بالنسبة لكل أصل حتى يغطي رأس المال المستثمر في أجزاء صغيرة من كل منها بدلاً من استثماره في أصل واحد يفنى بمجرد تحقق حادث يؤدي إلى خسارة كلية.
وإذا اقترن الفرز بالتنويع ينتج عن ذلك طريقة مثلى في تخفيض الخطر. يظهر ذلك بوضوح فيما يتبعه المستثمرون في تجزئة قيمة محفظة الأوراق المالية إلى شرائح عدة (فرز)، مع تنويع تام في نوع الاستثمارات من ناحية نوع الأوراق المالية، ونوع الصناعة التي تنتمي إليها، ونوع الشركات في الصناعة نفسها، وتوزيعها الجغرافي، وتاريخ شراء الاستثمارات، وتاريخ استحقاقها وصفات أخرى متعددة. وفي هذه الأحوال يتمكن المستثمرون عادة من التنبؤ بدقة بنتيجة استثماراتهم بالنسبة لمحفظة الأوراق المالية ككل، بالرغم من بقائهم غير قادرين على التنبؤ بنتيجة كل نوع على حدة.
استعمالات طريقة الفرز والتوزيع
وتُستعمل طريقة الفرز والتنويع هذه في حالة الأفراد والمشروعات التي تمتلك وحدات خطر ضخمة ومتعددة ومتجانسة. وبذلك يمكن فرزها وتنويعها من جميع الجهات فتنخفض درجة الخطورة بالنسبة لكل وحدة خطر منها وبالتالي تنخفض الخسارة المتوقعة سواء من ناحية التكرار أو الحجم. ويحدث هذا عادة في وحدات الخطر القابلة للتأمين الذاتي كما سيأتي ذكره في فصل لاحق.
ومن الملاحظ أنه ليس لهذه السياسة في إدارة الخطر أية تكلفة إلا ما يتكلفه الفرد في عملية الفرز وما تطلبه من مستلزمات. ولكن على صاحب الخطر تحمل عبء الخسارة عندما تقع ومهما بلغت قيمتها. ولكن يقلل من وقع هذا العبء طرق التنبؤ الدقيقة التي ترشده إلى قيمتها مقدما.
طريقة تجميع الأخطار
طريقة تجميع الأخطار Pooling of Risks: ينتج عن تجميع الأخطار وجود وحدات خطر Risk Exposure متماثلة متجمعة ما يسهل معه إمكان التنبؤ بنتائجها بدقة باستعمال طرق رياضية وإحصائية معروفة. فكلما كثر عدد وحدات الخطر كلما أمكن استعمال المتوسطات Average، ومن ثم يمكن تطبيق قانون الأعداد الكبيرة السابق الإشارة إليه في موضوع قياس الخطر وأدوات وطرق قياس الخطر ومشتقاته.
ومن أمثلة طرق تجميع الأخطار اشتراك أصحاب الشحنات البحرية وأصحاب السفينة في دفع الخسارة العامة General Average التي يضحي بها أو تنفق في سبيل سلامة السفينة وما عليها، على أساس تجميع الأخطار التي تنتج عنها هذه الخسارة واقتسامها بمعرفة الأعضاء المعرضين لهذه الخسارة. مثال آخر ما حدث من اتفاق بين المصانع الخاصة التي تدار بالطاقة الذرية من تجميع الأخطار واقتسام ناتجها مع بعضهم البعض، كذلك الحال بالنسبة لتجميع أخطار الطائرات النفاثة عند بدء ظهورها واشتراك أصحابها في دفع أية خسارة تقع لأحدهم.
كل هذه الأنواع من تجميع الأخطار تسمح لأصحاب الأخطار بإمكانية التنبؤ بدقة كافية بالنسبة للخسائر التي تتحقق. وهو ما يقلل من ظاهرة عدم التأكد لديهم.
ومن الملاحظ أن طريقة تجميع الأخطار هذه تحتم على أصحاب الأخطار أن يشتركوا فيما بينهم في تحمل الخسارة المالية التي تقع من تحقق الحوادث التي يترقبونها. وعلى ذلك فيكون الالتزام المالي بدفع النصيب في الخسارة غير محدد، ما يترتب عليه أن تكون تكلفة إدارة الخطر قبل وقوع الحادث غير موجودة أصلا. ولكن على صاحب الخطر أن يتحمل نصيبه في عبء الخسارة عندما تقع ومهما تبلغ قيمتها.
استعمالات طريقة تجميع الأخطار
وتستعمل طريقة تجميع الأخطار عادة عندما تكون الخسارة المالية المتوقعة كبيرة، ولا يمكن لصاحبها أن يتحملها بمفرده، ولا يمكن له أن يتنبأ عن وقوعها بدقة إلا إذا كان عدد وحدات الخطر كبيرًا. ومن ناحية أخرى فإنه لا يمكن استعمال أي طريقة أخرى من طرق إدارة الخطر، خاصة وأن شركات التأمين – كما سيأتي بعد – تحجم عن قبول التأمين عن بعض هذه الأخطار.
هذا وعادة ما يطلق على طريقة تجميع الأخطار هذه طريقة التأمين التبادلي أو التعاوني كما سيأتي ذكره فيها بعد.
طريقة تأمين الخطر
طريقة تأمين الخطر أو بالإنجليزية Insuring of Risk: يصعب على الفرد أو المشروع في معظم الأحوال استعمال طريقة الفرز والتنويع في إدارة الأخطار حيث أنها تتطلب وجود وحدات خطر ضخمة ومتعددة ومتجانسة. كما يصعب على أي منهما استعمال طريقة تجميع الأخطار حيث أنها تتطلب تجميع عدد كبير من الأفراد والمشروعات الذين يملكون وحدات خطر متجانسة ويكونون راغبين في الانضمام إلى جماعة تتفق على المشاركة في دفع أنصبة من الخسارة التي تتحقق في نهاية العام أو المدة المتفق عليها.
ونتيجة مثل هذه الصعوبات تظهر أهمية طريقة التأمين والتي بمقتضاها تقوم هيئة منفصلة عن الأفراد والمشروعات، يطلق عليها هيئة التأمين، يكون شاغلها الشاغل هو تجميع الأخطار وفرزها وتنويعها ونقل عبء الخطر إليها في نظير أن يتحمل كل واحد من أصحاب الأخطار تكلفة الخطر الذي يدفعه مقدمًا في معظم الأحوال.
وعلى ذلك فالتأمين هو نظام يقلل من ظاهرة عدم التأكد الموجودة لدى صاحب الخطر وذلك عن طريق نقل عبء أخطار معينة إلى الهيئة التي تتعهد بتعويضه عن كل أو جزء من الخسارة المالية التي يتكبدها.
ويتضح من التعريف السابق أن التأمين نظام مرسوم لتحقيق قانون الأعداد الكبيرة على الأخطار المجمعة بغرض تحفيض قيمة الخسارة المالية، ومن ثم نقل عبئها عند حدوثها وتحملها. فالمعلوم أن التعويض الذي تدفعه الهيئة الخاصة بالتأمين لصاحب الخطر يتجمع من الأموال التي يدفعها أصحاب الخطر لها نظير عملية التجميع هذه.
الفرق بين طريقة تجميع الخطر وتأمين الخطر
مما سبق يتضح الفرق بين طريقة تجميع الخطر وتأمين الخطر، ففي حالة تجميع الخطر فقط يكون على الأعضاء تحمل ناتج الخطر من خسارة مالية مهما كانت قيمتها. أما في حالة تأمين الخطر فيترتب على التأمين تجميع الخطر وتقليل ناتجه من خسارة مالية ما أمكن وتحمل عبء محدود منه هو قسط الخطر. فالخسارة المالية – مهما كانت قيمتها – ينتقل عبؤها من صاحب الخطر نفسه إلى شخص أو مجموعة من الأشخاص الآخرين. ويظهر هذا جليا في التأمين التجاري، والذي فيه يدفع المؤمن له قسطًا نهائيًا نظير عبء الخطر إلى هيئة التأمين التي تقوم من جانبها بدفع الخسارة المالية عند وقوعها بغض النظر عن قيمة القسط المدفوع.
وواقع الأمر أن طريقة تجميع الخطر تتم عندما تكون عملية التنبؤ ينقصها الدقة الكافية لحساب تكلفة الخطر مقدمًا، وعلى ذلك يستعاض عن ذلك باقتسام الخسارة عند وقوعها. أما إذا أمكن تكوين خبرة كاملة عن الخطر ومسبباته والحوادث التي تنتج عنها وما يترتب عليها من خسارة مالية، ففي هذه الحال يمكن التنبؤ بدقة تامة عن ناتج الخطر وحساب تكلفته مقدمًا وقيام عمليات التأمين بأنواعها الدقيقة، وخصوصًا التأمين التجاري.
وتكلفة الخطر في طريقة التأمين تتحدد في قسط التأمين الذي يدفعه صاحب الخطر مقدمًا إلى هيئة التأمين التجاري. وفي بعض أنواع التأمينات التجارية لا تعرف التكلفة بدقة في بداية التعاقد. ولكن تُدفع مقدمًا تكلفة ما تحت الحساب على أن يُعاد النظر فيها في نهاية المدة على ضوء التكلفة الفعلية للأخطار المجمعة والمفروزة والمنوعة المنقولة إلى الهيئة.
مقارنة طرق تخفيض الخطر
وبمقارنة طرق تخفيض الخطر الثلاث المذكورة تحت سياسة تخفيض الخطر بالطرق الأخرى المذكورة تحت سياسة افتراض الخطر ونقل الخطر يظهر بوضوح الأهمية الخاصة لإدارة الخطر حسب السياسة الأولى، فهذه السياسة تؤثر في درجة الخطر تأثيرًا مباشرًا ونافعة للأفراد والمشروعات عند اتخاذ القرارات لدرجة يتمكنون معها من التنبؤ بدقة تامة أو قريبة من أن تكون تامة بناتج قراراتهم مقدمًا، وبذلك تنخفض درجة الخطر لديهم. هذا بخلاف ما يحدث في الطرق المذكورة تحت سياسة افتراض الخطر أو نقل الخطر إذ أن درجة الحظر لا تتأثر بهذه السياسات بل كل ما هنالك أن التحكم يحدث في الخسارة ومن يجب عليه تحملها، حتى في حالة نقل عبء الخسارة المالية من صاحب الخطر إلى المنقول إليه أو إلى الاحتياطي المكون خصيصًا لذلك فإن هذه الخسارة في حد ذاتها لا يتأثر حجمها – في أكثر الأحيان – بالسياسة المتبعة في إدارة الخطر.
كذلك الأمر بالنسبة لطرق الوقاية والمنع والتحكم في حجم الخسارة فإنها كلها تؤثر بطريقة أو بأخرى على حجم الخسارة دون تأثير على درجة الخطورة، بل أن التأثير على حجم الخسارة كثيرًا ما يكون مكلفًا للغاية في هذه الطريقة لما يتطلبه من نفقات إنشائية ضخمة تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة.
وأخيرًا، فإن سياسات تحفيض الخطر بأنواعها الثلاث تفيد أكثر ما يكون في مجابهة وإدارة الأخطار الاقتصادية البحتة شرط أن ينجح مدير الأخطار إما في تجميع مجموعة كبيرة من وحدات تلك الأخطار مع فرزها أو نقلها إلى هيئة متخصصة تتمكن من تجميع وحدات متعددة ومتشابهة ومفروزة منها مع بعضها البعض. كل ذلك بغرض الانتفاع من قانون الأعداد الكبيرة الذي يساعد على التنبؤ بنتائج الخطر بدقة تامة.
الطرق الكمية في إدارة الخطر
الطرق الكمية في إدارة الخطر (بالإنجليزية: Quantitative Approaches): يمكن استعمال إحدى الطرق الكمية المتعددة في إدارة الخطر مثل نظرية الألعاب Game Theory والبرمجة الخطية Linear Programming، ونظرية المصفوفات Quoving Theory، والنماذج الرياضية Mathematical Model، ونظرية اتخاذ القرارات الإحصائية Statuitical Decision Theory وما إلى ذلك من نظريات وطرق مماثلة. ولا بد أن يؤخذ في الاعتبار حداثة استعمال تلك الطرق في دراسة مواضيع الخطر والتأمين. ولذلك فإنه يحدث في بعض الأحيان تعقيدات كثيرة عند التطبيق لا يمكن السيطرة عليها إلا بالنسبة للمتمرسين على استعمال تلك الطرق.
ومن أنسب الطرق استعمالاً في دراسة الخطر والتأمين هي نظرية المراهنات ونظرية اتخاذ القرارات الإحصائية أو طريقة خليط بين الاثنين. ويمكن الوصول إلى ذلك باتخاذ الخطوات التالية:
- تكوين جدول يبين فيه بوضوح أنواع الخسائر أو التكاليف المتعلقة بكل من:
- بكل قرار يمكن اتخاذه
- بكل ناتج يمكن أن يظهر نتيجة القرار الذي يتخذ في (أ)
- وصف الغرض الذي يسعى إليه مدير الخطر بوضوح: هل هو الأمان التام أو الأمان بأقل تكلفة؟ أم أقل خسارة كلية؟ أو أقل خسارة جزئية، أو الإثنين معًا؟
- وضع قاعدة لاتخاذ القرار لكي تفي بالغرض الذي يسعى إليه مدير الخطر كما هو موضح في (2).
وفيما يلي مثال يوضح العمل بالخطوات السابقة:
مثال على الطرق الكمية في إدارة الخطر
نفترض أن مبنى قيمته (10.000) دولار معرض لخسارة من جراء خطر الحريق. وأن ناتج الحريق إما يكون خسارة كاملة من جراء الحريق أو لا خسارة إطلاقًا. كذلك نفترض بأن مدير الخطر يمكنه أن يختار بين ثلاث بدائل وهي:
- أن يفترض الخطر بمعنى أن يحتفظ به بدون تخطيط.
- أن يحتفظ بالخطر مع الاتفاق عليه بإدخال وسائل لمنع حادث الحريق والتقليل من خسائره ما أمكن.
- أو أن يشتري تأمينًا تجاريًا ويدفع عنه قسط تأمين.
أولاً: جدول الخسائر (أو عمود المدفوعات)
يمكن توضيح الخسارة التي تقابل كل من القرارات التي يمكن اتخاذها ووضع ذلك في جدول يطلق عليه جدول الخسائر كما هو موضح في الجدول التالي:
القرارات البديلة | في حالة الحريق | في حالة عدم الحريق | ||
1. افتراض الخطر | خسائر قابلة للتأمين | 10.000 | ||
خسائر غير قابلة للتأمين | 7.300 | |||
نظير قلق | 200 | نظير قلق | 200 | |
المجموع | 17.500 | 200 | ||
2. افتراض الخطر مع وسائل الوقاية | خسائر قابلة للتأمين | 10.000 | ||
خسائر غير قابلة للتأمين | 7.300 | |||
نظير قلق | 100 | نظير قلق | 100 | |
تكلفة الوقاية | 2.600 | تكلفة الوقاية | 500 | |
المجموع | 20.000 | 600 | ||
3. شراء التأمين التجاري | قسط التأمين | 500 | قسط التأمين | 500 |
خسائر قابلة للتأمين | 7.000 | |||
الإجمالي | 7.500 | 500 |
ويلاحظ على الجدول السابق والمفردات الواردة فيه ما یلي:
- كل عقار به أجزاء قابلة للتأمين وأخرى غير قابلة للتأمين بالشروط العادية أو حتى غير العادية. وعلى ذلك فنجد أن العقار تحت الدراسة به مبلغ (10.000) دولار قابلة للتأمين (وهي المباني المقامة على الأرض). ومبلغ (7.300) دولار غير قابلة للتأمين بمعرفته، مثل الديون على المبني والاستهلاكات وما إلى ذلك.
- يفترض أن هناك تكلفة للقلق في جميع الحالات التي ليس فيها تأمين ويقع فيها الحريق، وفي هذا المثال تبلغ (200) دولار في حالة افتراض الخطر بدون خطة. ومبلغ (100) دولار في حالة وجود وسائل المنع والوقاية من الحريق.
- تكلفة الوقاية قد بلغت (2.600) دولار تحسب بكاملها في حالة حدوث حريق على أساس أن أساليب الوقاية سوف تحترق مع المبنى. أما في حالة عدم وجود حريق فإنها تحسب بمبلغ (500) دولار استهلاك سنوي.
- في حالة شراء التأمين وحدوث حريق لوحظ أن الخسارة غير القابلة للتأمين افترضت أنها (7.000) دولار فقط بدلا (7.300) دولار السابق افتراضها في حالة الافتراض التام للخطر. هذا التخفيض ناتج عادة عن أن صاحب المبنى لن يحتاج إلى اقتراض أموال من الغير لإعادة بناء المبنى ولكنه سوف يتقاضى أموالاً من شركة التأمين المؤمنة على العقار لإعادة بنائه.
ثانيًا: وصف الغرض الذي يسعى إليه مدير الخطر
من الصعب تحديد الأغراض جميعها التي يمكن أن يسمي إلى أحدها مدير الخطر. وبالرغم من ذلك فإنه يمكن القول أن الحالات التالية تخدم في تحديد ووصف هذا الغرض من إدارة الخطر عن طريق العمل على:
الحالة الأولى: تقليل أقصى خسارة يمكن أن تحدث خلال المدة:
وعلى هذا الأساس فإن مدير الخطر يرغب في أن يحمي العقار من أقصى الخسائر أو أكبرها. وعلى ذلك فهو يختار الحالة التي تظهر فيها أقصى خسارة أقل من غيرها. ومن الجدول السابق نجد أن أصغر أقصى خسارة تقع في جميع الحالات هی (7.000) دولار، وهي المرتبطة بشراء التأمين.
الحالة الثانية: تقليل أقل خسارة يمكن أن تحدث خلال المدة
ويطلق على مدير الخطر الذي يحدد هذه السياسة ويسعى إليها بأنه متفائل. إذ أنه يتخذ القرار الذي ينتج عنه أحسن النتائج. فمن الجدول السابق نجد أن هذا القرار ينطبق على الحالة التي تكون فيها الخسارة (200) دولار. وهي حالة افتراض الخطر مع عدم تحقق الحريق.
الحالة الثالثة: تقليل الخسائر المتوقعة خلال المدة
فمن الملاحظ أن مدير الخطر الذي يحاول تقليل الخسائر المتوقعة – سواء كان منها الأقصى أو الأقل – فإنه سوف يحصل في المدى الطويل على أقل الخسائر المتوسطة. ولكي يحصل على هذه النتيجة فإن على مدير الخطر أن يحسب أولا الخسائر المتوقعة المرتبطة بكل نتيجة ممكنة. وهذا يمكن الحصول عليه بضرب كل خسارة متوقعة بالنسبة لكل قرار معين في احتمال حدوث هذه الخسارة. وعلى مدير الخطر – بعد الحصول على النتائج السابقة – اختيار القرار الذي ينتج عنه أقل خسارة متوقعة من تلك النتائج.
فعلى سبيل المثال إذا فرض وأن مدير الخطر وجد أن احتمال الخسارة بالنسبة لخطر الحريق كان (0.03) بدون وسائل منع الحوادث. وكان (0.1) إذا وُجدت وسائل منع الحوادث. وعلى ذلك تكون الأرقام الخاصة بأقل خسارة متوقعة كالآتي:
1. في حالة افتراض الخطر:
أقل خسارة متوقعة = 0.03 × 17.500 + 0.97 × 200 = 525 + 194 = 719 دولار
۲. في حالة وسائل الوقاية والمنع:
أقل خسارة متوقعة = 0.01 × 20.000 + 0.99 × 600 = 200 + 594 = 794 دولار
٣. في حالة التأمين:
أقل خسارة متوقعة = 0.03 × 7.500 + 0.97 × 500 = 225 + 485 = 710 دولار
وعلى ذلك فإن مدير الخطر سوف يفضل طريقة شراء التأمين. إذ أن هذه الطريقة سوف تحقق للمبنى في المدى الطويل أقل خسارة ممكنة.
الحالة الرابعة: تقليل الخسائر المرتبطة بالاحتمالات الأكثر توقعًا:
يعتمد مدير الخطر في هذه الحالة على توقعه لأن يكون احتمالا أكبر من الآخر بالنسبة لحدوث الحادث من عدمه. وعلى ذلك فإذا وجد أن احتمال حدوث الحريق كبيرًا يفضل طريقة شراء التأمين. أما إذا وجد أن احتمال حدوث الحريق صغيرًا فإنه يختار الطريقة المتفائلة وهي احتمال عدم حدوث الحادث مما يترتب عليه افتراض الخطر مع عدم الاتفاق على وسائل الوقاية والمنع.
ثالثًا: تنفيذ القرار بطريقة سليمة
عندما يقرر مدير الخطر اتخاذ قرار معين بالنسبة لإدارة الخطر تبقي عدة خطوات أخرى لتنفيذ هذا القرار. فإذا قرر التأمين على العقار فإنه يبقى اتخاذ قرار بخصوص نوع التأمين ونوع الوثيقة ونوع المؤمن وما إلى ذلك من اختيارات تحتاج إلى قرارات فرعية.
المراجع
- كتاب الخطر والتأمين – الأصول العلمية والعملية. تأليف: الدكتور سلامة عبد الله، كلية التجارة، جامعة القاهرة، 1967، 1974.
- موسوعة التأمين، العلوم المالية والمصرفية، مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات، 2023.