الملخص
نشأة القانون الدولي العام وتعريفه – الطبيعة الملزمة لقواعده القانونية – آراء الفقهاء حول الأساس الذي تستند إليه الطبيعة الملزمة لقواعده.
المحتويات
نشأة القانون الدولي العام
جاء استخدام تعبير القانون الدولي العام لأول مرة في مؤلف الفيلسوف الإنجليزي جيرمي بنتام Jermy Pentam، الذي حمل عنوان:
“مقدمة حول مبادئ الأخلاق والتشريع”
عنوان المؤلف للفقيه جيرمي بنتام
كان يقصد بهذا التعبير مجموعة من المبادئ المطبقة على الجماعة الدولية.
وكان التعبير المتعارف عليه قبل ذلك هو: “قانون الشعوب” أو “قانون الأمم” وهو التعبير الذي كان مستخدمًا من جانب قدامى فقهاء القانون الدولي، وفي مقدمتهم:
- الفقيه الهولندي “هيجو جروسيوس” Hugo Groitus
- الفقيه الألماني صمويل بيفندروف Samuel Pufendrof
- والفقيه السويسري أميرد فاتيل Emmerde Vattel.
جدير بالإشارة أن الفقهاء المسلمون الأوائل قبل التواريخ السابقة بقرون قد أفردوا في كتاباتهم ومؤلفاتهم أجزاءً مستقلة لقواعد العلاقات الدولية تحت عناوين “كتاب السير أو الجهاد” أو “أحكام السير” و”السير” جمع سيرة، والسيرة لغة هي الطريق، وقد استخدمها الفقهاء لبيان طرق التعامل بين المسلمين وغير المسلمين، وبيان ما لهم وما عليهم في السلم وفي الحرب، أي بيان أسس العلاقات فيما بين المسلمين وغير المسلمين. ويمكن القول أن الفقيه الإسلامي “محمد بن الحسن الشيباني” هو أول من جمع أحكام السير في مؤلف مستقل، سيما كتابيه: السير الكبير والسير الصغير، حيث وضعهما ونقل عنه بظاهر الرواية وصحتها في القرن الثامن الميلادي.
لقد أثبت المستشرقون المطلعون أن الغرب تأثر تأثيرًا ملموسًا ما خلفه العرب من مبادئ وأعراف في مجال العلاقات بين الشعوب.
كما أوضحوا أن الفقيه الهولندي جروسيوس الذي يعد في نظر فقهاء الغرب رائدًا في القانون الدولي، كان منفيًا في الإستانة التركية، الأمر الذي أتاح له فرص الاتصال بالعالم الإسلامي والعربي والتعرف على أنظمته وأعرافه الدولية، وثبت كذلك أن جروسيوس قد تأثر بمكن كتب قبله، أمثال الإسباني فرنسبسكو سواريز الذي ولد في غرناطة عام 1548 وتوفي في لشبونة عام 1617، والذي تأثر وغيره بما كتبه المسلمون والعرب وبما تعارفوا عليه من علاقات ومبادئ وقواعد دولية.
تعريف القانون الدولي العام
تباينت التعريفات التي أوردها الفقهاء للقانون الدولي، وذلك نظرًا لاختلاف نظرتهم إلى طبيعة هذا القانون ومداه.
ومع ذلك اتجهت التعريفات المختلفة بصفة عامة إلى اعتبار القانون الدولي العام هو مجموعة القواعد التي تحدد الحقوق والواجبات الخاصة بالدول وحدها في علاقاتها المتبادلة. وكان هذا التوجه متأثرًا بالطابع الخاص للمجتمع الدولي قديمًا الذي كانت وحداته الأساسية متمثلة في الدول باعتبار الأخيرة تمثل المظهر الأول من مظاهر التنظيم السياسي والقانوني الذي عرفه المجتمع الدولي. غير أنه مع تطور المجتمع الدولي وتنامي علاقات التعاون والتبادل والاتصالات بين الدول وهو ما أدى إلى ظهور وحدات وتنظيمات دولية على مستويات السياسة والاقتصاد والقانون وغيرها تتجاوز حدود الدولة في شكلها التقليدي، اقترن كل ذلك بإمداد سلطان القانون الدولي إلى حكم تلك الوحدات والتنظيمات وحكم ما يجري بينها من علاقات.
في ضوء هذا التطور يمكن تعريف القانون الدولي بأنه مجموعة من القواعد القانونية المطبقة داخل الجماعة الدولية من حيث تنظيم وحداتها الأساسية وحكم العلاقات المتبادلة بينها. وبهذا التعريف يختلف القانون الدولي عن القانون الداخلي الذي يتمثل في مجموعة القواعد القانونية المطبقة حصرًا داخل الدولة. كما يختلف عما يعرف أكاديميًا بـ القانون الدولي الخاص الذي أطلق على ذلك الفرع من القانون الذي يعني بمسائل تنازع القوانين وتنازع الاختصاص وبيان أحكام الجنسية ومركز الأجانب، وبعبارة أخرى ينصرف إلى القواعد التي تحكم علاقات الأفراد التي يكون فيها بالنسبة لدولة معينة عنصرًا أجنبيًا أو ظرفًا خارجيًا، حتى لا يختلط المعنى جرى العمل على وصف القانون الدولي الذي يحكم العلاقات داخل الجماعات الدولية بين أشخاص القانون الدولي بالقانون الدولي العام.
الطبيعة الملزمة لقواعد القانون الدولي
هذا ويتفق الفقه حاليًا على الاعتراف بالصفة القانونية للقواعد القانونية الدولية.
وهو الأمر الذي لم يعد محل شك لدى اي منصف.
كما أن هذه القواعد لها طبيعتها الملزمة في الجماعات الدولية.
وذلك رغم الخلاف الذي ثار في الفقه حول الأساس الذي يستند إليه هذا الإلزام.
آراء الفقهاء حول الأساس الذي تستند إليه الطبيعة الملزمة له
يمكن إجمال الخلاف في آراء الفقهاء حول الأساس الذي تستند إليه الطبيعة الملزمة للقانون الدولي العام في الاتجاهات الثلاثة الآتية:
الاتجاه الأول:
يرى أن الإلزام هنا يستند إلى قيم عليا أساسية تلتصق بالجماعة أو إلى قانون عقلي صادر عن معطيات الضمير أو مبادئ العدالة أو طبيعة الإنسان العقلية أو الاجتماعية.
وأصحاب هذا الاتجاه هم من أنصار نظريات القانون الطبيعي.
الاتجاه الثاني:
يرى أن قوة القانون الدولي العام تستند إلى الإرادة التي أنشأت قواعده.
وأصحاب هذا الاتجاه هم من أنصار النظرية الإرادية.
الاتجاه الثالث:
ينظر إلى القانون الدولي العام على أساس أنه تعبير عن الواقع المادي أو الاجتماعي الذي نشأ فيه.
فهم يرجعون إلزامية القانون الدولي إلى أسس موضوعية وليست شخصية كالنظريات الإرادية أو أسس نظرية مثل أنصار القانون الطبيعي.
وأصحاب هذا الرأي هم من أنصار النظريات الموضوعية.
المصدر
- كتاب: القانون الدولي العام، الدكتور محمد مصطفى، كلية الحقوق، جامعة عين شمس.