أسرار التنمية الإستراتيجية – مركز الثقل التنموي
لو استطعنا جمع كل المفكرين والباحثين والعلماء المتخصصين في التنمية في كل المجالات الحيوية في أي مجتمع لوضع خلاصة ما لديهم من رؤى وطروحات وخطط تلزم لإعادة البناء والتطوير والتحديث وحل المشكلات المستعصية فيه وبدء مسيرة تنموية حقيقية بعد عقود من التراجع لحصلنا على عدد هائل من الأفكار والرؤى وحتى الإبداعات التي قد تكفي إحداها فقط لاستنهاض وبناء دول عظمى، أو حتى بدون مبالغة قد تكون سبباً في نقل العالم أجمع من مكانة لأخرى على مقياس التقدم العلمي والحضاري، وهو ما أحدثه بالفعل اكتشاف الكهرباء مثلاً!
وبالرغم من أننا قد نحتاج لمثل هذا العدد الهائل من تلك الأفكار والخطط لتنفيذ مسيرة تنموية حقيقية بعد عقود عجاف، إلاّ أننا، وفي هذا العصر تحديداً، قد نحتاج لفرق أخرى من العلماء المتخصصين في القياس والتحليل والتقييم، الكمي والنوعي، لكي يستطيعوا استكشاف واستنباط أفضل خطط العمل الشاملة والمتكاملة لكل المجالات و”القابلة للتنفيذ”، وذلك من خلال بحث ودراسة كافة تباديل وتوافيق كل تلك الأفكار والرؤى والخطط، بحيث تحقق الحد الأدنى من شروط النجاح وتتوافق مع سلم الأولويات وتساهم في التقدم والتنمية في كل المجالات بشكل إستراتيجي متوازن وضمن حدود الإمكانات المتاحة وبشكل تكاملي مترابط يعمل فيها كل مجال عمل الرافعة للمجالات الأخرى وبطريقة إستراتيجية مستدامة بعيدة المدى.
ولا تقتصر عمليات القياس والتقييم الكمي والنوعي لخطط التنمية بكافة أشكالها ودراسة وتحليل التقاطعات والتشابكات بين المجالات الحيوية المختلفة في المجتمع على الفترة التي تسبق تنفيذها على أرض الواقع بغرض انتقاء الأفضل والأنجع منها، ولكنها ينبغي أن تتم بشكل دوري ومتكرر يهدف إلى بحث الآثار المترتبة على تنفيذ تلك الرؤى والخطط من أجل تقويمها وتصحيحها والعمل على استكشاف ما يمكن أن نطلق عليه “مركز الثقل التنموي” الذي تتمحور حوله وترتكز عليه كل خيوط التنمية في جميع المجالات بشكل تكاملي يؤسس لعملية البناء وفق آلية متوازنة تعزز من التقدم في بناءها جميعاً وبما يتناسب مع كل من ثِقل المجال وأهميته والمسافة التي تفصله عن هذا المركز.
ففي خطة تنموية إستراتيجية شاملة ومتكاملة تهدف للتنمية والتطوير في مجالات كل من التربية والتعليم ورفع منسوب الثقافة العامة والارتقاء بالمستوى الصحي للأفراد وتطوير منظومة الرياضة والاستكشاف المبكر للمبدعين في الألعاب الرياضية بكافة أنواعها، يمكن تشبيه إضافة مادة علمية جديدة وإدراجها ضمن المناهج المقررة في جميع المراحل التعليمية بحيث تكون مخصصة لشرح وتبسيط كل ما يتعلق بالألعاب الرياضية المختلفة، تاريخها وقواعدها وفنونها وأخلاقياتها وفوائدها الصحية ومنافعها المتعددة على الفرد والمجتمع، وكأنها حجر الزاوية الأهم والأقرب لمركز الثقل التنموي الذي ترتكز عليه وترتبط به أسس التنمية والتطوير في كل تلك المجالات بشكل تكاملي ربما أكثر من أي شيء آخر.
إن التنمية الإستراتيجية المستدامة في هذا العصر، المتشابك، تقتضي بحث واستكشاف العديد من مراكز الثِقل التي ترتكز عليها عمليات التنمية والتطوير في المجالات الحيوية المتعددة في المجتمع بشكل تكاملي تتشابك وتتقاطع فيها الكثير من الرؤى والأولويات والعوامل الإيجابية المؤثرة في مسيرة التنمية في كل المجالات، ولكنها، وبسبب خاصية التشابك أيضاً، تقتضي بحث واستكشاف العقبات والعوامل السلبية المشتركة، الظاهرة والخفية، التي تُعيق عمليات التنمية بشكل تسلسلي مركب ومتشعب، بحيث يتم العمل على تعزيز الأولويات والعوامل الإيجابية وتوسيع أثرها من جهة والحد من العوامل السلبية والتقليل من أثرها بقدر الإمكان على تلك المجالات من جهة أخرى.